كريستينا.. إسبانية سافرت للمغرب لاستعادة هاتفها المسروق بمدريد والشرطة المغربية أعادته إليها في أقل من ساعة    نزار بركة يترأس الدورة العادية الموسعة للمجلس الإقليمي لحزب الاستقلال في العيون    تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج شهدت ارتفاعا بنسبة 2.1 في المائة    الإعلام في خدمة الأجندات السياسية والعسكرية    الرجاء البيضاوي يتجه إلى إلغاء الجمع العام مع إناطة مهمة الرئاسة إلى بيرواين حتى نهاية الموسم    المغرب يعزز موقعه الأممي بانتخاب هلال نائبا لرئيس لجنة تعزيز السلام    "رسوم ترامب" الجمركية تشعل حربًا تجارية .. الصين وكندا والمكسيك ترد بقوة    تجميد المساعدات الأميركية يهدد بتبعات خطيرة على الدول الفقيرة    الرئاسة السورية: الشرع يزور السعودية    تحذير من تساقطات ثلجية وأمطار قوية ورعدية مرتقبة اليوم الأحد وغدا الاثنين    طقس الأحد: أجواء باردة وصقيع مرتقب بهذه المناطق    تفكيك شبكة صينية لقرصنة المكالمات الهاتفية بطنجة    روبرتاج بالصور.. جبل الشويحات بإقليم شفشاون وجهة سياحة غنية بالمؤهلات تنتظر عطف مسؤولين للتأهيل    السلطات الأسترالية تعلن وفاة شخص وتدعو الآلاف لإخلاء منازلهم بسبب الفيضانات    حريق مُهول يأتي على ورش للنجارة بمراكش    دراسة: هكذا تحمي نفسك من الخَرَفْ!    الجمعية المغربية لدعم إعمار فلسطين تجهز مستشفى الرنتيسي ومستشفى العيون باسطوانات الأكسجين    استئناف المفاوضات بين حماس وإسرائيل الاثنين بعد رابع عملية تبادل للرهائن والمسجونين    ائتلاف حقوقي: تجميد "ترانسبارانسي" عضويتها من هيئة الرشوة إعلان مدوي عن انعدام الإرادة السياسية في مواجهة الفساد    المنتخب الوطني لأقل من 14 سنة يجري تجمعا إعداديا بسلا    الصين: شنغهاي تستقبل أكثر من 9 ملايين زائر في الأيام الأربعة الأولى من عطلة عيد الربيع    طنجة تتأهب لأمطار رعدية غزيرة ضمن نشرة إنذارية برتقالية    تساقطات ثلجية وأمطار قوية محليا رعدية مرتقبة الأحد والاثنين بعدد من أقاليم المغرب    توقيف 3 صينيين متورطين في المس بالمعطيات الرقمية وقرصنة المكالمات الهاتفية    ريدوان يخرج عن صمته بخصوص أغنية "مغربي مغربي" ويكشف عن مشروع جديد للمنتخب    ريال مدريد يتعثر أمام إسبانيول ويخسر صدارة الدوري الإسباني مؤقتًا    أولياء التلاميذ يؤكدون دعمهم للصرامة في محاربة ظاهرة 'بوحمرون' بالمدارس    تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج فاقت 117 مليار درهم خلال 2024    مقترح قانون يفرض منع استيراد الطماطم المغربية بفرنسا    توقعات احوال الطقس ليوم الاحد.. أمطار وثلوج    حجز أزيد من 700 كيلوغرام من اللحوم الفاسدة بطنجة    مؤسسة طنجة الكبرى تحتفي بالكاتب عبد السلام الفتوح وإصداره الجديد    CDT تقر إضرابا وطنيا عاما احتجاجا على قانون الإضراب ودمج CNOPS في CNSS    هذا هو برنامج دور المجموعات لكأس إفريقيا 2025 بالمغرب    تفشي "بوحمرون" في المغرب.. أرقام صادمة وهذه هي المناطق الأكثر تضرراً    ثمن المحروقات في محطات الوقود بالحسيمة بعد زيادة جديد في الاسعار    مسلم يصدر جديده الفني "براني"    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    الانتقال إلى دوري قطر يفرح زياش    زكرياء الزمراني:تتويج المنتخب المغربي لكرة المضرب ببطولة إفريقيا للناشئين بالقاهرة ثمرة مجهودات جبارة    رحيل "أيوب الريمي الجميل" .. الصحافي والإنسان في زمن الإسفاف    لمن تعود مسؤولية تفشي بوحمرون!    لقجع: منذ لحظة إجراء القرعة بدأنا بالفعل في خوض غمار "الكان" ولدينا فرصة لتقييم جاهزيتنا التنظيمية    العصبة الوطنية تفرج عن البرمجة الخاصة بالجولتين المقبلتين من البطولة الاحترافية    الولايات المتحدة الأمريكية.. تحطم طائرة صغيرة على متنها 6 ركاب    المغرب يتجه إلى مراجعة سقف فائض الطاقة الكهربائية في ضوء تحلية مياه البحر    القاطي يعيد إحياء تاريخ الأندلس والمقاومة الريفية في عملين سينمائيين    الإعلان عن تقدم هام في التقنيات العلاجية لسرطانات البروستات والمثانة والكلي    غزة... "القسام" تسلم أسيرين إسرائيليين للصليب الأحمر بالدفعة الرابعة للصفقة    محاضرة بأكاديمية المملكة تُبعد نقص الذكاء عن "أطفال صعوبات التعلم"    هواوي المغرب تُتوَّج مجددًا بلقب "أفضل المشغلين" لعام 2025    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    الممثلة امال التمار تتعرض لحادث سير وتنقل إلى المستشفى بمراكش    الفنانة دنيا بطمة تغادر السجن    نتفليكس تطرح الموسم الثالث من مسلسل "لعبة الحبار" في 27 يونيو    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحديات توظيف المقدَّس في الراهن العربي، نحو تَحرير الدين .. أولاً: في تشخيص علامات توظيف المقدس في الحاضر العربي

يعد موضوع توظيف المقدس في التاريخ من الموضوعات المعقدة والملتبسة في الآن نفسه. وقد بلورت الفلسفات الحديثة في سياق نقدها لصور استخدام الدين في الحياة العامة، جملة من المبادئ التي تعد اليوم من المكاسب النظرية في موضوع تصورها لأسس الدولة المدنية. إلا أن المتغيرات التي عرفتها المجتمعات البشرية، أنتجت أنماطا أخرى من أشكال توظيف المقدس في العمل السياسي، بل وتحويل الجدل السياسي إلى مجال للاستقطاب الديني، الأمر الذي يدعونا إلى التفكير في كيفيات تحرير الإسلام وتحرير الدين عموماً، من المتلاعبين بقيمه السامية
شكل وصول الإسلاميين إلى سدة الأجهزة التنفيذية في المجتمعات، التي انتفضت ضد الاستبداد والفساد حدثا مفاجئا. صحيح أن الحدث المذكور، كان موصولا بسياقات تاريخية وسياسية محددة، وصحيح أيضا أنه عرف في قلب عنفوانه وتطوره، داخل كل ساحة من ساحات تبلور مواقف واختراقات معقدة، إلا أن الإجماع المصاحب له، لم يفرز وضوحا تاما في صور المآل الذي انتهت إليه الأمور هنا وهناك.
ولأننا في التاريخ وفي طفراته، اعتدنا على نموذج سببي في التحليل، وتناسينا مكر التاريخ وسياقاته غير المكشوفة، فقد بدا لنا أن في الأمر حسابات أخرى، كنا نعرف بعضها ونخاف من قَبوله وإعلانه، يتعلق الأمر في نظرنا بمآل التيارات السياسية اليسارية والليبرالية، والتيارات السياسية التي كانت تصنعها الأنظمة لتؤثث بها المشاهد السياسية، مُعلنةً تعدديةً مصطنعة لأنظمة الحزب الواحد، حيث تقوم بإنشاء أحزاب توكل لها أدواراً محددة( ).
ومنذ ما يقرب من عقدين من الزمن، تطور العمل السياسي والعمل الميداني في جبهة الإسلام السياسي، فأصبح يشتغل بآليات في التعبئة والتجييش لم تكن متوفرة في المشهد السياسي العربي بمختلف تشكيلاته. نحن لا نعمم هنا، ولكننا نشير إلى معطيات محددة تجد سندها الواقعي في الحالة المغربية، التي نتوفر على معطيات دقيقة في موضوعها( ).
ضمن هذا السياق، نفهم جوانب محددة من هذا الذي جرى ويجري أمامنا، والمتمثل في وصول التيار الإسلامي إلى السلطة. وفي قلب هذه العملية، حصل ويحصل في عالمنا اليوم، التوظيف الأكبر للإسلام. وقد تم النظر إليه كمرجعية فكرية لتيار سياسي، كما تمت محاولة السطو على مكاسب الثورة بعدته الرمزية، وقد استوت قوة في الأرض مُسلحةً بشعارات الشريعة وخيارات العقيدة.
وقبل الوقوف على عينة من أشكال التوظيف الجارية للمقدس في مجتمعاتنا، نشير إلى أن مجمل ما حصل يعكس هيمنة المقدس في الحاضر العربي، كما يعكس الصور الجديدة للجاذبية المتجددة للروحانيات في عالمنا، وهو يدعونا إلى استحضار معارك ومواقف النهضويين العرب في موضوع الإصلاح والتغيير والمواءمة، ندرك سمك التقليد والتقاليد في حاضرنا، كما ندرك المعارك المؤجلة التي ما تزال تنتظرنا، من أجل تفتيت القيود التي تكبل الذهنيات وتحاصر طموحاتنا في تجاوز تأخرنا التاريخي..
إن صور توظيف الدين في المجال العام، تستدعي اليوم أكثر من أي وقت مضى، جملة من البنود الهامة في موضوع الإصلاح تم السكوت عنها فيما سبق بمبررات عديدة، اتضح اليوم أنها مبررات واهية. صحيح أن تنامي حركات وأشكال التعبير الديني في العالم المعاصر، يؤشر على تجدد الوعي بدور الروحانيات في مجتمعنا، وذلك بناء على نظرة جديدة للحياة، تروم توسيع مساحة تحرير الدين من هيمنة الدولة والأحزاب والحركات الإسلامية، وكل المحتكرين لرأسماله الرمزي للمقدس، وفي هذا الإطار دافعنا في بحث سابق عن روحانيات الحداثة( ).
نحن نشير هنا إلى تَمسُّك الدولة الوطنية الناشئة، في أغلب البلدان العربية بتدبير الشأن الديني، حيث ظل المقدس مؤثثا لفضائنا السياسي، كما ظل تابعا منضبطا لقيم السلطة وأشكال ترتيبها للعقائد والرموز والطقوس داخل المجتمع. وقد عملت أغلب الأنظمة السياسية طيلة عقود ما بعد الاستقلال، على دمج الدين في بنود دساتيرها. وأقامت تحالفا معلنا بين السلطة المدنية وعقائد الشعوب، كما نظمت الأعياد والمواسم والطقوس، مُركِّبة آليات محددة في الإدماج والتحالف، وذلك في إطار منح الأولية للنظام السياسي، وتحويل الفقهاء والعلماء والخطباء في الأغلب الأعم إلى جوقة في مشهد العمل السياسي، جوقة محافظة وصانعة للمقدس بمختلف تجلياته مكانة محددة في المجال العام.
تعتمد التوظيفات المنجزة للمقدس في المجال السياسي العربي على ميراث قديم، وهي تستند في روحها العامة إلى الإرث الفارسي، كما رسخه عهد أردشير الذي رتب علاقة المقدس بالدنيوي، وجعل الثاني موجِّها للأول، كما جعل الأول أداة في يد الثاني.
ولكي نتجاوز العموميات، سنقترب في محور التشخيص من بعض المعطيات الكونية والعامة، ثم نقف في لحظة ثانية، أمام حالة تمثيلية محددة لصُوَّر توظيف المقدس في حاضرنا. وقد اخترنا أن تكون هذه الحالة مستمدة من أزمنة ما قبل الثورة، بهدف توسيع مجال البحث. وبحكم أن التوظيفات الجارية اليوم، تدعونا إلى بناء ما يسعف بالقدرة على مواجهة المعارك المرتقبة، المعارك التي تكشف مؤشراتها في أغلب البلدان العربية ما ينتظرنا من مجابهات ومواجهات، بهدف توطين قيم التاريخ والحداثة في مجتمعاتنا.
ويمكن أن نشير هنا قبل استحضار عينة التشخيصات التي نحن بصددها، إلى انه لا يمكن فهم العالم اليوم، دون الانتباه إلى عوالم المعتقدات والأدوار التي أصبحت تمارسها ، في مختلف صور الصراع الحاصلة في العالم. وقد بلغ الأمر درجة سمحت لأحد الباحثين بالحديث عن سوق عالمية للديانات والإثنيات، حيث يتم خلق الفرجة الدائمة، فرجة العرض والاستعراض الديني والإثني، الذي يتداول في وسائل الإعلام( ).
نتبين بعض ملامح ما كنا بصدد تعيينه، في «اختفاء بعض وثائق ملف التحقيق الخاص بقضية الكنيسة السيونطولوجية (Scientologie) داخل قصر العدالة الباريسي، وانتصار دايلي لاما(Daili lama) على الصين، وتضاعف عدد الحجاج الذين يترددون على مكة، وعلى المياه الملوثة في غانج (gange)، إضافة إلى التدخلات المتتالية للبابا يوحنا الثاني في قضايا العالم، وبالخصوص في موطنه بولونيا، أو بعيدا عنها في كوبا آخر معقل للشيوعية»( ). تضعنا الأمثلة السابقة أمام جملة من العلامات البارزة، في حاضرنا الكوني، وتدعونا لتحيين تصوراتنا ومواقفنا من حول الدين وعلاقته بالسياسة.
ندرك اليوم صواب حكم الذين تنبأوا بأن القرن الواحد والعشرين، سيكون قرن انتعاش لكل ما هو روحاني. فقد اتسع مجال تعميم المقدسات في إفريقيا، كما عرفت الديانات الكلاسيكية تصاعدا في تياراتها الأصولية. ومقابل ذلك، يتجه البحث اليوم في المقدس، لتجاوز براديغم حداثة في مقابل تدين، فقد أصبحنا أمام معطيات جديدة تستدعي من أجل تعقلها، أنظمة في الفهم والتأويل تتجاوز منطق التوافق السياسي المرحلي، وتنظر بعيدا في كيفيات تركيب أنماط من التعقل، المنفتح في هذا الموضوع بالذات على إرادة في التجاوز والتفاعل والابتكار( ).
إنني أعي مدى المجازفة التي أقدم عليها، حين أحاول التفكير في موضوع بالغ الحساسية مثل هذا، وأعي في الوقت نفسه، إنني أواصل حواراً شرعت فيه مع نفسي، بهدف التفكير في أسئلة موصولة بقضايا الفكر والتغيير في المجتمعات العربية. فالأسئلة والفرضيات الموجهة لحدود هذا العمل، تواصل العناية بأسئلة معقدة، ويبدو لي أن أهميتها قد ازدادت نتيجة للتحولات الحاصلة اليوم في مجتمعنا، أسئلة المرحلة الانتقالية الراهنة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.