وهي قصة ارتبطت دوما بسؤال السياسة وحساباتها كخيارات في التدبير، بالمغرب، منذ قرن من الزمان. وبالمقارنة بين أعياد مماثلة في مختلف ملكيات العالم، سنجد أن قصة ما يصطلح عليه ب "عيد الجلوس"، تختلف من حيث معاني الاحتفال من ثقافة سياسية إلى ثقافة سياسية أخرى. ففي الملكيات الأوربية، عموما، هو احتفال بروتوكولي عائلي، ما عدا في إنجلترا الذي هو احتفال وطني عمومي. فيما الملكيات العربية، لا يحتفل أغلبها بعيد الجلوس، خاصة في دول الخليج (وفي المقدمة منها السعودية)، ويقتصر الاحتفال بهذا العيد على المغرب والأردن. لكن الاختلاف بين هذا العيد في عمان وفي الرباط، هو على قدر اختلاف السياقات السياسية والتاريخية لميلاد الاحتفالية هذه. بالتالي فلا تشابه بينهما بالمرة. لأن عيد العرش بالمغرب، قد ولد كقرار سياسي للحركة الوطنية المغربية. وهذه ميزته الكبرى، لأنه ترجمان لفعل سياسي وطني مغربي مقاوم للاستعمار وخططه. بل إن إقرار الاحتفال بهذا العيد، كان ترجمانا لشكل جديد في معنى الدولة لدى النخبة المغربية حينها. الدولة في وحدتها الجغرافية وأيضا في وحدتها السياسية من خلال ما يرمز إليه الجالس على العرش من عنوان للسيادة. في خضم هذه الخصوصية، جاءت فكرة إحياء عيد العرش، في نهاية سنة 1932 وبداية سنة 1933. والغاية هي ترسيخ الوحدة الوطنية لبلاد المغرب وأيضا لنظامه السياسي في مواجهة المخطط الفرنسي لدمج المغاربة في المنظومة الاستعمارية الفرنسية. من هنا الحماسة الوطنية التي ولد في إطارها هذا العيد بالمغرب. فتكونت لجنة مغربية وطنية في فاس، تضم أقطاب السلفية الوطنية المغربية المتنورة، وفريق الشبان الجدد للفعل السياسي المغربي المديني، وتقدمت بطلب رسمي، قدمه المؤرخ والفقيه عبد الرحمان بن محمد بن زيدان، باسم تلك اللجنة إلى سلطات الحماية لإقرار عيد الجلوس (عيد العرش) عيدا قوميا وطنيا للمغاربة. فتمت الاستجابة للطلب يوم 31 أكتوبر 1934، بتوقيع مشترك للمقيم العام الفرنسي هنري بونصو، والصدر الأعظم للحكومة الشريفية محمد المقري، وصدر ذلك القرار رسميا في الجريدة الرسمية يوم 2 نونبر 1934، وحدد فيه أن يوم إحياء عيد العرش من قبل المغاربة، هو يوم 18 نونبر من كل عام، أي اليوم الذي اعتلى فيه الملك الوطني محمد الخامس العرش بعد وفاة والده مولاي يوسف، سنة 1927. وباستحضار هذه السياقات التاريخية والسياسية، يمكن تقسيم تاريخ عيد العرش في المغرب إلى 3 مراحل كبرى: - مرحلة المعنى الوطني في عهد الاستعمار. - مرحلة المعنى المخزني في عهد الملك الراحل الحسن الثاني. - مرحلة المعنى المؤسساتي في عهد الملك محمد السادس. لقد ولد الاحتفال بعيد العرش، إذن، ضمن سياق تطور سياسي للحركة الوطنية المغربية، بالتنسيق مع الجالس على العرش، الملك الشاب حينها محمد بن يوسف. وقد كانت نخبة سياسية مدينية جديدة بدأت تعلن عن نفسها في كبريات مدن المغرب.