أي موت هذا الذي صار يتهدد سكينة واستقرار المواطنين ، ويرهن مصيرهم المادي والاجتماعي في قبضته الحديدية مستغلا أزماتهم المادية، وارتفاع الأسعار ونهم متطلبات الحياة اليومية، التي أصبح كل شيء فيها ضروريا ولاغنى عنه؟ حتى تلك التي صنفت إلى عهد قريب في خانة الكماليات صارت اليوم بديهية الحضور والاستعمال، والحالة هاته يعجز المواطنون على تلبية جميع متطلبات أسرهم مهما كان حجم الأجر الشهري الذي يتقاضونه، فما بالنا بالضعفاء الأجراء وذوو الدخل المحدود إنه شبح القروض الذي طوقنا وأحكم قبضته علينا وجعلنا بين النارين والحلين اللذين أحلاهما مر. عيد الأضحى والدخول المدرسي صارا مرادفين للقروض الاستهلاكية شرعت البنوك قبل بداية الدخول المدرسي وعيد الأضحى في تنويع العروض الائتمانية الموجهة لتلبية الطلب, حيث تشهد هذه الفترة ذروة الإنفاق والاستهلاك، من خلال تخفيض معدلات الفائدة على القروض بشكل مهم، إذ راجعت البنوك تعريفة خدماتها الائتمانية، بالاستفادة من خفض معدل الفائدة الرئيسي من قبل بنك المغرب في وقت سابق، وتحسن مستوى السيولة لدى البنوك، يتعلق الأمر بجميع أنواع القروض، بما في ذلك القروض الاستهلاكية، التي تطورت بزائد 2.3 % خلال الفصل الأول من السنة الجارية، رغم تراجع إجمالي القروض البنكية إلى 768 مليار درهم خلال هذه الفترة. وتعول البنوك على تخفيض معدل الفائدة لتحسين مؤشراتها الجديدة، ورفع وتيرة منح القروض. عديدة هي المناسبات التي صارت مرادفة للمؤسسات البنكية، لاستقطاب أكبر عدد من الزبناء الراغبين في الحصول على قروض استهلاك تتراوح قيمتها بين خمسة آلاف و15 ألف درهم، وقد تصل في أقصى الحالات إلى 60 ألف درهم، بالنسبة إلى شركات تابعة للبنوك، لكنها تختص فقط في القروض الصغرى. فمع اقتراب كل المناسبات التي يكثر فيها الإنفاق، سواء تعلق الأمر بالدخول المدرسي، أو عيد الأضحى، أو العطلة الصيفية، ، تدخل الوكالات البنكية، غمار سباق من نوع آخر. سباق تحرص فيه على استعمال كافة وسائل الاتصال الممكنة من أجل الدعاية لعروضها الخاصة، حيث تؤثت اليافطات الشوارع والأزقة، يصعب على العين أن تخطئها، وتسيل لعاب كل من يمر بضائقة مالية بسبب العروض الخاصة التي تتيحها المؤسسات البنكية للزبائن في هذه الفترة، والتي يتصدر الموظفون قائمتها. عروض وحملات دعائية، تكاد لا تختلف طبيعتها بين مؤسسة بنكية وأخرى ، كما أن نسبة فوائد مثل هذه القروض لا تختلف كثيرا بينها . فئة الموظفين، تعتبر الفئة الأكثر حظا، التي تستفيد من أكبر قدر ممكن من الامتيازات التي تمنحها البنوك وشركات القروض الصغرى، في كل ما يتعلق بقروض السكن أو الاستهلاك عموما. وذلك راجع بالأساس إلى كون هذه الفئة، هي الأقل خطرا بالنسبة إلى المؤسسة البنكية من حيث التملص من تسديد القرض، على اعتبار أن الموظف يتوصل براتبه الشهري بانتظام وفي الوقت ذاته، علاوة على إمكانية اقتطاع القيمة النقدية للأقساط الشهرية، مباشرة من المنبع، ويتم حذفها من راتب الموظف طيلة مدة تسديد القرض. وعلاوة على وضع الامتياز الذي يحظى به الموظف, فإن كافة المؤسسات العمومية والوزارات، وقعت شراكات مع المؤسسات البنكية، تمكن الموظفين لديها من الاستفادة من منتوجات وخدمات بنكية بشروط تفضيلية، من قبيل تخفيض نسبة الفائدة مثلا على القرض، أو حذف رسوم ملفات طلبات القروض، وأحيانا هما معا، فضلا عن إمكانية تأجيل انطلاق تسديد الأقساط، شهورا بعد استلام قيمة القرض. الاضحى يلهب المنافسة بين شركات القروض كثفت شركات التمويل حملاتها الإشهارية خلال هذه الفترة التي تقترب من عيد الأضحى ، من أجل استقطاب مزيد من الزبناء، إذ غالبا ما تلجأ الأسر إلى شركات التمويل من أجل تمويل النفقات الإضافية التي تتطلبها مثل هذه المناسبة. فهناك بعض العروض التي تقدم قروضا من أجل تمويل مصاريف عيد الأضحى والدخول المدرسي ، وبعض الشركات اجتهدت لتقديم عروض تجلب اهتمام الراغبين في القروض، من قبيل تقديم قرض موحد من أجل تغطية مصاريف متعددة، مثل قضاء العطلة وتغطية نفقات عيد الأضحى والدخول المدرسي، وتقدم شركات أخرى، بشراكة مع جهات أخرى، للزبناء الراغبين في الاقتراض قسيمة شراء تصل إلى 500 درهم وتعفيهم من مصاريف الملف أو هما معا أو المشاركة في الفوز بقسيمة عمرة او السفر الى الخارج. وتختلف العروض وتتنوع من خلال الملصقات الإشهارية المنتصبة في مختلف الشوارع. وهناك شركات تركز على الموظفين في القطاع العام، وأخرى تستهدف، من خلال عروضها، كافة الأجراء من أجل الظفر بزبون. وتعرف مقرات شركات القروض إقبالا متزايدا خلال شهر الصيام، إذ تصبح مكتظة بالزبائن الراغبين في الحصول على القروض. وتشير مصادر بإحدى شركات التمويل، إلى أن عيد الأضحى يعد مناسبة للشركات لكسب أقساط من السوق. وتتوقع المصادر ذاتها أن يعرف حجم القروض الاستهلاكية خلال هذا الشهر تحسنا، إذ تقبل العديد من الأسر المغربية على شركات التمويل من أجل تدبر الموارد المالية لتغطية نفقات عيد الأضحى والدخول المدرسي وإذا كان ذلك أمرا لا مفر منه بالنسبة إلى جل الأسر، فإن اللجوء إلى القروض من هذه المؤسسات يصبح ضروريا، مادام الأجر وحده لن يسد النفقات غير العادية التي تتطلبها المنافسة، كما أن التسهيلات التي تقدمها شركات القروض في ظل المنافسة الشرسة في ما بينها لجلب الزبائن، ساهمت في إغراء العديد من الأشخاص، وهكذا وبعد أن كانت الأسر تلجأ إلى العائلة، أو الأصدقاء للاقتراض، أصبحت تفضل اللجوء إلى مثل هذه الشركات تجنبا لأي إحراج. وتشير الإحصائيات التي أعلنت عنها الجمعية المهنية لشركات التمويل, إلى أن إجمالي قروض الاستهلاك وصلت خلال، السنة الماضية، إلى أزيد من 42 مليار درهم، ما يمثل أزيد من 38 %، من إجمالي القروض الذي قدمتها شركات التمويل بمختلف أصنافها، إذ وصل المجموع إلى 149 مليارا و 700 مليون درهم. أسر تستدين « لتدليع» أبنائها في العطل المدرسية. وفي المقابل نجد بعض الأسر، تركب عقول أطفالها الصغار وأبنائها الشباب، لتعمل جاهدة على توفير كل وسائل الرعاية لهم إلى حد «تدليعهم»، وهنا يقف الآباء والأمهات مكتوفي الأيادي أمام قلة ذات اليد ليصطدموا بواقع مر غير الذي ألفوه أول مرة، مما يفقدهم القدرة على التكيف مع بيئتهم الاجتماعية والاقتصادية التي فرضها عليهم أبناؤهم ليجدوا أنفسهم مضطرين إلى تغليب مصلحة أبنائهم على مصلحتهم الشخصية، والسير قدما لتحقيق احلامهم وطموحاتهم دون مراعاة لدخلهم المادي المحدود، عبر رصد ميزانيات خاصة لتغطية مصاريف خارجة عن الاساسي, حيث تنقلب حياتهم رأسا على عقب ما أن يصطدموا بالمناسبات الدينية والعطلة الصيفية والدخول المدرسي، التي ستزيد من حساباتهم طبعا، وتدخلهم نفقا مسدودا، ليسلكوا بعدها الطريق الأقرب نحو السقوط في شباك شركات التمويل كفريسة سهلة المنال، هذه الأخيرة التي تفتح لهم أحضانها وتعمد الشركات طريقة احترافية في إعلاناتها، التي تكون غاليا مغرية ومحفزة بهدف إغراق الزبون بالديون لأقصى مدة ممكنة وبفوائد مرتفعة، أهمها إدماج مجموع ديونه في قرض واحد بدعوى أن ذلك سيخفض الأقساط الشهرية، والحال أن تخفيض الأقساط الشهرية لن يتأتى في أغلب الحالات إلا من خلال إطالة مدة سداد الدين التي ما تنتهي مدته حتى ينتهي عمر صاحبها بعد مغادرته للعمل عبر مسلك الإحالة على التقاعد. وقد أكد البحث الذي أجرته المندوبية السامية للتخطيط حول واقع الأسر في ارتباطه بالظرفية الاقتصادية، أن انعدام الثقة لدى غالبية الأسر المغربية 78 (في المائة) أو تشاؤمها حول مستوى المعيشة خلال السنة المقبلة، خصوصا ما تعلق بالمداخيل المالية التي ترتبط بارتفاع الأسعار وفقدان مناصب الشغل وانعدام فرصه، (أكد) تدهور تصورات المغاربة ب6,1 نقاط مقارنة بالفصل السابق وب5,4 نقاط مقارنة بنفس الفترة من سنة 2015، مسجلة بذلك المستوى الأكثر تشاؤما منذ 2008 وهو التخوف الذي يفسره انخفاض النسب على القروض بضرورة عدم الإقبال عليها بالرغم من انخفاض الفوائد عليها. ارتباطا بذلك سجل بنك المغرب أن القروض البنكية حققت زيادة بنسبة 2ر1 في المائة خلال شهر يناير الماضي، وذلك بعد أن ارتفعت بنسبة 8ر2 في المائة في شهر دجنبر 2015. غول القروض ..الذي يهدد المغاربة الجمعية المهنية لشركات التمويل تؤكد أن240 ألف موظف استفادوا من قرض استهلاكي أو أكثر، وأن أزيد من 80 ألف موظف يعيشون بأجرة أقل من 500 درهم. وبفعل الديون؛ نصف عدد الذين شملهم بحث للجمعية لا يتبقى لهم من أجرهم إلا أقل من 2000 درهم. نسبة القروض الخطرة ترتفع بالنسبة لشريحة الذين لهم أقل من 3000 درهم. معطيات تبين خطورة هذا التوجه نحو قروض الاستهلاك الذي يؤدي في آخر المطاف إلى المديونية المفرطة، والدخول في دائرة مفرغة، وبموازاة مع ذلك, ينم ارتفاع ظاهرة القروض عن استهلاك اصطناعي، لا يعكس حقيقة الأوضاع، وهو ما يثير أكثر من سؤال حول هذه الظاهرة التي أدخلت الكثير من الأسر في منعرجات خطيرة بسبب الاستدانة إلى حد الإفراط، وعجز هذه الأخيرة عن التسديد، وإن كانت لها بعض المزايا بسبب الأوضاع الراهنة المتمثلة أساسا في ارتفاع الأسعار المتواصل، وتجميد الأجور؛ إلا أن هذه المزايا تنقلب في غالب الأحيان إلى كابوس يومي يعيشه المقترض وأسرته إلى حد التأثير السلبي على حياته... ثلث الأسر المغربية تقترض لمواجهة مصاريفها لا تتعدى نسبة الأسر التي يمكنها الادخار من مدخولها في المغرب 7.1% من الإجمالي، حسب بحث للمندوبية السامية للتخطيط، التي يعود إليها توفير البيانات حول الاقتصاد المغربي. وأظهرت الدراسة التي أعدتها المندوبية، أخيراً، عن أوضاع الأسر المغربية، أن نسبة 35.1% منها صرحت أنها تقترض من أجل تغطية نفقاتها، وتشير إلى أن 83.7% من الأسر التي استطلعت المندوبية رأيها في الربع الثاني من العام الجاري، أنها لن تستطيع الادخار في ال 12 شهراً المقبلة، فيما بدا أن 16.3% متفائلة عن قدرتها على الادخار. وتذهب الفدرالية المغربية لحقوق المستهلك، إلى أن ضعف القدرة الشرائية يفضي بالأسر للاقتراض، هذا ما يبرر في تصوره انتشار شركات القروض الصغيرة. وأكد مسؤولو الفدرالية المغربية لحقوق المستهلك، غير ما مرة على دعوتهم إلى حظر الإعلانات التي تغري الأسر بالاقتراض، خصوصاً أن الأسر تستسهل اللجوء إلى جمعيات وشركات القروض، لا سيما الصغيرة منها، حيث تجد نفسها، في الأخير، متورطة في فخ الاقتراض من أجل الوفاء بقروض حان موعد سدادها. وسجلت مديونية الأسر في العقد الأخيرة قفزة قوية، حيث انتقلت تلك التي تهم السكن والاستهلاك، من 9 مليارات دولار إلى 27 مليار دولار. وأظهرت الدراسة، أن مديونية الأسر تراجعت، في العام الماضي، بفعل تباطؤ القروض الموجهة إليها في حدود 5%، بعدما حققت في الثلاثة أعوام الأخيرة ارتفاعاً في حدود 9% وأضحت الأسر، حسب ما يتجلى من قراءة التقرير الذي نشره بنك المغرب، أخيراً، أكثر حذراً في إقبالها على الاقتراض في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية. 900 مليار سنتيم ما صرفه المغاربة من قروض الاستهلاك و حسب إحصائيات الجمعية المهنية لشركات التمويل, فقد وزعت شركات القروض، خلال التسعة شهور الأولى من السنة الماضية، نحو 900 مليار سنتيم، ما بين قروض شخصية وأخرى خاصة بالسيارات. و خلال الحملات الترويجية، تقترح الشركات والبنوك نسب فائدة ابتداء من 5 في المائة بالنسبة للقرض الشخصي و7.5 في المائة لقرض السيارة، لكنها بالمقابل تخفي من وراء هذه النسب المغرية مصاريف الملف.من جهتها لم تبرح تحذيرات كثيرة أطلقها عدد من المحللين من عواقب زيادة القروض المقدمة من البنوك وشركات التمويل للفئات المتوسطة ومحدودة الدخل في المغرب، خلال الأعوام الأخيرة تخوفا من عدم القدرة على السداد، خاصة في ظل شبح التضخم الذي بدأ يخيم على المغرب واضطرار البنك المركزي إلى رفع الفائدة. وفي ظل غياب العدد الكافي لجمعيات حماية المستهلك، انتقد المحللون باستمرار تشجيع البنوك لعملائها على الاقتراض دون توعيتهم بالمخاطر والعواقب ففي أحيان كثيرة يفاج عدد كبير من الموظفين باقتطاعات من رواتبهم لصالح شركات القروض، وحينما يستفسرون عن الأمر يجدوا أن ثمة أوراقا قامت على أساسها جهة العمل باقتطاعات الرواتب، وعندما يقوم الموظفون بالتشكيك في صحة هذه الأوراق تطلب منهم جهة عملهم اللجوء إلى القضاء واستصدار حكم للبراءة من هذا القرض الذي سيظل يدفعون أقساطه من رواتبهم لحين استصدار قرار من المحكمة لصالحهم. إن شركات القروض لم تكن لتجد مجالا خصبا للانتشار، لولا المناخ العام المشحون بالمتطلبات، والعادات المغربية التي وصلت درجة التباهي والزهو، وفي ظل انعدام القانون الخاص بحماية المستهلك، يبقى المواطن يتجرع مرارة وتبعات القروض التي قد توصله إلى ما لا يحمد عقباه.