يعد ميلود وحداني، المعروف ب «ميلود مسناوة»، إحدى الركائز الأساسية في الفرقة الشعبية الشهيرة (مسناوة)، منذ تأسيسها إلى جانب عدد من الأسماء المتميزة داخلها، مثل مصطفى أطاسي (عازف فرقة تكدة الآن)، رشيد وحميد باطمة (انتقلا إلى ناس الغيوان)، وآخرين.. وقد اعتبرت مجموعة مسناوة هي الامتداد الشعبي الصرف للظاهرة الغيوانية، نظرا للحمولة التي تمتلئ بها أغانيها التي لاقت نجاحا واسعا في المغرب وخارجه، وذلك بحكم نوعية المواضيع المستوحاة من واقع الملاحم التراثية المغربية، كأغنية (حمادي، النسر، امحمد أوليدي، عادوي الازرك.. وغيرها)، وهي أعمال موقعة في المجمل من طرف المرحوم السي محمد باطمة.. في هذا الحوار يرافقنا ميلود إلى دهاليز المجموعة وأسرارها: يا النسر يا اللي طاحو كتافو يا النسر ياللي ريشاتو اخفافو نتفتها ارياح فلعلالي فوق اجبل وسط سحاري آه من برد ليالي والعش الخالي لا ارفيك لا اونيس لا بيض لا تفقيس صغار كبروا و طاروا واحد دار عشو ولاّ جارو والنسر مسكين لا حد جاب خبارو كل عول اعلى منقارو ... طاح فلهوى وسرج جنحيه... ثقلو مسكين اغلب اعليه دارت الدنيا بيه وزكى زكيا.. كانت فعلا صرخة من أجل العربي باطما الصوت الرخيم والفنان الكبير الذي أطاح به المرض والوهن وغدر الزمان ، ولاقت الأغنية ومازالت نجاحا كبيرا، وهي أغنية الوفاء لفنان كبير فقدته الأغنية المغربية والكلمة الصادقة، ورمز من رموز ناس الغيوان الذائعة الصيت ومحبوبة الجماهير وصوتها الوهاج الصادح بكل القضايا الوطنية والقومية وخاصة قضية فلسطين. p وماذا بعد الكلمات الخالدة في حق الراحل العربي باطما؟ n شرعنا في تلحين الأغنية وكان لي دور كبير في ذلك، كنا نتجه يوميا إلى منطقة وادي المالح نقضي بها النهار في التلحين ، وكان يرافقنا المبدع مصطفى اطسي عازف آلة « البانجو» وهو فنان كبير أعطى للمجموعة الكثير من التألق والنجاح، وكان يتسم بهدوئه الدائم واتزانه في الكلام وفي الألحان كذلك، فهو عازف ممتاز من الدرجة الأولى ويرجع له الفضل في تلحين عدة أغان لقيت صدى طيبا عند الجمهور. و تستمر الأغنية في رصد معاناة الراحل العربي باطما.. واش بغيتي هكذا أليام يصعاب عليه الصيد اذّكر النسر ليام اللي فاتت أوكال كنت نشارك اسبوعَ فالصيد أو لغنايم كنت محرم المجروح ومحرم النايم تململ النسر أو نشر جنحيه خرج من عشو أوطل لهيه أو كال نموت فعشي ... وجبل عالي كيف اندير طاح فلهوى أو سرح جنحيه بانت الأرض بعيدة عليه ثقلو مسكين غلب عليه دارت الدنيا به وزكى زكيا و يضيف ميلود،حين انتهينا من تلحين الأغنية اجتمعنا مرة ثانية ولكن هذه المرة بوجود المجموعة وبدأنا في التوزيع الأخير. ودائما بمقهى السعادة كنت أجلس مع محمد باطما الذي كان شغله الشاغل هو إتمام الألبوم .. فجأة قال لي «اسمع واحد لكلام واش اعجبك أولا لا» أخرج من جيبه ورقة (محمد باطمة كان يكتب إما على ظهر علبه سجائر أو فوق أوراق الرهان، و هذه المرة كانت ورقة رهان). ثم بدأ في قراءة قطعة جميلة جاء فيها: أصاحبي يا السابقني فالدنيا بالقاطع وطية وشعاب يا مجرب فرحة وعذاب أش دار زمان معاك واش خادك و لارماك واش كرهك ولا بغاك اسخيتي بي أو خليتيني نواح لرياح وحدي علاه اسخيتي به واخليتيني تهرب لمواج عن شطي علاه كانت للصحبة شروط متينة الصدق أو لمان هدوك من لقوام واليوم يا حصرا أش جرا بينا ياك مبدلاتك علينا ليام يامس كان لينا واليوم علينا ياك نكران الصحبة يا صاحبي حرام لقد كانت قطعة رائعة بالفعل، وكانت سهلة التلحين أيضا بحيث لحنتها في نفس اليوم، ثم بدأنا في مفاوضات مع الشركة التي ستتكفل بهذا الألبوم الجميل. كان عبد العظيم صديق وأخ جميع أفراد المجموعة وكانت لي علاقة خاصة معه،وهو يعتبر أول من ساعد المجموعة في جميع تسجيلاتها منذ سنة 1990 إلى حدود 2007، لقد كانت تربطنا معه صداقة بلا حدود، إلا أن هذا الألبوم كان من نصيب شركة أخرى و هي شركة «النسيم عبد المجيد» و كان هو الآخر صديقا وأخا ربطتنا معه علاقة طيبة آنذاك سواء مع مجموعة لمشاهب أو مجموعة مسناوة. لقي هذا الشريط صدى طيبا وإقبالا كبيرا بحيث وزعت أكثر من 500 ألف نسخة في جميع أنحاء المملكة كما لقي صيتا كبيرا خارج أرض الوطن. وفي سنة 2009 بدأ محمد باطما الاستعداد لألبوم ثان وكان بعنوان «مازال صغيرة أو شادة حق الله»وأغنية «بويا عمر» التي تعاونا فيها أنا والمرحوم . و إبان سنة 20012000 توفي المرحوم محمد باطمة، كان موته صدمة كبيرة لجميع أفراد المجموعة بصفة خاصة ولمجموعة لمشاهب والجمهور المغربي بصفة عامة، لقد ترك محمد باطما فراغا في الساحة الفنية مازلنا نعاني منه إلى حدود اليوم ، لقد كان مبدعا وفنانا ،وكانت لديه ملكة كتابة الشعر والزجل، رحمه الله وتغمضه بواسع رحمته وإنا لله وإنا إليه راجعون.