هي منطقة سياحية يحج إليها المغاربة والأجانب، تبعد عن مدينة مراكش بحوالي ستين كلمترا، قررت زيارتها قبل يومين من حلول شهر رمضان الكريم، في الحقيقة، تواجدي في مراكش في هذه الأيام وارتفاع درجة الحرارة، عزز لدي فكرة الذهاب لزيارة واكتشافها. قررت أن أستقل وسائل نقل عمومية لأكتشف المكان عن قرب، والتواصل مع مختلف الفئات المجتمعية في المنطقة، كما فكرت في الإنتقال من نقطة إلى أخرى، ولم أكن أريد أن أذهب مباشرة إلى المكان المقصود، نظرا لما يتيحه ذلك من فرص زيارة أماكن مختلفة. هي منطقة سياحية يحج إليها المغاربة والأجانب، تبعد عن مدينة مراكش بحوالي ستين كلمترا، قررت زيارتها قبل يومين من حلول شهر رمضان الكريم، في الحقيقة، تواجدي في مراكش في هذه الأيام وارتفاع درجة الحرارة، عزز لدي فكرة الذهاب لزيارة واكتشافها. قررت أن أستقل وسائل نقل عمومية لأكتشف المكان عن قرب، والتواصل مع مختلف الفئات المجتمعية في المنطقة، كما فكرت في الإنتقال من نقطة إلى أخرى، ولم أكن أريد أن أذهب مباشرة إلى المكان المقصود، نظرا لما يتيحه ذلك من فرص زيارة أماكن مختلفة. كانت الانطلاقة من مراكش نحو تاحناوت، وكان ذلك عبر حافلة عمومية، وبعدها إلى منطقة معروفة بإوريكن ولكن الاسم المحلي هو «العقرب»، وهي عبارة عن قرية شبه حضارية. وسائل النقل المتوفرة هنا تقتصر على صنفين، سيارات الأجرة من الحجم الكبير وسيارات النقل المزدوج «الخطافة». انتظرت حوالي ساعة في محطة الطاسيات في «العقرب»، انتظر قدوم سيارة أجرة، بعض لحظة جاءت سيارة للنقل المزدوج، قبل دخولها إلى المحطة كان مساعد السائق ينادي « سيتي فاضمة ..سيتي فاضمة»، توجهت نحوه وسألته عن ثمن التذكرة وإذا كان سينطلق حالا، ثمن التذكرة هو عشرة دراهم للشخص الواحد. داخل السيارة حوالي خمسة عشر مقعدا ، بالإضافة إلى مقعدين بجانب السائق، لكن ذلك يختلف حسب حجم ونوع السيارة. الناس يتضامنون فيما بينهم، ويتبادلون الإحترام، تعطى الأولوية للنساء في الجلوس، في حال كانت كل المقاعد شاغرة، يضطر الرجال إلى الوقوف، صاحب السيارة لا يقتصر على عدد معين من الزبناء أو المسافرين، بل يحاول إيجاد مكان لأي شخص يرغب في السفر إلى سيتي فاضمة، وفي الغالب يكون من المسافرين من يفضل الوقوف داخل السيارة أو الانتظار في المحطة تحت أشعة الشمس. «الخطافة» في طريقهم إلى سيتي فاضمة، يتسابقون فيما بينهم، من أجل بلوغ المحطة المقبلة قبل الآخرين، هكذا ليكون الاول مِن من دخل المحطة وليكون هو من يحق له الخروج من المحطة أولا، وكان حسن وهو مساعد السائق محمد، يحث هذا الأخير بالقيادة بسرعة لأن إحدى السيارات الأخرى قد انطلقت من قبلهم ويجب أن يسبقه إلى المحطة، حالهم كحال سائقي سيارات الأجرة الأخرى، يقودون بنوع من التهور، تجاوز السرعة المسموح بها، وتجاوز في أماكن ممنوعة. هذا الصنف من وسائل النقل «الخطافة»، بالإضافة إلى نقل المسافرين، هي وسيلة لنقل البضائع كذلك، ينقل بواسطتها السكان بضائعهم، وفي هذا الصدد، السرعة المفرطة التي كان يقود بها محمد، كاد بسببها أن ينشب نزاع بين حسن، مساعد السائق، وأحد المسافرين كان يدعى حسن كذلك، وهو يعمل نجار في المنطقة، إذ وضع صفائح من الخشب الخفيف، «الكونطر بلاك»، فوق السيارة اقتناه من «العقرب»، وبسبب السرعة والرياح تناثرت الصفائح وسقطت من السيارة، وانكسرت واحدة منها، وتكرر ذلك لثلاث مرات، ما أثار غضب حسن ﴿الزبون﴾ وانفجر في وجه مساعد السائق، لكن تدخل المسافرين الآخرين حال دون نشوب الصراع بينهم. الطريق إلى سيتي فاضمة الطريق التي تربط بين «العقرب» و «سيتي فاضمة» في حالة يرثى لها، طريق محفرة في مناطق كثيرة، وضيقة كذلك، حيث يصعب أن تتقابل سيارتين في بعض المناطق دون توقف إحداها حتى مرور الآخرى، ولاحظت تواجد أشغال الصيانة في نقط مختلفة على طول الطريق. بعد قرابة خمسة وثلاثين دقيقة، وصلنا إلى المحطة الأخيرة، وهي محطة خاصة بسيارات الأجرة وسيارات النقل المزدوج، في الحقيقة أقيمت على منتصف الطريق، محطة ضيقة تكاد لا تتسع لعدد قليل من السيارات، يتكلف عنصران من القوات المساعدة بتنظيم السيارات. وتجدر الإشارة إلى أن المنطقة في مثل هذه الأوقات لا تكون مزدحمة كأوقات الصيف. تقع «سيتي فاضمة» بين جبال عالية وعلى طول واد دائم الجريان، وبجانبه أشجار مختلفة ومنها اللوز والجوز «الكركاع»، ضيق المكان يدل عليه موقف السيارات، الذي يقع وسط الوادي في بقعة لا تمر فيها مياه الوادي إلا في حالة هطول الأمطار. يوجد بالقرب من هذا الموقف «البارك»، مكان خاص لركوب الإبل والخيول والتقاط الصور معها، توجد ثلاثة أنواع من الخيول بالإضافة إلى الإبل، فرس الساموراي والخيل العربي والنوع الثالث هو صغير الحجم يسمى «شيطلون»، حسب ما قاله لي صاحبه، وتختلف أثمنة ركوبها على حسب ما يتفق عليه الزبون مع صاحبه، لا وجود لقائمة الأسعار، أما النوع الآخر «شيطلون»، فهو مخصص للأطفال أو التقاط الصور معه فقط نظرا لصغر حجمه. يوجد على طول النهر عدد كبير من المقاهي والمطاعم والفنادق، بالإضافة إلى منازل مخصصة للكراء وكذا منازل القاطنين في المنطقة، المطاعم مختلفة من حيث الشكل والإمكانيات والتجهيزات متوفرة فيها، هناك مطاعم شبه عصرية، مجهزة نوعا ما، وأخرى أكاد أقول أنه لا يمكن اعتبارها مطاعم، فهي مجرد بنايات قديمة تكاد جدرانها أن تسقط، أما في الداخل، فنوع الكراسي والموائد التي توجد فيها بالية. يقف على باب المطاعم شباب يبتسمون في وجه المارة والزوار ويدعونهم إلى الدخول إلى المطعم، ويقولون «تْفضلو مرحبا بيكوم، راه عندنا كولشي» ويقصدون، أن المطعم يتوفر فيه كل ما يحتاجه الزبون من مأكل ومشرب. سواء أجبتَه أم تجاهلتهم، فهم لا ينزعجون، تجاهلت البعض عن قصد ورفضت عرض البعض الآخر، كما توقفت للحديث مع بعضهم حول الأثمنة وماهية الأكلات التي يقدمونها، لا هذا ولا ذاك انزعج من تصرفي، يستقبلونك بابتسامة ويودعونك بها. الأكلات والمنتجات المحلية تتنوع الأكلات الموجودة في «سيتي فاضمة» لكن أساسها، الطاجين المغربي بلحم الماعز أو البقر، وتختلف الأثمنة حسب حجم الطاجين، الحجم المتوسط منه، بنصف كيلو من اللحم والخضر يبلغ ثمنه ستون درهما، اما الحجم الصغير، ربع كيلو من اللحم والخضر، بثلاثين درهما، بالإضافة إلى ذلك، هناك من يفضل اللحم المشوي، لأنه في الحقيقة له طعم خاص في مثل هذه المناطق، وسط جبال عالية وأشجار خضراء، والإستماع إلى خرير مياه صافية وباردة، هناك من أصحاب المطاعم من يضع بعض الموائد وسط المياه في الوادي، إذ هناك من الزبائن من يحب وضع رجليه وسط المياه، وتناول وجبة غداء، أو شرب كأس من العصير، أو تبادل أطراف الحديث مع العائلة و الأحباب او الأصدقاء، بحضور براد من الشاي المنعنع، ففي الحقيقة هي طبيعة تستحق كل العناء للسفر إليها. بجانب ذلك، فمن بين أهم المنتجات التي يمكن إيجادها في هذه المنطقة، هناك «زيت أركان»، ويبلغ ثمنه مائتين وخمسين درهما، بالإضافة إلى «أملو» الذي يصل ثمنه إلى مائة وخمسين درهما، زيادة على ذلك، يمكن إيجاد اللوز والجوز والحناء وبعض العشوب الجبلية كالزعتر. الضفة الأخرى توجد قناطر مصنوعة بطريقة تقليدية للوصول إلى الضفة الأخرى من الوادي، قناطر من جدوع شجرة مثبتة عليها قطع من الخشب، أما النوع الثاني من القناطر فهي مصنوعة من الحديد. عبر تلك القنطرة الخشبية، قطعت الوادي متجها صوب المقاهي الواقعة على طول الضفة الأخرى، تجولت داخلها، وبين أزقة ضيقة. بدأت في صعود الجبل، أخذت نفس المسار الذي يسير فيه بعض الزوار الذين كانوا بدورهم يهمون بصعود الجبل، لم أكن أعلم إلى ما كانت تلك الطرقات الضيقة تؤدي، صادفت العديد من الزوار، ومن مختلف الجنسيات، هناك فرنسيون وهنود وإسبان وجنسيات أخرى، وكان سفح الجبل مغطى بالأشجار، ووسطها محلات عديدة، من مطاعم ومحلات لبيع الحلي والأشياء القديمة «البازارات». الحاج محمد، بائع هذا النوع من المنتوجات، كان يجلس مربعا رجليه، ووجد مكانا له تحت شجرة كثيفة، يبدو عليه أنه في عقده الخامس، في البداية دعاني لشراء بعض من المنتوجات التي كانت مفروشة على قطع من الثوب، لم يقتصر على استقطاب الأجانب فقط، بل المغاربة كذلك، وقبل أن أتحدث إليه، قال بالدارجة: «مرحبا بيكوم، شوفو إلى عجباتكوم شي حاجة»، أجبته بالأمازيغية وقلت:»السلام عليكم ألحاج، مانزاكين» ‹كيف حالك›، باستغراب قال: «آآه كي أوتمازيرت أتكيت» ما معمناه «آه أنت من هنا». فبدأت الخوض معه في الحديث، وبعد أن قلت له من أكون وطبيعة ما أنا بصدده، فتح لي قلبه قليلا، وقال أن مهنته صعبة نوعا ما، فهي ككل أنواع التجارة، يوم لك ويوم عليك، إلا أنه اشتكى على بعض المرشدين السياحيين «فوكيد»، فقال أنهم لا يتركوا لنا فرصة التعامل مباشرة مع السياح، فهم يتساومون معنا في أثمنة ما نبيعه نيابة عن السياح، مع العلم أنه ليس لها أثمنة محددة سلفا، بالإضافة إلى ذلك، حدثني الحاج عن الأماكن التي كان يسافر إليها في ريعان شبابه. ودعت الحاج محمد بعد أن التقطت له صورة وشكرته على وقته، واتجهت نحو أعلى السفح، وهو مرتفع يصعب صعوده على من لا يتمتع بلياقة بدنية كافية، زوار من مختلف الأعمار إلا المسنين، أطفال وشباب، ذكور وإنات، مغاربة وأجانب، البعض بدأ في الصعود والبعض قد عاد لتوه، والمرشدون السياحيون يأخذون بأيدي مرافقيهم الأجانب ويساعدونهم لصعود الجبل، وبعد حوالي عشرين دقيقة من اللهث، بلغت نقطة جميلة وسط الجبل، هي الشلال. سبعة شلالات يوجد في هذه المنطقة سبعة شلالات، حسب أحد أبناء المنطقة، وقد بلغت الأول فقط، وهو مكان جميل، تسقط المياه من ارتفاع قدرته بأربعين مترا، وهناك حوض أسفل الشلال، وهي نقطة من النقاط التي تمر منها المياه التي تأتي من الأعلى نحو الوادي. جالس في مقهى محاط بقطع من القصب، قرب الحوض الذي تسقط فيه مياه الشلال، أستمتع بصوت المياه، أشرب كوبا باردا من عصير الليمون. قال لي صاحب المقهى، إن منسوب المياه قد انخفض كثيرا مقارنة بالأعوام السابقة، وهذا راجع إلى قلة الثلوج هذه السنة. منظر جميل كما قلت سلفا، مجموعة من الشباب، أغلبهم إن لم أقل جلهم لا يتجاوز الثلاثين من عمره ، ذكور وإناث، هناك من جاء لوحده وهناك من جاء في مجموعات، تبدو واضحة ملامحهم السعيدة، البعض شجعه عويل وصرخات الفتيات إلى المغامرة وتسلق مرتفع جانب الشلال رغم صعوبته، فيما كان البعض يسبح في ماء الحوض البارد، والبعض الآخر جالس يتمتع بذلك المنظر الجميل والتقاط الصور وعمل «السيلفي». وقت الغداء والعودة وصلت الساعة إلى الواحدة زوالا، أخذت بالنزول من الجبل، تاركا ورائي حياة مختلفة تحت الشلال الأول وسط الجبل، عدت إلى حيث توجد المطاعم والمقاهي جانب الوادي، طلبت من النادل طاجين لحم الماعز وبرادا من الشاي بعشوب محلية، كذلك كان. خلال جلوسي في المطعم، كان عدد من الأطفال لا تتجاوز أعمارهم إثنى عشر سنة، يتجولون في المقاهي، وبيدهم أكياس مليئة بعشبة «الزعتر»، يعرضونها عل الزبائن الجالسين في المطاعم قصد بيعها، وسألت أحدهم عن سبب مزاولتهم لهذا العمل، قال لي أنه أنهى موسمه الدراسي لتوه، ويحتاج للمال، وكنت أظن أنه يقصد المال لمساعدة عائلته، لكن في الحقيقة يحتاج مالا للترفيه على نفسه في حانة رأيتهم مجموعون فيها، ويلعبون «البلاي ستايشن». فئة أخرى تتجول في المطاعم، وتطرب الزوار بمقاطع من الموسيقى الأمازيغية هم «الروايس»، هناك من يحمل بين يديه آلة «الرباب»، ومنهم من يعزف على «البانجو». وبعد هنيهة، جاء الرايس عبد السلام إلى جانب المائدة التي كنت جالسا فيها، وبدأ يعزف «الرباب» ويغني مقاطع من الأغاني الأمازيغية، بعد لحظة توقف وطلب مني ما تيسر من دريهمات، عوضا عن ذلك، دعوته للجلوس لشرب كأس من الشاي برفقتي، وبكل عفوية وابتسامة جلس الرايس عبد السلام بجانبي، وكان هدفي محادثته واكتشاف معاناة هذه الفئة من المجتمع، فبالرغم من أنه قال أن عمره حوالي أربعة وأربعين سنة، إلا أن ملامح وجهه تقول أكثر من ذلك، غادر مقاعد الدراسة منذ صغره، وأحب الفن منذ سن مبكرة، وعمل فيه لأربعة عشر سنة، ويعمل كعازف في فرقة في أحد الفنادق في المنطقة، وفي أيام السبت والأحد يتجول في «سيتي فاضمة»، على حد قوله. لم يكن يريد الكشف عن مدخوله اليومي، فكلما سألته يكتفي بقول «نحمداست إيربي» أي الحمد لله. عمل كسائق في النقل المدرسي بالبيضاء، وكذا نادل مقهى، وقال أنه جالس الفنانة «رقية الدمسيرية» و«أعراب أتيكي» وكان ذلك في الثمانينات. قال إنه أب لعدد من الأولاد، لم يحدد لي عددهم، اكتفى بقوله أن بعضهم تزوج، وبملامح سعيدة مرفوقة بابتسامة تدل على افتخار، قال: «لدي إبن يدرس في الجامعة بمراكش». أنهى الرايس عبد السلام شرب كأس من الشاي، وبه إنتهى حديثنا كذلك، وودعني بابتسامة وشكرني. أوشكت الشمس عن الغروب، واستقلت سيارة أجرة للعودة إلى تاحناوت وبعدها إلى مراكش، وفي اعتقادي، فقد تحدثت عن كل ما رأيته مناسبا وكافيا لوضع صورة عن منطقة «سيتي فاضمة» بين يدي القراء ومن يود اكتشاف مثل هذه المناطق، التي تستحق عناء السفر إليها.