اعتدنا أن نضع معاناة الساكنة القروية لجهة ايغرم بإقليم تاررودانت ، أمام المسؤولين ممن يهمهم الأمر، لعل ضمائرهم تستيقظ من سباتها العميق ليحولوا أقوالهم أو جزءا منها على الأقل، إلى أفعال... لكنهم يرددون دائما وكلما تعلق الأمر ببؤساء العالم القروي: «كم من حاجة قضيناها بتركها» ويكتفون بالوعود الكاذبة ولا من يحاسبهم. في جهة سوس ماسة بالخصوص، اعتادت الدولة أن تتخلى عن مسؤولياتها كليا أو جزئيا ل « المحسنين « في العديد من القطاعات، كالمدارس العتيقة، بتوفيرهم التغذية للعشرات من طلبتها ومنها المئات كمدرسة إمي نواداي بدائرة إيغرم إقليمتارودانت التي تأوي ستمائة طالب يتكفل بهم المحسنون، وبالتالي فهؤلاء ينوبون عن الوزارة المسؤولة عن هذه المدارس، مع العلم أن أبناءهم بعد وفاة هذا وذاك، لا يحذون حذوهم... سبق أن طرحنا مشكل المنح بإعدادية وثانوية الأرك بإيغرم والتي تعطى فقط بنسبة واحد إلى إثنين في المائة للمستحقين لها من أبناء الفقراء والأيتام، ويغادر غير الممنوحين الدراسة بعد التعليم الابتدائي، وعلى المحسنين أفرادا وجمعيات، أن يسددوا منح أبنائهم إذا أرادوا إنقاذهم من التسكع والضياع ، من ذلك ما قامت وتقوم به جمعية المتمدرسين بجماعة النحيت، هذه الجمعية تقوم بأداء المنح على الطالبات ويبلغ عددهن عادة من ثلاثين إلى أربعين.... بالنسبة للذكور، يحشرون حشرا في خيرية إيغرم التي تستقبل الوافدين من سبع عشرة جماعة تابعة لدائرة إيغرم ، وبالتالي ينوب المحسنون عن وزارة التربية الوطنية في هذه المنطقة كنموذج لغيرها. في السياق ذاته ، وفي قطاع الصحة ، فإن سائق سيارة إسعاف لم يتوصل بأجرته مدة سنة ونصف، وخلافا لما صرح به الرئيس السابق للقسم الاقتصادي لعمالة تارودانت، حيث صرح لإحدى القنوات التلفزيونية الوطنية أن العمالة وزعت أربعين سيارة إسعاف على الجماعات، لكن لم يقل إن التوزيع يخضع للزبونية والتدخلات الحزبية الضيقة من طرف ذوي النفوذ المادي والسياسي ،وكنموذج جماعة النحيت قدمت طلبات عدة مرات كتابية وشفوية منذ التسعينات لكن لم يسمع صوتها مما دفع بالمحسنين من أبنائها إلى اقتناء سيارة صغيرة ورغم وجود بعض الدواوير التي لا تتوفر إلا على مسالك صعبة المرور، فهي خير من لا شيء في انتظار بديل لها من الحجم الكبير من جهة ما داخلية أو خارجية. وبالتالي فإن المحسنين ينوبون ايضا عن وزارة الصحة في شراء هذه الوسيلة الضرورية، شيء آخر وزارة الصحة في قانونها أو في عرفها لا تقوم بتوفير سائق لسيارة إسعاف لم تشترها ! سائق سيارة إسعاف بجماعة النحيت لم يتوصل بأجرته الهزيلة منذ سنة ونصف، مما حتم على الجماعة القروية للنحيت أن تقوم بتوظيف عون سائق وعون آخر مكلفا بمد الجماعة وسوقها وخمسة دواوير ومدرسة عتيقة بالماء الشروب والبئر على بعد حوالي أربعة كيلومترات يقطعها جيئة وذهابا على قدميه. إلا أن الغريب أن العونين المشار إليهما لم يتوصلا بأجرتهما الهزيلة مدة سنة ونصف ولكل منهما أسرة، ذلك أن وزارة الداخلية ابتدعت بدعة الحصول على قرار منها يسمح بالأداء، ورغم طلب رئيس الجماعة بالقرار إلا أنه لم يتوصل به لتمركز الرخص والقرارات في الرباط. مع العلم أن ميزانية الجماعة المشار إليها لا تتجاوز أربعة ملايين سنتيم سنويا. سائق سيارة إسعاف ليل نهار لم يتوصل بأجرته الهزيلة مدة سنة ونصف كيف ستكون حالته النفسية ؟ سؤال نوجهه إلى المسؤولين ،عوض المحسنين، مع العلم أن مسؤولا ما إذا انقطعت أجرته الضخمة شهرا واحدا، سيضرب عن العمل وسيبحث عن فصل ما يعوض فيه أجرته المتأخرة مضاعفة؟ وإذا تحدثنا بإيجاز عن نيابة المحسنين في الجنوب عن العديد من الوزارات فلابد من الإشارة إلى أن بحثا ميدانيا في الموضوع أثبت أن الأبناء غالبا لا يحذون حذو آبائهم في مسار الإحسان، خاصة إذا تعلق الأمر بمجال يتوفر على وزارة وعلى ميزانية وطنية تصرف فقط على الحواضر أو البعض منها بالملايير. قد يكون الحلم لمن يبحث عنه أن تتحمل كل وزارة مسؤوليتها في العالم القروي كالحضري بدل صرف الملايير كل سنة وكل شهر في الكماليات كلما تعلق الأمر بهذه المدينة وتلك... ونأمل أن تتخلى الحكومة الحالية واللاحقة عن الذي ورثته من سابقاتها من سياسة التهميش ومن تطبيق القولة المأثورة «كم حاجة قضيناها بتركها» كلما تعلق الأمر بحاجيات العالم القروي.