أخيرا وبعد قرابة 20 عاما على تضمينه في الدستور المغربي، يخرج المجلس الاقتصادي والاجتماعي إلى حيز الوجود كمؤسسة استشارية يعهد لها القانون بمهمة الإدلاء برأيها في الاتجاهات العامة للاقتصاد الوطني والتكوين؛ و تحليل الظرفية الاقتصادية والاجتماعية الوطنية والجهوية والدولية وتقديم اقتراحات في مختلف الميادين المرتبطة بالأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتنمية المستدامة؛ وتيسير وتدعيم التشاور والتعاون والحوار بين الفرقاء الاقتصاديين والاجتماعيين، والمساهمة في بلورة ميثاق اجتماعي؛ و إعداد دراسات وأبحاث استشرافية وتوقعية في الميادين المرتبطة بممارسة صلاحياته. وهكذا بات لدى الحكومة و لدى البرلمان بغرفتيه جهاز استشاري مختص في جميع القضايا المرتبطة بالشؤون الاقتصادية والاجتماعية والتكوينية ، وفي مشاريع مخططات التنمية، ومشاريع الاستراتيجيات المتعلقة بالسياسة العامة للدولة. وقد منح القانون المنظم لهذه المؤسسة حق الاطلاع وجوبا علي جميع المشاريع الصادرة عن الحكومة وعن مجلسي النواب والمستشارين الداخلة في مجال اختصاصه، بمعنى أنه أصبح قناة إجبارية لتصريف السياسات العمومية في كل ما له صلة بالشأن الاقتصادي والاجتماعي والتكويني. وعليه بات لزاما على الحكومة ومجلس النواب ومجلس المستشارين موافاة المجلس، تلقائيا أو بطلب منه، بالمعلومات والمعطيات أو الوثائق التي من شأنها مساعدته على ممارسة صلاحياته. كما يتعين على مختلف المؤسسات أو الهيئات أو المجالس أو اللجان التي تمارس أنشطة ذات صلة بصلاحيات المجلس، بموافاته بالمعلومات والمعطيات أو الوثائق التي يطلبها وينص القانون المنظم لهذه الهيأة على ضرورة توفرها على تمثيلية واسعة حتى يكون بمقدورها انجاز مهامها على أحسن وجه حيث تتألف ، بالاضافة الى الرئيس الذي يعين بظهير شريف، من 99 عضوا بينهم 24 خبيرا في الشؤون الاجتماعية والاقتصادية والتكوينية ويعين هؤلاء من طرف جلالة الملك ، كما يضم المجلس 24 عضوا نيابة عن أكثر النقابات تمثيلا للأجراء بالقطاعين الخاص والعام ، 12 منهم يعينهم الوزير الأول، بينما يعين 6 من طرف رئيس مجلس النواب و6 من طرف مجلس المستشارين. أما الباطرونا و المقاولات بجميع أنواعها وأحجامها فينوب عنها داخل المجلي 24 ممثلا، من بينهم 12 عضوا يعينهم الوزير الأول، و6 أعضاء يعينهم رئيس مجلس النواب، و6 أعضاء يعينهم رئيس مجلس المستشارين، وذلك باقتراح من الهيئات والجمعيات المهنية التي تنتدبهم. ولم يغفل القانون المنظم لهذا المجلس دور المجتمع المدني الفاعل في جميع النشاطات الاجتماعية والاقتصادية حيث يمثلون ب 16 عضوا، بينهم 8 يعينهم الوزير الأول، و4 يعينهم رئيس مجلس النواب، و4 يعينهم رئيس مجلس المستشارين. ولارتباطهم الوثيق بالحقلين الاقتصادي والاجتماعي يمثل داخل هذا المجلس كل من والي بنك المغرب و المندوب السامي للتخطيط ؛ والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للتعليم؛ و رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان- رئيس مجلس الجالية المغربية بالخارج- رئيس المجموعة المهنية للأبناك بالمغرب؛- المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي؛- ىمدير الصندوق المغربي للتقاعد؛- الرئيس المدير العام للصندوق المهني المغربي للتقاعد- مدير الوكالة الوطنية للتأمين الصحي؛ - رئيس المرصد الوطني للتنمية البشرية. وكان أنشاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي مطلبا ملحا من طرف جميع أطياف الحقل السياسي المغربي وأغلب شرائح المجتمع المدني وكذا من قبل أرباب المقاولات و ممثلي المأجورين لما يضطلع به من أدوار حاسمة في بلورة سياسة اقتصادية واجتماعية متناسقة ومنسجمة يستشار حولها عدد كبير من ممثلي الفئات المذكورة، سياسة يكون لها وقع مباشر على الحياة الاقتصادية وعلى المعيش اليومي للمواطنين خصوصا وأن هذه المؤسسة أبانت عن دور حيوي في العديد من البلدان التي اعتمدتها كأداة استشارية تجعل عمل الحكومة والبرلمان إنتاجا مؤشرا عليه من قبل جميع الفئات المعنية وليس فقط قدرا منزلا من الأعلى إلى الأسفل وعلى الرغم من كون دور هذه المؤسسة يبقى دورا استشاريا وغير تقريري ، فان إحداثها في هذا الوقت بالذات جاء ليملأ خانة كان المغرب في أمس الحاجة إليها، لما تمثله من تعاقد ضمني بين جميع الأطراف ، سواء الصانعة للقرار أو المتحملة لتبعاته، حتى لا تبقى سياسات الدولة في واد ومطالب واحتياجات المجتمع في واد أخر.