يعيش المواطن المغربي لحظات عصيبة مع المرض، تنطلق فصولها من المستشفى ولا تنتهي بالضرورة حين مغادرته له، بل قد ترافقه إلى غاية الصيدلية، بعد أشواط قد تكون هيّنة عند البعض، خاصة إذا ما طرق باب طبيب القطاع الخاص، سواء توفرت له الإمكانيات المادية لذلك أو تدبّرها بكيفية من الكيفيات، وقد تكون عصيبة بفعل مدة الانتظار التي لا تعني اليوم نفسه لوحده، بل مدة انتظاره للموعد كاملة، فضلا عن صلاحية المعدات الطبية، من أجهزة للفحص بالصدى وبالأشعة «الراديو» و «السكانير»، وكذا وجود المفاعلات المخبرية لإجراء تحاليل معينة، التي لا تكون في المتناول كل يوم، فقد يحصل المريض على الموعد لكن حين قدومه للمستشفى يخبر بأن أحد الأجهزة التي تتطلبها وضعيته الصحية لتحديد مرض ما هي بها أعطاب، أو غير متوفرة، وبالتالي ما عليه إلا الصبر في ظل هذا المبرر الذي يُشهر دون سابق إشعار. ولا يقف الأمر عند المستشفى، فالصيدليات بدورها قد تُفاجئ المريض وهو يدلي بوصفته الطبية بأن هذا الدواء أو ذاك هو غير متوفر، دون أن يعلم الطبيب بخبر هذا الانقطاع حتى يقوم بوصف غيره، ودون أن يتم توضيح سبب عدم توفر الدواء، لأن الصيدلاني بدوره يتم إشعاره من طرف المصنّع ب «انقراض» الدواء دون إيضاحات أخرى، وهو الإخبار الذي لا يكون دائما عفويا، بل تحت الطلب، مما يبين حجم الهوة التواصلية بين الأضلاع المكوّنة لهذه المنظومة التي تعاني من الاختلال، التي يدفع ثمنها المريض، الذي قد يجوب عشرات الصيدليات قبل أن يقتنع بأن الدواء الذي يبحث عنه لم يعد له أثر، فيتم الالتجاء إلى دواء مشابه في حالات بعينها، لكن يكون الوضع شائكا حين يتعلّق الأمر بدواء بالغ الأهمية ولا نظير له، يتطلب استيراده، الأمر الذي يتسبب في أزمة صحية متعددة الأبعاد والتداعيات، وهو ما عرفته العديد من الأدوية في فترات مختلفة، بشأن أدوية تتفاوت حدّة أهميتها، كما هو الحال بالنسبة للقاحات تهم المينانجيت والكزاز، على سبيل المثال لا الحصر، وآخر الأدوية التي قد تعتبر بسيطة، هي «أكتابيلجيت»، «كولوباتيل» التي تهم الالتهابات المعوية، في ظل التعرض لتسممات تؤدي إلى الإصابة بالإسهال، إضافة إلى «فنتولين» محلول للشراب، وقبلها «حقن» للشرب لمرضى الروماتويد، وغيرها من الأدوية التي منها من دخل السنة على فقدانه من السوق الصيدلانية، وهي أدوية يتم سردها من باب الاستئناس لا التدقيق، في الوقت الذي لم تقم أي جهة بتقديم أي توضيح، من باب التوعية والتحسيس، ومن باب احترام العلاقة التي تربط المريض بالطبيب والصيدلاني؟ واقع يطرح أكثر من علامة استفهام حول الدور المنوط بمديرية الأدوية بوزارة الصحة في هذا الصدد، التي تعتمد الغياب دون ذكر الأسباب، ودون الخوض في تفاصيل، هي قد لا تكون مدرجة في خانة الأولويات، التي لا تشمل سوى الإعلان عن تخفيض أثمنة هذا الدواء وغيره، وإن لم يلمس المواطن عامة والمريض خاصة وقعا لهذا التخفيض المعلن عنه، خلافا لما تقوم به نظيرتها الوكالة الفرنسية للدواء، أخذا بعين الاعتبار أن الوضع تتفاقم حدته حين نكون أمام دواء واحد أو دواءين اثنين لمرض بالغ الحساسية، وقد يقع انقطاع لعدم تزويد مختبراتنا المصنعة بالمواد الأولية الهندية، نموذجا، فيغيب التوضيح ويسود الغموض، وهنا يمكن فتح قوس حول الأدوية التي قد «تنقرض» لمجرد أن هامش الربح فيها غير متسع، لانخفاض سعر بيعها، وبالتالي ولأن الهاجس هو ليس باجتماعي أو يروم الحفاظ على الأمن الصحي للمغاربة، لا يتم تصنيع دواء جنيس له، لأن الإكراه المادي هو الذي تكون له الكلمة الفصل، وترتفع درجات الحيرة حين نجد أن بعض الأدوية التي تنتمي لنفس العائلة، قد نجد منها أنواعا مختلفة تعدّ بالعشرات، في حين قد لا نجد شبيها لدواء وحيد في حالات أخرى، وهو ما يؤكده العديد من الصيادلة على امتداد ربوع المملكة، مما يطرح من جديد صلاحيات ومهام مديرية الأدوية التي تُطرح بشأن أدائها علامات استفهام عدّة في «تغييب» الأمن الدوائي، والرمي بالمواطن ومعه الصيدلاني كذلك، في دوامة من التيه؟