العطلة الصيفية هي فرصة للراحة و الاستجمام، للتمتع بالطبيعة و الاستمتاع بالتعرف على أناس جدد، غير أنها بالنسبة للبعض فرصة للعمل و تحصيل المال. فالعديد من المهن الموسمية مرتبطة بالعطلة.. رجال و نساء يجدون في موسم الصيف مجالا للعمل، فتتعدد المهن و تختلف، إلا أن بعضها أضحى ضروريا و لا محيد عنه لتكتمل صورة العطلة بالنسبة للعديدين ، و هي مهن يجمع أغلب الناس على أهميتها و أنه لا غنى عنها للاستمتاع بالصيف. فرصة للعمل كذلك كراء الكراسي والمظلات لرواد الشاطئ من أكثر المهن المزاولة في العطلة الصيفية، ففي شاطئ الصخيرات، مثلا، يعمل مجموعة من الشباب في تأجير الكراسي و الطاولات بالإضافة للمظلات. العربي أحدهم يقوم بهذا العمل منذ سنين طويلة. فرفقة مجموعة من أصدقائه و المنحدرين جميعهم من نفس المنطقةن يقول « اشتركنا في مجموعة من الكراسي و المظلات و نعمل منذ انطلاق العطلة الصيفية إلى غاية قدوم فصل الخريف». يؤجر العربي و أصدقاؤه المظلات ب 20 درهما لليوم و الكراسي ب 10 دراهم للكرسي الواحد، بنفس الثمن يتم كراء الطاولة، أما منضدة الاسترخاء فيبلغ ثمنها 30 درهما، بالنسبة للعربي العمل لا يمكن أن يتم دون مجموعة « نعمل كفريق ، نحن خمسة أصدقاء نقوم بنفس المهام الهدف الأساسي عرض الخدمات على كل قادم إلى الشاطئ و حراسة ممتلكاتنا. طيلة العطلة يمتلئ الشاطئ بالزوار و يرتفع عددهم في أيام نهاية الأسبوع و أيام الأعياد الوطنية، و بالنسبة للعربي و أصدقائه ففي أيام الإقبال الكبير على الشاطئ يصبح العمل شاقا، فهم يفضلون أيام الأسبوع على يومي الأحد و السبتن و السر أن أغلب زوار نهاية الأسبوع يقضون اليوم بأكمله على الشاطئ. فكراء المظلة مثلا يستمر لنفس العائلة طيلة اليوم أما باقي أيام الأسبوع فأغلب الراغبين في الاستمتاع بالبحر لا يقضون اليوم كله على الشاطئ، فيصبح الربح أكبر فالكرسي الواحد أو المظلة يمكن أن تكتري أكثر من مرة في نفس اليوم. على الشاطئ نفسه لا يكف أطفال عن التنقل بين المصطافين يحملون على رؤوسهم ألواحا مليئة بحلوة منزلية ساخنة تعرف باسم «البيني»، مغلفة بسكر، تباع الواحدة بثلاثة دراهم، يتم تحضيرها في الجوار عند صاحب محل مختص يقع على مدخل الشاطئ، يبيعها لهم بدرهمين و عليهم إعادة بيعها بسرعة فكلما كانت ساخنة كان بيعها أسهل، و غالبا ما تعرف إقبالا عند نهاية اليوم، أكثر من الصباح، و يقبل عليها الصغار أكثر من الكبار. فالكبار عليهم انتظار نهاية اليوم، ليبرز بائع القهوة الساخنة، رجل ربما اقترب من سنه الخمسين، يطوف بإبريق كبير مربوط بفرن صغير بها فحم مشتعل ، صادحا» قهوة معطرة، قهوة معطرة» يبيع الكأس البلاستيكي الواحد ب8 دراهم، و هي عبارة عن قهوة مضاف إليها مجموعة من التوابل و العطور، فتصبح بمذاق جد متميز، تدل عليه رائحتها المميزة قبل أن يؤكدها لنا تذوقها. هناك أيضا بائعو المثلجات، الحاملون لشبه ثلاجات صغيرة، و لائحة عليها أنواع المثلجات التي يتوفرون عليها، و بمختلف الأسعار، و رغم كثرة عددهم إلا أن سلعهم تلقى رواجا كبيرا خاصة عند اشتداد الحرارة، فتصبح المثلجات ملاذا للتخفيف من حرارة الجو، و هو ما يفطن إليه البائعون فيكثفون من عمليات التنقل بين رواد الشاطئ كلما كانت الحرارة مرتفعة. تتعدد المهن و تختلف باختلاف المناطق، و يجمع أغلب الزوار على أهميتها، بالنسبة لأحد الزوار الذي قدم رفقة زوجته و أبنائه، يرى فيما يعرضه هؤلاء الشباب جانبا آخر، أكثر من مجرد كراء مظلة أو كرسي : «هؤلاء بالنسبة لي دليلا على الأمن و الأمان الموجود على الشاطئ، فهم أول الحراس، فالشاطئ مورد رزقهم و هم أحرص من الجميع على استتباب الأمن و الدفع بكل من يحاول تعكير جوه الممتع» موقف سيشاطره معه أحد الزائرين الذي قدم رفقة والدته و أخيه الصغير «نعم هناك الأمن فرجال الدرك و القوات المساعدة منتشرون بشكل جيد، إلا أن البعض قد يعمل على إثارة البلبلة» ، مؤكدا أنه كان شاهدا على موقف تدخل فيه هؤلاء لفك خصام اندلع بين شابين، ليجبراهم على الابتعاد عن المصطافين. «جمل الصحراء» في شاطئ... على بعد كيلومترات من الصخيرات و في منتصف الطريق تقريبا بين الرباط و الدارالبيضاء، يقع شاطئ بوزنيقة الذي يلقى إقبالا كبيرا من البيضاويين خاصة من قبل من يملكون وسائل نقل، و الباحثين عن شاطئ هادئ شيئا ما مقارنة بما هو موجود في العاصمة الاقتصادية. هنا نفس المشهد تقريبان بائعون من مختلف الأعمار, أولهم حارس السيارات, فهو أول من يلتقي المصطافين به، و مقابل 10 دراهم يتكلفون بالحراسة طيلة اليوم، و منهم ممن يعرض عليك غسل سيارتك بإضافة 10 دراهم أخرى، فماء البحر في الجوار و مجاني. قبل الولوج للرمل، يعرض عليك بعض الشبان المظلات و الكراسي, و على الشاطئ نلاحظ وجود نفس المهن تقريبا، المختلف هنا جمل يجوب الشاطئ رفقة صاحبه الماسك به عن طريق حبل يلف عنق الجمل، بخطواته الثقيلة و حركته المميزة، يثير الأنظار خاصة الأطفال. سعر النزهة على ظهره 30 درهما, يقطع بالراكب مسافة تقارب 300 متر ،لا يهم عدد الركاب فالجمل بإمكانه حمل طفلين مع أبيهم، إن رغبت أسرة في ذلك, و يتم ختم الرحلة بصورة تذكارية يتكلف هاتف الأسرة بالتقاطها. فحتى سنوات قليلة كانت هناك مهنة التصوير الفوري على الشاطئ إحدى مهن الصيف، إلا أن التطور التكنولوجي بانتشار الهواتف الذكية جعلها تنقرض شيئا فشيئا . على الشاطئ أيضا هناك من يتخذ من بيع الفواكه الجافة و الحلويات مصدر رزق ، فيعرض على المصطافين فرصة التمتع بها خاصة بعد وجبة الغداء، فمذاقها يغري البعض باقتنائها خاصة العائلات الكبيرة و التي لا تكف عن تجاذب أطراف الحديث و هم يتمتعون بجو الشاطئ الجميل. لليل نصيب.... ننتقل إلى عين الذئاب، الشاطئ الأشهر بالدارالبيضاء، هنا كما النهار ممتلئ بالمصطافين الممتعين بفصل الصيف، فلليل زواره من العائلات التي تأبى إلا أن تستمتع بالمشي على الكورنيش الممتد. فالحركة لا تخف إلا بعد انتصاف الليل، و من أجل هؤلاء الزوار هناك أناس يقدمون خدمات متعددة، حيث نجد بائعي الدرة المشوية على الفحم، كما أن بعض الشابات يقمن بتزين أكفف الزائرات بالحناء مقابل 30 درهما لليد الواحدة، و من أجل الأطفال تنتشر عربات هي جزء من مشروع إحدى الجمعيات، يتخصص أصحابها في تقديم حلويات مصنوعة من السكر تعرف باسم «غزل البنات» مقابل 4 دراهم للواحدة. البعض الآخر يبيع لعبا تشتعل بالأضواء يحرصون على عرضها أمام الصغار من أجل حث آبائهم على شرائها، بالإضافة طبعا لحراس السيارات، فعلى طول الشارع الذي يفوق طوله الكيلومترين، ينتشر شباب يقدمون خدمة الحراسة مقابل أثمان غير مضبوطة في الغالب؟ عطلة ليست للجميع... يعتبر فصل الصيف موسم الاستمتاع و الراحة والاستجمام، لكن بالنسبة للعديد من الأشخاص ، خصوصا بالنسبة للفئات الاجتماعية ذات الدخل المحدود أو المنعدم ، فهو فرصة للعمل الدؤوب، لبذل الجهد من أجل كسب المال، فتظهر معه عشرات المهن الموسمية التي يزاولها الرجال و النساء والأطفال... ، و برغم ساعات العمل الكثيرة و التنقل المستمر على الأقدام فوق رمال ساخنة و تحت الشمس الحارقة، فإنها مهنا مؤقتة تعين أصحابها على ظروف العيش الصعبة، كما تخلق للزوار أجواء احتفالية مميزة، تكتمل معها «بهجة» العطلة، علما بأنها مهن لا تقتصر على رمال البحر وحدها ، وإنما تهم فضاءات عديدة، مثل الغابات والمنتزهات الواقعة بجوار الجبال ، إضافة إلى المهن المرتبطة بأنشطة الأسواق في عموميتها . (* ) صحفي متدرب