الأمر ليس جديدا في تاريخ الحركات اليسارية في العالم، فقد تفنن اليمين بمختلف تلاوينه في توظيف بعض المحسوبين على اليسار، للتهجم على تنظيمات اليسار الكبرى، مستغلا تصريحاتهم ومواقفهم، للتهجم على الأحزاب والشخصيات اليسارية الفاعلة، في إطار لعبة «وشهد شاهد من أهلها». يوظفهم اليمين، بمختلف الأشكال والتكتيكات، من خلال تصيد تصريحاتهم وتضخيمها رغم أنها صغيرة، ويمنحهم فضاءات للحديث في ندوات وجرائد ومجلات، لكن بشرط أن يؤدوا الدور المرسوم لهم: ضرب القوى اليسارية الكبرى تحت الحزام، من أجل إضعافها وإرباكها بأيادي من يمكن اعتبارهم أبناء اليسار. صورة مغربية بئيسة لهذه الصورة العامة، نجدها في صحف ومجلات اليمين، منذ سنوات، خاصة في عهد حكومة التناوب، حيث فطنت القوى المناهضة لهذه التجربة، للدور الثمين الذي يمكن أن تلعبه هذه الأصوات في ضرب قائد هذه التجربة ، أي حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. فتحت هذه القوى لهذه الأصوات كل الأبواب، ومنحتها فضاءاتها الصحافية، منذ ذلك العهد، ولم يبق لها آنذاك، سوى أن تهديها حصصا في نشرات الأخبار في القنوات والمحطات العمومية، مادامت تخدم خطتها المتمثّلة في الطعن في مصداقية الاتحاد وحكومة التناوب. وقد تواصلت هذه العملية مع عدد من الذين غادروا هذا الحزب، حيث يتم اللجوء إليهم، عند الحاجة، من طرف جهات لا علاقة لها بالديمقراطية أو بمبادئ اليسار، ولا تتقاسم معه أية قيمة من قيمه، بل على العكس، فهذه الجهات اليمينية، تقف في الطرف المناقض و المعاكس لهذه المبادئ. ما تبتغيه هو أن تطلب منهم خدمات الهجوم على الاتحاد الاشتراكي، فيؤديها هؤلاء بكل حماس وخنوع. لكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن، هو هل هؤلاء «الموظفون اليساريون» لدى اليمين، واعون بدورهم، وماذا يربحون؟ الربح الذي يحصلون عليه هو الذي يفسر تهافتهم على لعب الدور المرسوم، فلولا هذا الدور لما وُجدوا أصلا، ولكانوا نسيا منسيا. نفس اللعبة، التي تم توظيفهم فيها، من طرف قوى مناهضة التغيير آنذاك، تتكرر مع الرجعية الأصولية، اليوم، حيث يلعبون في نفس المربع المرسوم، لكن هذه المرة، في صفوف يمين آخر، إخواني ظلامي، وهم فرحون بموقعهم الجديد، لأن مبتغاهم هو أن يظلوا حاضرين، مهما كان الثمن.