اقترب تاريخ امتحانات الباكلوريا المبرمجة ما بين 7 و 9 من يونيو الجاري، وسط أجواء خاصة خلقها تبني وزارة التربية الوطنية لحزمة من الإجراءات، تضمنها مشروع القانون 13/02 في صيغته الأولى، والذي كان ينص على عقوبة السجن والغرامة لكل من ثبت تورطه في تسريب مواضيع الامتحان أو المساعدة في الإجابة عنها أو المشاركة في أي عملية من عمليات الغش. هذا قبل أن يتم تعديل هذا المشروع في انتظار المصادقة عليه في قبة البرلمان، عبر التخلي عن العقوبات الحبسية والمالية، والاكتفاء بالعقوبات التأديبية في حق كل مخالف، باقتراح من الفريق الاشتراكي في مجلس النواب. تعد فترة الإعداد التي تسبق الامتحان، حاسمة بالنسبة للعديد من التلاميذ و فرصة لمراجعة شاملة، لكل المعارف المحصلة على مدار السنة الدراسية، و من اجل ذلك يعتكف بعضهم في المنازل في حين يختار البعض الآخر الحدائق والمقاهي، مكانا للتحصيل ، في غياب أو ندرة الأماكن والمكتبات المخصصة لهذا الغرض. قمنا بجولة في بعض الحدائق العمومية والمقاهي المتواجدة في مدينة الدارالبيضاء، و تحديدا في منطقة عين الشق، للاقتراب أكثر من هذه الأجواء التي تصادف الجدل المحتدم حول مشروع قانون مكافحة الغش. البداية قادتنا إلى احد المقاهي التي يسمح مالكوها للطلبة والتلاميذ، باتخاذها فضاء للتحصيل ، وهناك التقينا في طابقها العلوي مجموعة من أربعة تلاميذ يدرسون في السنة الثانية بكالوريا شعبة العلوم الطبيعية، حيث وجدناهم منهمكين في مراجعة الدروس المبرمجة في الامتحان، في هدوء لا تعكره سوى حركات رواد المقهى، و أبواق السيارات. أحاديثهم لا تتجاوز همسات بينهم، كلما تعذر على احدهم فهم مسألة ما. اقتربنا بهدوء محاولين طرح بعض الأسئلة في محاولة لفهم علامات القلق والارتباك البادية على محياهم. وهل للأمر علاقة بالتدابير المتخذة من طرف وزارة التربية الوطنية من اجل مكافحة الغش، أم أن الأمر عاد مع اقتراب فترة الامتحانات؟ وضع يوسف ما بيده، وتنفس بعمق مجيبا: (الامتحانات على الأبواب وطموحنا تحقيق نقاط جيدة تؤهلنا لولوج معاهد عليا، وهذا أمر يضع علينا كثيرا من الضغط) طرحنا السؤال مجددا لكن هذه المرة حاولنا معرفة ما مدى إلمامهم بمضامين إجراءات محاربة العش في الامتحانات؟ وهنا أعرب يوسف عن استغرابه من اتخاذ مثل هذه الإجراءات: (لقد ألزمنا بالمصادقة على تعهد بالملحقة الإدارية، نقر من خلاله بإطلاعنا على القرار المتعلق بتدابير مكافحة الغش مع اقتراب موعد الامتحانات، لكن بعض التلاميذ يرفضون هذا الإجراء). نفس علامات الاستغراب بدت على محيا صديقه زكريا والذي أعرب عن تخوفه من مثل هذه الإجراءات قائلا: (تدخل بصفة تلميذ لكي تجري امتحانا فتجد نفسك مهددا بالسجن، هذا أمر غير منطقي!) وهنا قاطعه صديقه يونس قائلا: (شخصيا اتفق مع الإجراءات المتعلقة بتشديد المراقبة في الامتحانات وذلك لإعطاء فرص وحظوظ متساوية بين التلاميذ، لكن أن يصل الأمر إلى السجن فهذا أمر غير مقبول) . حماس التلاميذ في النقاش استوقف احد رواد المقهى، وهو رجل في الخمسينيات من العمر أبدى اهتمامه بالموضوع باعتبار أن له ثلاثة أبناء يتابعون دراستهم بين المستويات الإعدادية والثانوية مؤكدا أنه : (يجب مراجعة المناهج والمقررات بدل التركيز على عمليات الغش، فإذا وجد التلميذ نفسه في ظروف تحصيل جيدة لن يكون بحاجة إلى اللجوء لعملية الغش). اتجهنا من جديد في رحلة بحثنا عن شهادات أخرى، لنجد ضالتنا في إحدى الحدائق، حيث التقينا ثلاث تلميذات يدرسن في السنة الثانية، شعبة العلوم الطبيعية، يتخذن من ظل شجرة مكانا لهن. فقمنا بطرح نفس الأسئلة. الإجابات بدورها لم تختلف كثيرا عن سابقاتها حيث أعربن عن خوفهن من ولوج قاعات الامتحان في ظل هذه الإجراءات. (اشعر دائما بالخوف عند كل امتحان، لكن مع تدابير مماثلة يزداد الخوف) هذا ما صرحت به غزلان وعلامات القلق بادية على محياها. بدورها صديقتها أمل أعربت عن بعض القلق وإن أكدت ارتياحها لتشديد الحراسة:) أحبذ مضاعفة الحراسة في قاعات الامتحان. فهذا يزيد من تكافؤ الفرص(. مسؤولية الأسر في طريقنا توقفنا أمام إحدى المكتبات، التي تؤمن عملية النسخ للطلبة والتلاميذن فوجدنا الحركة اقل من المعتاد، لكننا صادفنا حالة تستدعي الاهتمام. وهي لأم رفقة ابنها المراهق الذي لا يتجاوز سنه 14 عاما. وهما في حالة شد وجدب مع المسؤول عن النسخ، بعد أن رفض هذا الأخير طلبهم القاضي بنسخ دروس عبر تقنية التصغير. الأمر الذي لم يرق للأم وابنها. وعند مغادرتهما سألنا صاحب المكتبة عن مثل هذه التصرفات، فأجاب: (في السنوات الماضية كانت حالات منفردة وبتستر كبير، اليوم صار بعض الأبناء يأتون برفقة آبائهم أو أمهاتهم من أجل الحصول على نسخ مصغرة، وعند رفضنا تلبية طلبهم، قد نواجه بالسب والشتم, مع العلم أن القانون يجرم المساهمة في عملية الغش). صار واضحا تواطؤ بعض أولياء الأمور الطامحين لحصول أبنائهم على نقاط عالية بأي طريقة، و هذا ما تؤكده الحالات التي تم ضبطها في السنوات الماضية، حيث ثم استعمال أدوات تكنولوجية باهظة الثمن بمساعدة شبكات منظمة، هدفها تسهيل عمليات الغش. هذا العام مع اقتراب امتحانات الباكلوريا، مظاهر الغش لم تختف ، بعد أن تم وضع دروس مصغرة على بعض صفحات الفايسبوك تسهيلا وتيسيرا لمحترفي الغش. إصلاحات ممكنة الأكيد أن التعديلات التي شهدها مشروع القانون، بالتخلي عن الحبس والغرامة، ستعطي بعض الاطمئنان للتلاميذ وأولياء أمورهم في انتظار اتخاذ إجراءات حقيقية على مستوى المناهج والمقررات، عبر مقاربة شمولية تركز بالأساس على إدماج التلاميذ داخل المنظومة التعليمية، وبتطوير كفاءاتهم الذاتية تشجيعا لروح الإبداع والابتكار، و اعتماد طرق بيداغوجية مستلهمة من تجارب دول رائدة في مجال التربية والتعليم، لرفع الحس النقدي بدل شحن الذاكرة، في أفق الرقي بالتعليم إلى المستوى المنشود.