بقدر إدانة محاولة الانقلاب التركي لأنها ضد الشرعية الديمقراطية ومؤسساتها المنتخبة، بقدر ما يجب شجب التوجه الذي ينهجه الرئيس طيب أردوغان، والمتمثل في هذه الاعتقالات الواسعة التي تطال مدنيين وعسكريين، وتعمل على إطلاق يد أشخاص كي يسحلوا ويعذبوا في الشارع العام أشخاصا آخرين، بدعوى مشاركتهم في الانقلاب.. والترويج لعودة عقوبة الإعدام كي تنصب المحاكم مشانقها في ساحات أنقرة واسطنبول و... بل إن أردوغان قال مساء أول أمس، إنه مستعد للمصادقة على أي قانون يستعيد هذه العقوبة . فساعة بعد ساعة، ترتفع أعداد المعتقلين لتقارب العشرة آلاف إلى حدود يوم أمس. والغريب أن الاعتقالات تشمل قضاة ومحامين وسياسيين وأطرا، انطلاقا من لوائح معدة سلفا ، إذ يبدو، بل إن الأمر يوحي بأن أردوغان وحزبه، حزب العدالة والتنمية، يستغل هذا الرفض العارم للشعب التركي ولعواصم العالم للمحاولة الانقلابية، ويقوم بتصفية حسابات مع خصومه السياسيين، بدعوى انتمائهم لما يسمى في تركيا ب» التنظيم الموازي». ولكي يستمر في تعبئة الشارع أكبر وقت ممكن، كي يواصل اعتقالاته الواسعة، هاهو أردوغان يطلب من الشعب التركي الاستمرار في الاعتصام بالساحات، ويدعي بأن شبح الانقلاب مازال قائما، وأن القضاء عليه يقتضي أياما بل أسابيع. إن ما يحدث في تركيا بعد المحاولة الانقلابية، يعد بمثابة توظيف للمواقف الرافضة لها داخليا وعالميا، لإحكام أردوغان وحزبه السيطرة على كل مفاصل المؤسسات التركية الدستورية والأمنية والعسكرية . ويتضح من تصريحاته، هو وقيادات العدالة والتنمية، هذا التوجه، الذي ما هو في الحقيقة إلا امتداد لسلوكات وإجراءات سياسية، قامت بها الحكومة والرئاسة في الأشهر الأخيرة، واستهدفت من خلالها حرية الرأي والتعبير، وضيقت على العديد من الحقوق، وأقالت شخصيات عدة من مناصبها، وأشاعت في الحقل السياسي التركي حالة من الترهيب بأقنعة «ديمقراطية». لقد كانت ليلة المحاولة الانقلابية طويلة، أبان خلالها الشعب التركي عن حرصه على حماية البلاد من حكم العسكر، وعلى صون العملية الديمقراطية المتولدة عن المسلسل الانتخابي . لكن هاهو أردوغان ومن معه، يسعون لتمديد هذا الليل، كي يرخي سدوله على حاضر ومستقبل تركيا . فالإجراءات التي يتم اتخاذها منذ مساء الجمعة الماضي، فيها مؤشرات ملامح ديكتاتور ينمو يوما بعد يوم بصدر الحاكمين بهذا البلد الموزع بين قارتين . إن أي ديمقراطي، كان تنظيما حكومة أو فردا، لابد له من إدانة أي انقلاب على الشرعية الانتخابية، لكنه مطالب أيضا بشجب وإدانة استغلال ذلك لتقوية هيمنة رئيس أو حزب يهدف إلى بناء شرعيته على تصفية خصومه السياسيين .