ما من شك أن النشاط البنكي بصفة عامة هو دلك النشاط الضروري في الحياة الاقتصادية والمالية، إذ يعمل على توزيع الائتمان بفعل استجابته لمتطلبات نشاط الأفراد والمقاولات، والمساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. لدلك فان الائتمان البنكي يعد بمثابة مقاربتين الأولى ايجابية والثانية سلبية، فهو قد يكون إيجابيا من جهة لمن يستفيد منه ومن جهة أخرى سلبيا بالنسبة إليه، بمعنى أن الائتمان الممنوح من قبل البنك بقدر ما يساهم في مساعدة المرتفق على تحقيق مشاريعه وإنجاز الأغراض والعمليات التي من أجلها تم طلبه، بقدر ما يتسبب هذا الائتمان في انهيار الوضع المالي لذات المستفيد في حالة عدم تقيد البنك المانح بالأحكام والقواعد القانونية المقررة في هذا المجال، وعدم احترامه للالتزامات الملقاة على عاتقه في هذا الإطار من شأنه أن يزعزع القطاع البنكي بكامله ويؤدي إلى فقد الثقة التي يضعها فيه الزبناء. لذلك فإن المشرع المغربي أخضع المؤسسات البنكية لمجموعة من الجزاءات التأديبية والجنائية في حالة عدم احترامها للمقتضيات القانونية المتعلقة بممارسة المهنة البنكية، وقد تم التنصيص عليها في القانون رقم 03-34 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها، وكذا القانون رقم 95-15 المتعلق بمدونة التجارة، وقانون رقم 95-17 المتعلق بشركات المساهمة. لذلك فإن أهمية الموضوع العملية تتمثل في تفعيل المقتضيات القانونية للضرب على أيدي المخالفين، نظرا للدور الكبير الذي يلعبه النشاط البنكي في استقرار المعاملات والمساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. لذلك فإن إشكالية الموضوع تتمحور حول ما مدى فعالية العقوبات المقررة للمخالفات البنكية وإلى أي حد تساهم في ردع مسيري المؤسسات البنكية؟ وللإجابة على هذه السؤال نجد أن العقوبات تطبق على مؤسسات الائتمان في حالة إخلالها بالمقتضيات القانونية والمتعلقة بالمهنة البنكية. وبالرجوع لهذه المقتضيات يمكن القول أنها تتمثل في العقوبات الشخصية (أولا) والعقوبات المالية (ثانيا). أولا: العقوبات الشخصية لابد من الاعتراف أولا أن القانون البنكي المغربي، خطا خطوة جريئة فيما يخص توقيع العقوبات التأديبية على المؤسسات البنكية عامة والمسجل عليها مخالفات للقواعد القانونية، خاصة العقوبات المرتكبة من طرف الأشخاص. وهكذا تنص المادة 133 من القانون البنكي على أنه: "إذا ظل التحذير أو الإنذار المنصوص عليهما على التوالي في المادتين 58 و61 أعلاه دون جدوى، جاز لوالي بنك المغرب القيام بما يلي بعد استطلاع رأي اللجنة التأديبية لمؤسسات الائتمان: - توقيف واحد أو أكثر من المسيرين. - المنع أو الحد من القيام ببعض العمليات من قبل مؤسسة الائتمان - تعيين مدير كمؤقت - سحب الاعتماد. من خلال هذه المقتضيات تبين لنا أن المشرع المغربي، قد سار على منوال المشرع الفرنسي في إقراره للعقوبات الشخصية المقررة للمؤسسات البنكية في حالة إخلالها بالقواعد القانونية وهكذا سنعمل على مناقشة هذه العقوبات تباعا. 1: توقيف واحد أو أكثر من المسيرين مما لاشك فيه أن نشاط مؤسسات الائتمان يرتكز على الثقة التي تمنح له من طرف العملاء، وحتى يتم تكريس هذه الثقة لابد من مسيرين أكفاء يضطلعون بالمهام الموكولة إليهم مع الالتزام بأعراف المهنة، لذلك نصت المادة 58 من القانون البنكي على انه، "إذا أخلت إحدى مؤسسات الائتمان بأعراف المهنة، جاز لبنك المغرب أن يوجه تحذيرا إلى مسيرها بعد إعذارهم لإبداء إيضاحات حول ما لوحظ عليهم من مآخذ". كما يجوز له أن يقوم بإجراء يتعلق بتوقيف واحد أو أكثر من المسيرين إذا تبين أن له عدم جدوى التحذير أو الإنذار من أجل معالجة وضعية المؤسسة المالية والإدارية. 2: المنع أو الحد من القيام ببعض العمليات من قبل مؤسسة الائتمان إن العمليات البنكية تتوزع وتتعدد باختلاف أنواعها بين عملية تلقي الأموال من الجمهور، وعمليات الائتمان، إلى جانب ذلك عمليات وضع مختلف وسائل الدفع رهن تصرف العملاء، أو القيام بإدارتها ، إلا انه باستقراء المادة 133 من القانون رقم 03-34 يمكن لوالي بنك المغرب اتخاذ إجراء المنع من مزاولة هذه الأنشطة أو الحد من القيام بها، كلما تبث عليهما في المادتين 58 و61 لم يأت بأية نتيجة. 3: تعيين مدير مؤقت تعتبر الإدارة المؤقتة كعقوبة تأديبية يمكن لوالي بنك المغرب إيقاعها بالمسيرين في حالة عدم الامتثال للتعليمات، أو إذا تبين أن تأمين التسيير الإداري والمالي لمؤسسة لا يتم بشكل عادي، وذلك بعد استشارة اللجنة التأديبية لمؤسسات الائتمان، وتخول إلى المدير المؤقت كل السلطات الضرورية لتدبير أمورها، ويحدد قرار تعيين المدير المؤقت، مدة مهمته وشروط مكافأته ويتم تبليغ ذلك لأعضاء مجلس الإدارة ومجلس الرقابة لمؤسسة الائتمان المعنية، ولوزير المالية وينشر في الجريدة الرسمية. 4: سحب رخصة الاعتماد يجوز لوالي بنك المغرب سحب رخصة الاعتماد من إحدى مؤسسات الائتمان حماية للنشاط البنكي في الحالات التي نصت عليها المادة 45 من القانون رقم 03-34 ومن بين هذه الحالات البند رقم 4 التي نصت على انه: 4 – وإما على سبيل عقوبة تأديبية تطبيقا لإحكام المادة 133 أدناه. وذلك بعد استطلاع رأي اللجنة التأديبية. ومن بين الآثار المترتبة على سحب رخصة الاعتماد حذف المؤسسة المعنية من لائحة المؤسسات البنكية التي يتولى بنك المغرب إعدادها وتعهدها تطبيقا لإحكام المادة 41 من القانون البنكي. وبصفة عامة نستطيع القول أن العقوبات الشخصية مرتبطة أساسا بالمخالفات التي يرتكبها مسيرو مؤسسات الائتمان، إلا أن العقوبات المالية يبقى من شانها المساهمة في جعل مؤسسات الائتمان تلتزم بما قرره المشرع المغربي. ثانيا: العقوبات المالية قرر المشرع المغربي في المادة 128 من القانون رقم 03-34 عقوبات مالية في حق مؤسسات الائتمان في حالة مخالفتها للتدابير المنصوص عليها في القانون المذكور، وقد منح اختصاص توقيع هذه العقوبات لوالي بنك المغرب وحددت هذه الأخيرة في كونها تساوي خمس رأس المال الأدنى المفروض من عليها «بصرف النظر عن التحذير أو الإنذار المنصوص عليهما على التوالي في المادتين 58 و61 من هذا القانون وتسري هذه العقوبة إذا لم تتقيد المؤسسة المعنية من جهة بأحكام مجموعة من المواد الواردة في القانون البنكي ومن جهة أخرى في حالة عدم التزام المؤسسة بتكوين الاحتياطات الإلزامية لدى بنك المغرب، علما بأنه على والي بنك المغرب أن يصدر منشورا يحدد فيه القائمة المفصلة لمؤسسات الائتمان وذلك حسب المادة 132 من نفس القانون. ومن جانب آخر ينبغي تبليغ المؤسسة بالعقوبة الموقعة عليها وأسباب اتخاذها وآجال تنفيذها، واقتطاع مبلغ العقوبة مباشرة من حساب المؤسسة التي تتوفر على حساب لدى بنك المغرب. وفي حالة عدم توفر المؤسسة على حساب لدى بنك المغرب، فإن عليها دفع مبلغ العقوبة إلى شباك من شبابيك بنك المغرب وإذا لم تقم بذلك داخل أجل 8 أيام، وهو الأجل المحدد بمقتضى المادة 129، والذي يبدأ من تاريخ توجيه التبليغ إلى المؤسسة، فإن الخزينة العامة هي التي تقوم بتحصيل مبلغ العقوبة وذلك وفق الشروط المنصوص عليها في القانون رقم 97-15 بمثابة مدونة تحصيل الديون العمومية. وعندما يكون للمؤسسة المعنية حساب لدى بنك المغرب يقوم هذا الأخير باقتطاع مبلغ العقوبة من الحساب المذكور ويدفعه إلى الخزينة عند انتهاء كل سنة محاسبية. هذا وقد أجاز المشرع لبنك المغرب نشراَ العقوبات التأديبية الصادرة في حق مؤسسات الائتمان وذلك بجميع الوسائل التي يراها ملائمة. وتأسيسا على ذلك يتضح أن العقوبات التأديبية التي أقرها القانون البنكي جاءت من أجل تكريس الحماية للقطاع البنكي عامة وللمتعاملين مع هذه المؤسسات خاصة، وتبقى العقوبات الجنائية هي الوسيلة الأنجع للضرب على أيدي المخالفين ضمانا للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. إجمالا يمكن القول بان العقوبات المفروضة على الأبناك سواء التأديبية أو الجنائية لا يمكن أن تحقق الردع والغاية منها دون وجود آليات وميكانيزمات تتناسب وإثبات المخالفات البنكية من جهة، وتجميع النصوص القانونية المنظمة لمؤسسة التجريم والعقاب في مدونة واحدة من جهة أخرى ناهيك عن تحرير النيابة العامة من قيود المتابعة خاصة في المخالفات التي تكون المتابعة فيها بناء على شكوى واعتبار أن البنك هو مجرد شخص تاجر معنوي يمكن متابعته متى قامت مسؤوليته الجنائية وكيف ما كانت إمكانياته طالما أن تصرفاته تشكل مصدر خطورة على المجتمع وأمنه، وحسنا فعل المشرع المغربي بفرضه عقوبات زجرية تتفق وطبيعة هذا الكيان وإن كانت في الواقع قليلة التطبيق والتنفيذ. (*) محام م بهيئة المحامين بالدارالبيضاء - طالب باحث.