يزخر التراث العربي بقصص وأخبار الأولين التي تم تدوينها، في كتب ومجلدات عديدة، متناولة حيوات أو أحداثا وقعت لهذا الشاعر أو هذا الأديب أو لذاك الوالي أو ذاك الحكيم أو هذا المجنون، أو هذا الطماع وذاك المحتال إلخ.. وهي قصص وأخبار انتمت في غالبها إلى الأدب العربي، الفصيح العالم منه، أو الشعبي، مما ظل الحكاة والرواة يرددونه في مجالس أنسهم، أويطالعه المهتمون بالأدب لإغناء قاموسهم اللغوي، لما تنطوي عليه بعض هذه القصص من مفردات مُفعمة بنداوتها الأولى وطراوتها البدئية، أو لما تشمله من عبر وحكم وأمثال أو لمجرد متعة القراءة والترفيه عن النفس. لذلك، اخترنا منتخبات من هذا التراث ليصاحبها القارئ الكريم، عله يجد فيها من البلاغة والفصاحة وحسن القول وسرعة البديهة، وخفة الظل والدم ومن مهارات الخطابة وأساليب المكر والحيل لبلوغ الغاية ومن الامتاع والمؤانسة، ما يملأ به وقته استفادة ومتعة. التصحيف والتحريف قال المعري: أصل التصحيف أن يأخذ الرجلُ اللفظ من قراءته في صحيفة ولم يكن سمعه من الرجال فيغيّره عن الصواب، وقد وقع فيه جماعةٌ من الأجلاء من أئمة اللغة وأئمة الحديث، حتى قال الإمام أحمد بن حنبل: ومَنْ يَعْرَى من الخطأ والتصحيف؟وأورد العسكري حكاية وقال: حدثني شيخ من شيوخ بغداد قال: كان حيّان بن بِشْر قد وُلِّي قضاء بغداد، وكان من جملة أصحاب الحديث، فروى يوماً حديث أن عَرْفجة قطع أنفُه يوم الكِلاب، فقال له مستمليه: أيها القاضي، إنما هو يوم الكُلاب، فأمر بحبسه، فدخل إليه الناس فقالوا: ما دَهَاك؟ قال: قُطِعَ أنف عَرْفَجة في الجاهلية، وابتليت به أنا في الإسلام. قال عبد اللّه بن بكر السهمي: دخل أبي علي عيسى بن جعفر وهو أمير بالبصرة، فعزّاه عن طفل مات له، ودخل بعده شبيب بن شبَّة فقال: أَبْشِر أيها الأمير، فإن الطفل لا يزال محبنظياً على بابِ الجنَّة، يقول: لا أدخل حتى يدخلَ والداي، فقال له أبي: يا أبا معمر، دع الظاء والزم الطاء، فقال له شبيب: أتقول هذا وما بين لابتيها أفصح مني. فقال له أبي: هذا خطأ ثَان، من أين للبصرة لابَة؟ واللاَّبة: الحجارة السود، والبَصرة: الحجارة البيض. أورد هذه الحكاية يا قوت الحموي في معجم الأدباء وابن الجوزي في كتاب الحمقى والمغفلين. * عن المزهر في علوم اللغة وأنواعها للسيوطي