24 غشت, 2016 - 05:49:00 بحي شعبي يطل على مدينة سبتة، يتوافد عدد غفير من الجماهير لمتابعة الدوري المحلي، المقام بملعب لكرة القدم المصغرة على مقربة من السياج الحدودي. ويرتدي اللاعبون الشباب قمصانا للاعبيهم المفضلين، في حين يغني المشجعون بصوت عال، ف"الرياضة تمنحنا قيم التسامح والعيش جميعا معا"، بحسب كريم محمد، وهو شاب في الثلاثين من عمره، يعمل الذي يشتغل في مجال العمل الاجتماعي لمدة عشر سنوات. وعلى بعد 18 كيلومتر من الملعب، تقع سبتة العالقة بين البحر الأبيض المتوسط وسياج من الأسلاك الشائكة، كما هو الشأن بالنسبة لمدينة مليلية، وتعد المدينتان مثالا حيا لبقايا الاستعمار الإسباني في القارة الإفريقية، ووصفتا خلال السنوات الأخيرة، كأبرز بؤرتين للتطرف باسم الإسلام في إسبانيا. وفق دراسة حديثة للمعهد الملكي "إلكانو"، الصادرة شهر يوليوز الماضي تحت عنوان "الدولة الإسلامية في إسبانيا"، بحيث أجريت على 124 شخصا من المحبوسين بتهمة تورطهم في أنشطة مرتبطة ب"الدولة الإسلامية" بين سنتي 2013 و 2016، فإن تقريبا نصف هؤلاء إسبان، و71 في المائة منهم ولدوا في سبتة ومليلية، إذ قال منجزا الدراسة، "فيرناردو رينار" و "كارلا كارسيا كالفو": "إذا كانت برشلونة هي المسرح الذي يتم فيه حشد عناصر تنظيم "الدولة الإسلامية"، فإن سبتة هي الموطن الأصلي لعناصرها الرئيسين". سكان "سبتة" نوعان كانت أول حالة مثيرة للدهشة في يونيو 2012، عندما التحق سائق سيارة الأجرة في سبتة، رشيد حسين محمد (32 سنة)، ب"جبهة النصرة" لمحاربة نظام بشار الأسد في سوريا. وبعد أشهر من ذلك تم تداول شريط فيديو يظهر فيه ذات الشخص وهو يقوم بعملية انتحارية بواسطة سيارة مفخخة في إدلب. "نحن لا نعرف كيف يصبح هؤلاء متطرفين بين عشية وضحاها"، يقول محمد كريم بحسرة. وحسب المعهد الملكي "إلكانو" فإن التطرف يمكن أن ينشأ من خلال شبكة الإنترنيت، وفي أماكن العبادة، والمراكز الثقافية أو السجون، "لكن الذي يبدو حاسما هو الاتصال المباشر بأحد عملاء الجماعات الجهادية المتطرفة". ومن جهته، يعرب الأخصائي الاجتماعي بمعهد الدراسات في سبتة "فرانسيسكو هيريرا" عن قلقه إزاء توارد أخبار عن وجود ظاهرة التطرف في سبتة، وتابع مضيفا: "التطرف موجود لكنه غير مؤكد، وهو مرتبط بالمشاكل الإجتماعية في المقام الأول"، في حين يرى زميله في المعهد "مانويل خوسيه لوبيز" أن "هناك نوعان من مواطني سبتة، فالأول يعيش في وضع جيد ومريح، أي حوالي 20 ألف من الموظفين، بينما النوع الثاني فهم المواطنون الذين يعانون من البطالة". ويعيش سكان سبتة مع بعضهم البعض بدون مشاكل، لكنهم ليسوا متلاحمين، إذ كانوا دائما متعددي الثقافات، منهم المسيحيون الإسبان، والمسلمون من شمال إفريقيا، بالإضافة إلى الأقليات اليهودية والهندوسية. واليوم، حوالي نصف سكان سبتة هم مسلمون، وعددهم يصل إلى 85 ألف مسلم، ينحدر معظمهم من منطقة الريف بالمغرب. شيئا فشيئا، حدث انفصال داخل سبتة، بين "الكريستيانوس" وهو لفظ يطلق على المسيحيين، معظمهم يسكنون في وسط المدينة. وعلى خلاف ذلك تعمر الضواحي من قبل المسلمين الذين يعانون من المعاملة كمواطنين من الدرجة الثانية. وتعد المؤشرات الاجتماعية في سبتة (أيضا مليلية) هي الأسوأ على الإطلاق في إسبانيا، حيث ارتفع معدل الهدر المدرسي إلى نحو 25.2 بالمائة، وارتفعت نسبة البطالة إلى 35 بالمائة، فضلا عن ذلك فإن 67.5 بالمائة من الشباب في سبتة يجدون أنفسهم بدون وظيفة. تعايش يعد شمال المغرب مصدرا مهما للجهاديين، بحسب دراسة المعهد الملكي "إلكانو"، فمن ضمن 800 مغربي التحقوا بسوريا سنة 2013، ينحدر 35 بالمائة منهم من جهة طنجة-تطوان-الحسيمة. وتعد الروابط بين سكان سبتة والمدن المجاورة لها قوية ومتينة. وحاول المغرب تبني مقاربة حمائية، حيث قام بإرسال معظم الأئمة بمساجد سبتة، كما شجعت الحكومة المغربية على الإسلام المعتدل باعتباره استراتيجة لمكافحة التطرف. وتريد السلطات في سبتة أن تبدو مطمئنة. ببدلته الرسمية وشاربه المنمق يجلس رئيس البلدية "خوان جيسيس فيفاس" خلف مكتبه، وهو لا يكف عن الثناء على التعايش السلمي السائد بين مجتمعات سبتة. كما يشيد "خوان" وهو عضو في الحزب الشعبي المحافظ، بالجهود المبذولة خلال السنوات الأخيرة، والاستثمار الاجتماعي الهام الذي تم إنجازه في بالأحياء الشعبية من خلال الأموال الوطنية والإسبانية، "سبتة ليست عشا للجهاديين كما يصفها البعض"، يعلن رئيس البلدية. "كانت سبتة ومليلية قد شهدتا جزء كبيرا من عمليات الشرطة خلال السنوات الأخيرة" يؤكد الصحافي الإسباني "إكناسيو سيمبريرو"، بعد الهجوم الإرهابي الذي نفذته القاعدة في مدريد يوم 11 مارس 2004، والذي خلف 191 قتيلا وألفي جريح. وفي المجال السياسي، عرفت سبتة معركة من أجل المساواة في الحقوق، حيث ظهرت الأحزاب ذات الأغلبية المسلمة مثل اتحاد "كابالاس" الذي يضم اثنين من تشكيلات اليسار، وأصبح بذلك القوة المعارضة الأولى. وتؤكد "مايدة داوود" وهي عضو بالحزب الاشتراكي أن تمثيلية المواطنين المسلمين قد شهدت نموا لافتا خلال السنوات الأخيرة. وطيلة عشر سنوات عاشتها "مايدة داوود" في سبتة، لاحظت تزايد عدد الأشخاص المتدينين، على سبيل المثال، ارتفع عدد النساء المنقبات. لكن المشكلة الحقيقية تكمن في غير ذلك، حسب "مايدة داوود"، فإن 47 بالمائة من السكان يعيشون الفقر، وما يقرب 70 بالمائة من الشباب يعانون من البطالة، "يجب علينا أن مواصلة الجهود لتأمين مستقبلهم، وإلا فسوف يفضلون مغادرة سبتة"، تقول ذات المتحدثة.
ترجم بتصرف عن صحيفة "لوموند" الفرنسية - عدد 24 غشت 2016