بعد الاستسلام غير المشروط للجيوش اليابانية شهر غشت 1945، دخل اليابان مرحلة ما بعد الحرب. والكل يعلم أن هذه المرحلة تطابق ما يُسمى «بعد التحرير» في كل من كوريا والتايوان، التحرير من وضعية المستَعمَر من طرف الإمبراطورية اليابانية العظمى. بصيغة أخرى، فما بعد الحرب بالنسبة لليابان يعادل مرحلة ما بعد التحرير بالنسبة للأراضي التي ظلت مستَعمَرة حتى ذلك الوقت، التايوان وشبه الجزيرة الكورية ( وكذلك بالتأكيد منشوريا، مكرونيزيا وساخالين). لذلك، يمكن كذلك تسمية أدب ما بعد الحرب أدب فترة ما بعد التحرير، أو الفترة ما بعد الكولونيالية. إذا ما أطلقنا تسمية « أدب المستعمرات « على النصوص الأدبية المكتوبة باللغة اليابانية في الأراضي الخاضعة للاستعمار الياباني ( شبه الجزيرة الكورية، التايوان، كوانتونغ ومنشوريا، ساخالين وجزر ميكرونيزيا )، سيكون بإمكاننا أن نطلق تسمية « الأدب ما بعد الكولونيالي « على بلد مستعمَر في السابق. وستنطبق التسمية على مجموع الأدب الياباني بعد 1945 بدون استثناء، بنفس طريقة « أدب ما بعد الحرب « الذي يستعمل كاسم جنس. أوكا شوهيي، تاكيدا تايجون، ميشيما يوكيو، أبي كوبو، أوو كينزابوري، ناكاغامي كينجي، موراكامي هاروكي: من بين أبرز الأسماء في تاريخ أدب ما بعد الحرب، وقلة منهم فقط هم الذين لا تقيم أعمالهم علاقات مع المستعمرات القديمة أو الأراضي المحتلة. ومن المهم، بوجه الخصوص، أن نسجل أن اثنين من هؤلاء الكتاب، ماكاغامي كينجي وموراكامي هاروكي، المزدادين بعد 1945، كتبا روايات طويلة يتعلق الأمر فيها بمانشوكو. حين جاء الموت ليأخذه باكرا، كان ناكاغامي كينجي يشتغل على رواية ظلت غير مكتملة، « عشيرة غريبة «. و « عشيرة غريبة « هي حكاية أناس يربط بينهم نوع من علاقة الأخوة لكونهم يحملون على الصدر لطخة لها شكل مانشوكو، عليهم أن يلتقوا كما يحدث في رواية « حكاية كلاب ساتومي الثمانية « لكيوكوتيي باكين. ينحدر البطل من أسرة مقصية، والآخرون كوريون، من الآينو، أوشينانشو ( من أوكيناوا )، زنجي أمريكي يقيم باليابان، ويشكلون جميعهم العشيرة الغريبة. إنها عشيرة تُقدّم إجمالا، إذن، تجميعا لكل الأقليات الموجودة في اليابان، وإذا ما اعتبرنا أوكيناوا وهوكايدو مستعمرتين داخليتين، سيكون بإمكاننا أن نفهم هذه الشخصيات باعتبارها كانت تنحدر من مستعمرات موجودة على هامش القوة الكولونيالية، التي هي اليابان. بإمكاننا، إذن، أن نفترض بأن غاية الكاتب كانت هي وصف حاضر يابانٍ « ما بعد كولونيالي «من خلال ثورات وتمردات أولئك الذين يفدون من تلك المستعمرات القديمة. تتوقف الرواية لحظة انطلاق البطل والشخصيات الرئيسية باتجاه جزر الفيليبين، المنطقة المخصصة في السابق لليابان كالمحيط الهادي الجنوبي الخارجي. احتل الجيش الياباني تلك المستعمرة الأمريكية بمبرر تحريرها، ما سمح له بأخذ المكان واحتكار حقوق القوة الكولونيالية. أوكو شوهيي، الملتحق بالجندية قبيل الهزيمة على جبهة جزر الفيليبين والمأسور من طرف الجنود الأمريكيين، كتب بعد ذلك « مذكرات أسير حرب « ( 1948 ) أو « يوميات معركة لييت « (1972) ، استمرارا في تجربته. إلا أنه يعترف في عودة لممارسة النقد الذاتي حول عمله أنه، إذا كتب حول المعارك التي دارت بين اليابانيين والأمريكيين، فهو لم يعرف كيف يُولي ضحايا جزر الفيليبين الأوائل الاهتمام الذي يستحقونه. وتكشف هذه الدعابة الكثير حول كون أدب ما بعد الحرب همّش، بل نسي سكان المستعمرات والأراضي المحتلة. أ لم يحاول ناكاغامي كينجي، من خلال أعماله، أن يجعل الفيليبينيين يلعبون دورا رمزيا كتعويض عن غياب المستعمرة في الأدب؟ من المرجح أن اهتمامه كثيرا بمنشوريا، بشبه الجزيرة الكورية، بأرخبيلات البحر الهادي، كان له ارتباط بالوضعية ما بعد الكولونيالية كما أدركها. يُعتبرموراكامي هاروكي عموما كحامل للواء أدب ما بعد الحرب وكروائي يمثل المرحلة ما بعد الحداثية. وكونه رجع بشكل كبير، في أطول أعماله وأكثرها أهمية بالتأكيد، « يوميات طائر بنوابض « ( 1992 - 1995 )، إلى حقبة تاريخية تهم مانشوكو بلد الاستدلال بالنسبة لليابان، يُبرز دون أدنى شك أن أدب ما بعد الحرب هو أيضا أدب ما بعد المستعمرات. إن مانشوكو، التي أقامها اليابان في خرق للتوصيات الأممية، كانت لها حدود مشتركة في الشمال مع الاتحاد السوفياتي. وتتم الإشارة من خلال اسم « حدث نومونهان « إلى المعارك التي دارت بين الجيش السوفياتي - المنغولي والجيش الياباني وجيش المانشوكو على تلك الحدود. وفي « يوميات طائر بنوابض « تُعرض بالتفصيل، من خلال الملازم ماميا، قضية جاسوسية يابانية - روسية لها علاقة بنومونهان. يتعرض جاسوس عسكري ياباني، أُسره المنغوليون وراء الحدود ، لتعذيب وحشي. لماذا أدمج موراكامي، المنتمي إلى جيل ليست له أي تجربة مباشرة لا بمنشوريا ولا بالحرب، في عالمه الروائي، تلك التجارب المرتبطة بجيل آبائه؟ سابقا، في « مطاردة الخروف المتوحش « ( 1982)، تعلق الأمر بخروف يحمل علامة بشكل نجمة ويجد نفسه في منشوريا؛ في « يوميات طائر بنوابض «، يثير مثلا، وإضافة إلى قضية نومونهان، المذبحة التي تعرضت لها حيوانات حديقة الحيوان الموجودة بكسينجين ( شانغشون اليوم ): بذلك تشير الشخصيات إلى التجربة الكولونيالية الواقعية التي إطارها منشوريا، وتأتي تلك النصوص لتتنضد إلى النصوص المتعلقة بعالم اليوم، مدرجة مطابقة متعددة للعالم الروائي في طبقات. كانت وراء حادث نومنهان قضية تتعلق بالحدود: أ لا يمكن أن يكون موراكامي قد رأى فيها دليلا على التفاهة المرتبطة بفعل رسم خط مصطنع وفصل جانبه هذا عن جانبه ذاك في تلك الفضاءات الفارغة، تلك السهوب حيث لا وجود لأي شيء؟ إلا إذا كانت دلالة تلك الفترة لا تختفي في فعل انتهاك الخط للعبور من جانبه هذا إلى جانبه ذاك، ثم من جانبه ذاك إلى جانبه هذا. مهما كان الأمر، يبدو واضحا أن بإمكاننا أن نجد هنا إحساسا بالحذر وبالرفض اتجاه الحدود والتميّزات. هناك، بالطبع، خطوط فاصلة، حدود غير مرئية ومحتمة بين القوى الكولونيالية والمستعمرات، بين المهيمنين والمهيمن عليهم. هل يمكن تجاوز تلك الخطوط؟ ذلك هو السؤال الراهن الذي تطرحه الرواية. في رواية « 84 Q 1 «، يجعل موراكامي هاروكي أومام، إحدى شخصياته الرئيسية، يقرأ كتابا حول خطوط السكك الحديدية في منشوريا، وآخر، تينغو، كتابا لأنطوان تشيخوف، « سفر إلى ساخالين «. وقد كانت ساخالين ( كارافوتو باليابانية ) مستعمرة يابانية، وتوحي الإشارة إلى كتاب تشيخوف، أو كذلك ظهور تامارو، شخصية والدها كوري منزو في اليابان، إلى أن الرواية تقيم روابط عميقة بساخالين باعتبارها مستعمرة يابانية. وكما حدث لتشيخوف نفسه، ألا يشعر موراكامي بولع لا خلاف حوله، يولّد « حمى ساخالين « التي لا يفهمها هو نفسه. أ لا تُجسد منشوريا، كارافوتو، كل تلك الفراغات على خريطة الضاحية اليابانية التي تجتذب ماراكامي هاروكي، رغبته اللاواعية في تسوية حسابه مع التاريخ الحديث لليابان كتعبير على الاستعمار؟ إن الرواية الأخيرة حتى اليوم لتسوشيما يوكي، « بربري، بربري جدا « ( 2009)، عمل طموح ندين به لكاتبة هي من بين أكثر الكاتبات نشاطا في اليابان اليوم. وكما هو الشأن بالنسبة ل « يوميات طائر بنوابض «، تتشكل هذه الرواية من طبقات، إحداها تهم يابان ما قبل الحرب، وأخرى يابان اليوم، بتنضد لنصوص تهم تايوان المرحلة الكولونيالية ( 1895 - 1945 ) والألفية الحالية. تكمن غاية تسوشيما هنا في قلب زوج البربرية - الحضارة ، وأن يضع أحدهما مكان الآخر. كان يُنظر إلى سكان تايوان الأصليين في التصنيفات اليابانية آنذاك على أنهم واحدة من العشائر الثلاث البدائية الكبرى ( الأخريتان هما الأينو من جهة، و» أهالي جنوب المحيط الهادي « من الجهة الأخرى). وبذلك، وأكثر بربرية من أولئك الأهالي المتعودين على قطع الرؤوس، أ لم يكن هناك اليابان واليابانيون الذي كدوا، منذ ميجي، لبناء بلد متحضر، ينافس أكبر القوى العالمية، ويتفاخرون ببلوغ ذلك الهدف؟ إن ما بعد حداثة تساعد على بناء يابان حديث بإمكانها أن تجعل من الإمبراطورية الكولونيالية موضوعا رئيسيا للدراسات الأدبية. إنها شعيرة عبور لا مفر منها لبناء أدب يكون، في الحقيقة، أدب ما بعد بعد 1945. عن دفاتر الدراسات اليابانية ( 19 - 2012)