لرئيس الحكومة السيد عبد الالاه بنكيران منطق غريب في تدبير الشأن العام و التفاعل مع الملفات و القضايا الكبرى التي تتناسل تباعا في رقعة المشهد السياسي و الاجتماعي الوطني رئيس حكومتنا الموقرة و عوض اتخاذ موقف حكيم يحسب له في مواجهة الغليان الذي تعرفه الجبهة الاجتماعية .و الذي دفع أغلبية المركزيات النقابية الى إعلان إضراب عام سيشل الحياة العامة بعد أقل من أسبوع و السعي من منطق المسؤولية الجسيمة التي يتحملها الى تهدئة الخواطر و امتصاص منابع الغضب املا في الوصول الى ارضية تفاهم تحقق حدا ادنى من السلم الاجتماعي المهدد ، الا انه ماخوذ بحمية التحدي لا يتورع في فتح أبواب المواجهة و يمعن في توظيف كل مصطلحات التعنت في مواجهة كل جبهة الاجماع المضاد الذي يتشكل منذ سنتين و يتكتل وراء قناعة رفض و الاحتجاج على الحصيلة المأساوية و المقرفة لتدبيره للقطاعات الاجتماعية للبلاد على الأقل حتى لا نتوسع في تفصيل مختلف الانحرافات الاخرى و مظاهر الفشل المتراكم في مسارات التدبير الحكومي . السيد بنكيران ومنذ ولوجه مبنى رئاسة الحكومة مدفوعا بتجاذبات رياح الربيع العربي و هو مقتنع اشد الاقتناع بأنه و حزبه يشكلان لوحدهما البديل الاوحد و الوحيد الذي أرسلته العناية الالاهية لهذا الشعب لانقاذه من مرحلة السكتة الدماغية التي ظل لسنوات حواريو الحزب الحاكم يهددون من مخاطرها من موقع المعارضة المريح و المثمر سياسيا . منذ فوز حزبه بالانتخابات ظل بنكيران يردد بدون كلل او تحفظ خطابا مفاده ان الباطل لا ياتيه و حكومته لا من يمينه ولا يساره . الرجل قالها في أكثر من مناسبة بأنه وحده و حواريوه من يملكون مفاتيح الأزمات المتراكمة . و بأنهم هم فقط من يتوفرون على الحلول و النيات الكفيلة لوحدها . وحتى بدون خبرة او حكامة أن تضع قاطرة البلاد في سكة الإصلاح الصحيحة لردم الفوارق و التحكم في الانزلاق وطرد الفساد و التخلف . في الرمق الأخير من عمر حكومته . السيد بنكيران يدرك بلا شك أن رفع الشعارات و توزيع الوعود أسهل و أهون من تنفيذها و ترجمتها إلى أفعال و قرارات تتلمس سبل الإصلاح الموعود . رغم كل هذا و مع ان السيد بنكيران يدرك أن حصيلة حكومته مجرد أصفار مركبة فانه ما زال مصرا على ركوب رأسه و تسفيه خصومه و مواجهة معارضيه و تبخيس مسعاهم و أفكارهم بكل ما تختزله شخصيته من تعنت و إصرار غريب على الرأي الأوحد الذي لا يقبل الجدال . قبل أيام فقط تحدى رئيس الحكومة النقابات المقبلة على الإضراب العام . مؤكدا إصرار حكومته على متابعة إصلاحاتها بشأن ملف التقاعد و إن تطلب الأمر سقوط الحكومة التي يقودها حزبه . بنكيران الذي يدرك أن قفشاته المعتادة بمنبر البرلمان لم تعد تؤدي وظيفتها « المرجوة « في تخدير الرأي العام الوطني و « تضبيعه « بخطاب مغرق في الشعبوية لا يقيم وزنا حتى لموقف وزير ماليته الذي وصف إصلاح أنظمة التقاعد بالإصلاح «المر»، سواء بالنسبة للمنخرطين أو بالنسبة لميزانية الدولة . رئيس الحكومة يستخف بإضراب الأربعاء المقبل بعد أن فشل في ترهيب الداعين إليه بنكتة الحوار المزعوم . مقدرا تبعات الصرخات المدوية لنقابيين ضد الحكومة التي تسعى إلى إغراق الطبقة الشغيلة في الفقر وجر البلاد نحو المجهول. رئيس الحكومة الذي قال أيضا قبل أيام أمام أحزاب الأغلبية ان فكرة الاستقالة راودته باستمرار . لكنه لن يفعل لأنه ليس من شيمه ترك السفينة تغرق وراءه . لأنه لا يملك الشجاعة السياسية للاعتراف بأن تركة حكومته ستغرق في جميع الأحوال خزينة الدولة في ورطة غير مسبوقة و سترهن مصير أجيال من المغاربة على الأقل عندما سيترك لخلفه بعد سنتين على أبعد تقدير ديونا داخلية و خارجية تتجاوز 587 مليار درهم بعد أن كان غلاف هذه الديون لا يتجاوز سقف 63 مليار درهم قبل ثلاث سنوات . هذا جزء من الحصيلة الحقيقية التي لا يجرؤ رئيس حكومتنا على مصارحة الشعب المغربي به مفضلا صراعه الدونكيشوطي مع طواحين الأوهام . فهل بقي في جعبة حكومتنا ما تقدمه غير العنتريات المفلسة .؟