كشفت دراسة حديثة للمعهد الملكي »»الكانو»«، تحت عنوان »»الدولة الاسلامية في اسبانيا»، نشرت في يوليوز الماضي، أن مدينة سبتة تعد »أبرز بؤرة للمكون المحلي للدولة الاسلامية. سبتة، 18 كلم2 من التراب معلقة في شمال المغرب، يحاصرها البحر الأبيض المتوسط من جهة والأسلاك الشائكة من الجهة الأخرى، إلى جانب مليلية، 12 كلم2 إلى الشرق، هما آخر بقايا اسبانيا الاستعمارية في القارة الافريقية تشير إليهما الأصابع خلال السنوات الأخيرة كواحدة من اهم بؤر التطرف الجهادي في اسبانيا. وحسب آخر دراسة للمعهد الملكي الكانو -وهو مؤسسة بحثية تعد مرجعا مهما في هذا المجال- صدرت في يوليوز الاخير بعنوان »الدولة الاسلامية في اسبانيا«، فإنه من أصل 124 شخصا معتقلين في البلاد في قضايا وأنشطة مرتبطة بالدولة الاسلامية ما بين يونيه 2013 وماي 2016 حوالي نصف هذا العدد اسبانيون، ومن هؤلاء 71% ولدوا في سبتة ومليليلة. وحسب أصحاب هذا التقرير فرنادو ريناريس و كارولا غارسيا كالفور، إذا كانت برشلونة هي المسرح الأول لتعبئة تنظيم الدولة الاسلامية في اسبانيا، فإن مدينة سبتة هي المرتع الأول لمكونها المحلي«. في سبتة ,الحالة الأولى المثيرة كانت هي حالة سائق الطاكسي: في يونيو 2012، ذهب رشيد حسين محمد 32 سنة إلى سوريا للقتال ضد نظام بشار الأسد في صفوف تنظيم جبهة النصرة التي كانت فرعا لتنظيم القاعدة، وأظهر شريط فيديو مسجل بعد بضعة أشهر، أظهر رشيد حسين وهو يفجر نفسه في سيارة مفخخة في إدلب لقد كان ينحدر من حي برنسيبي الشعبي في سبتة وحالة هذا السائق ليست حالة معزولة, هناك حالة الشابة الحاصلة على دبلوم وحالة نادل مقهى معروف بوسط المدينة: لكل واحد هنا قصة مع الرحيل المستعجل. يقول محمد كريم الذي يعمل وسيطا اجتماعيا منذ عشر سنوات «»لا نعرف حقيقة كيف يتطرفون لقد ذهبوا بين عشية وضحاها« «.المعهد الملكي إلكانو وضع صورة تقريبية لشخص معتقل بسبب ارتباطه بتنظيم الدولة الاسلامية في اسبانيا: رجل شاب متزوج له أطفال تابع دراسته في الثانوي، اسباني الجنسية (45 في المائة)أو مغربي الجنسية (41 في المائة) , وتطرف هؤلاء يمكن أن يحصل عبر الانترنيت أو في أماكن العبادة أو المراكز الثقافية أو في السجون ولكن يبدو أن الاتصال المباشر مع شخص مكلف بعملية الاستقطاب هو الحاسم. وإذا كان لا أحد في سبتة ينكر وجود حالات للتطرف، فإن الجميع يتحسر لتلخيص هذه الوضعية في الحديث عن هذا الموضوع الراهن. فرانسيسكو هيريرا الباحث السوسيولوجي ابن المدينة والاستاذ في معهد الدراسات السبتية يرى «أن حالات التطرف هاته موجودة ولكنها حالات كاريكاتورية تقريبا... في سبتة هناك تقاليد للعيش المشترك ,المشكل اجتماعي اساسا». أحد زملاءه , مانويل خوصي لوبيزا لويس , يشاطره الرأي ويؤكد» »هناك «سبتتان» سبتة التي تعيش بشكل جيد (حوالي 20 ألف موظف) وسبتة التي تعاني مدينة من لا عمل لهم» المركز التاريخي الصغير للمدينة جميل» شواطئ آثار حصون وأسوار ملكية وبعض البنايات الأنيقة بهندستها الكولونيالية حيث يتجول السياح المتوجهون في الغالب نحو المغرب . بضع دقائق بالطاكسي كافية للصعود إلى حي برنسيبي , يتغير الديكور تماما لا وجود لفنادق ولا محلات كبرى ولا بنية تحتية، بل تجميع لمساكن مختلفة الألوان عالقة في سفح الثلة تشبه الفافيلات -الأحياء الشعبية في ريودي جنيرو- درجة انعدام الامن مرتفعة» حي البرنيسيبي اشتهر دائما كأحد أخطر الأحياء الاسبانية ,الناس «يعيشيون بدون مشاكل الواحد جنب الآخر ولكننا لا نعيش فعلا مجتمعنن» ساكنة سبتة كانت دائما متعدة الثقافات: مسيحيون اسبان مسلمون من شمال افريقيا وأيضا جاليات يهودية وهندية صغيرة. واليوم حوالي نصف سكان المدينة43 في المائة (من مجموع 85 ألف نسمة) مسلمون ينحدرون أساسا من مناطق الريف المغربية. شيئا فشيئا، حسب الفصل الترابي داخل سبتة المسيحيون cristianos كما يسمونهم هنا يعيشون في سبتةالمدينة بينما الضواحي يقطنها المسلمون الذين يعانون من اعتبارهم كمواطنين من درجة ثانية، فالمؤشرات الاجتماعية لسبتة (مثل مؤشرات مليليلة) من أضعف المؤشرات الاجتماعية في اسبانيا، بل وفي مجموع أوربا أحيانا: الهدر المدرسي يصل إلى 25,2% ونسبة البطالة تصل إلى 35% وبطالة الشباب تصل 67,5% ويعتقد الصحفي الإسباني إيناسيو سامبريرو أنه في سياق التهميش والفقر في بعض أحياء سبتة و مليلية: يضاف عنصر آخر يمكن أن يفسر قابلية شريحة من الشباب المسلم، إلى التطرف: "عدوى المغرب"، كما يسميها سامبريرو الذي نشر مؤخرا كتابا بعنوان "la Espana de ala" عبارة عن تحقيق يخصص فيه حوالي مائة صفحة للمدينتين سبتة ومليلية بعنوان صريح لا لبس فيه "سبتة و مليلية، مدينتان بدون مستقبل". وحسب دراسة المعهد الملكي إلكانو فإن شمال شرق المغرب مزود مهم للجهاديين، إذ أنه من مجموع 800 مغربي ذهبوا إلى سوريا نهاية 2013، %35 منهم ينحدرون من جهة طنجة - تطوان – الحسيمة. والروابط قوية جدا بين سكان سبتة وسكان المدن المغربية المجاورة، لكن قرب المغرب يشكل كذلك حماية: فالمغرب هو من يرسل عددا مهما من الأئمة لمساجد سبتة، فالمغرب يقدم نموذجا للإسلام المعتدل كاستراتيجية لمكافحة التطرف. سلطات المدينة تطرح خطابا مطمئنا، فرئيس البلدية خوان خيسوس فيغاس، من الحزب الشعبي، المنتخب منذ 2001 ما فتئ يبرز "التعايش" السائد بين الجاليات المختلفة، وأيضا الجهود الأمنية المبذولة في السنوات الأخيرة وكذلك الاستثمار الاجتماعي المهم الذي أنجز في هذه الأحياء الشعبية بفضل تمويلات وطنية وأوروبية ويؤكد المسؤول أن "سبتة ليست عشا للجهاديين كما يصفها البعض". ويعترف الصحفي سامبريرو قائلا "سبتة كما مليلية هما المدينتان اللتان عرفتا أكثر العمليات الأمنية خلال السنوات الأخيرة". فبعد صدمة 11 مارس 2004 - حيث قتل 191 شخصا وجرح أزيد من 2000 شخص في هجمات نفذها تنظيم القاعدة في قطارات ضواحي مدريد كانت إسبانيا البلد الذي شن أكثر العمليات الأمنية ضد الإرهاب في أوروبا (حتى هجمات نونبر 2015 في فرنسا)، وحققت من خلالها بعض النجاحات، بحيث أن اسبانيا لم تشهد هجمات جديدة. وفي حي برنيسبي، كانت العمليات الأمنية قاسية في بعض الأحيان. بخصوص الشغل تقترح السلطات "مخططات عمل" وهي عبارة عن وظائف وأعمال بدون تأهيل معين، محدودة في الزمن، لا تتعدى في الغالب ستة أشهر، لكن التجارة أي في الحقيقة "التهريب" المسموح بها هي التي تغطي معيشة عدد مهم من الناس على طرفي "الحدود" وسكان منطقة تطوان المجاورة لسبتة بإدمانهم الدخول إلى سبتة بدون تأشيرة، وعمليا، يدخل آلاف الأشخاص إلى سبتة ويخرجون منها يوميا مشيا على الأقدام أو بالسيارات في طوابير لا تنتهي. ويشير خافير مارتينيز ألونسو وهو مناضل سابق في الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني أن إلى جانب الحدود بين المكسيك والولايات المتحدة فإن الحدود بين سبتة والمغرب هي الحدود الأقل مساواة في العالم عندما ننظر إلى مستوى الدخل الهزيل، ومع الاقتراب من نقط العبور بين المغرب وسبتة، في الجبال ترى على جانب الطريق مجموعات صغيرة من الشبان المنحدرين من دول جنوب الصحراء بلباس وأمتعة متعبة، وأعداد هؤلاء المهاجرين الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا تراجعت، فالتعاون الأمني الوثيق بين اسبانيا والمغرب لم يترك لهم سوى فرص ضئيلة للمرور، لكنه تم ينته تماما. في سبتة، تزايدت وتيرة المعركة من أجل المساواة في الحقوق على الواجهة السياسية: وظهرت أحزاب ذات أغلبية مسلمة مثل تحالف كابالاس (caballas) الذي يضم حزبين يساريين، والذي أصبح يشكل أكبر قوة معارضة، مايدا داوود مناضلة في الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني، هذه المدرسة الشابة، المتحجبة، انتخبت نائبة ثانية لجمعية (برلمان) سبتة منذ 2015، تقول مذكرة، "المواطنة تظهر في التمثيلية" وتشير أن التمثيلية الضعيفة للمواطنين المسلمين تحسنت في السنوات الأخيرة. وتعترف أنها منذ عشر سنوات وهي تعيش في سبتة، لاحظت تناميا للنهج المحافظ الديني - مثلا تزايد أعداد المنقبات - وكذلك تقاطبا متزايدا بين المسيحيين والمسلمين. لكن عمق المشكل ليس هنا: "إن خطر الفقر يهم %47 من السكان، أي حوالي 37 ألف مواطن من مجموع 85 ألف نسمة، وبطالة %70، علينا أن نبتكر لهم مستقبلا، وإذا ما بقينا على هذا السير، ستفرغ سبتة. والشباب سيرحلون، على الأقل من يستطيعون ذلك". بتصرف عن لوموند (24 غشت 2016)