هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    مقتل تسعة أشخاص في حادث تحطّم طائرة جنوب البرازيل    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في حوار مع الأكاديمي المغربي الدكتور المصطفى الرزرازي رئيس المركز الإفريقي للدراسات: الاهتمام المتزايد للمغرب بدول آسيا يعكس وجود إرادة المغرب في تنويع شراكات المغرب الخارجية

p بحكم أنكم رئيس الجمعية المغربية للدراسات الأسيوية، ورئيس المركز الإفريقي للدراسات الأسيوية، وأستاذ بجامعة سابورو غاكوين، واطلاعكم الواسع على الثقافة والسياسة والاقتصاد لهذه البلدان، على اعتبار تخصصكم في القضايا الأمنية بجنوب شرق آسيا، ومعرفتكم بلغات دول المنطقة، كيف ترون توجه المغرب إلى الصين الشعبية من أجل تعزيز علاقات التعاون؟
n أظن أن الاهتمام المتزايد للمغرب بدول آسيا يعكس وجود إرادة داخل دوائر صنع القرار السياسي و الاقتصادي بالمغرب بتنويع شراكات المغرب الخارجية، وهي إرادة تمليها من جهة اكتمال جاهزية المغرب في بناء شراكات مع دول آسيا على أساس أكثر عقلانية، لأنها شراكات لا تنبني على ثنائية الوارد - الصادر التقليدية، بل هي شراكات شاملة تتطلع إلى مزاوجة آفاق التعاون في قطاعات الجيل الأول و الثاني من التعاون الصناعي التقليدي وغير التقليدي، إذ هي تشمل في حالة الصين قطاعات البنية التحتية ( الطرق والقناطر والسكك الحديدية)، و قطاعات التصنيع التكميلي كما هو حال صناعة السيارات والطيران والطاقة المتجددة وصناعة السفن. بل إن الاتجاه الذي تسير نحوه الشراكة المغربية الصينية يمتد نحو تغطية قطاعات حيوية مثل التعاون الدفاعي، علاوة على قطاعات ذات أثر اجتماعي مثل الخدمات والسياحة والتبادل الإنساني والثقافي والعلمي.
بهذا المعنى، تكون العلاقات المغربية الصينية بصدد تجاوز كل المطبات التقليدية كمسألة عجز الميزان التجاري، مادامت هي علاقات تستهدف تغطية فارق العجز عبر استجلاب واستقطاب الاستثمارات، ثم تميل نحو تكافؤ الاداء مادامت خارطة الطريق التي أسست لها الشراكة التي وقعها قائدا البلدان خلال الزيارة التي قام بها جلالة الملك محمد السادس ، تشمل اتفاقيات مشاريع مشتركة Joint Venture ، وتتأسس في مجموعها على مبدأ الربح المشترك، مما يجعلها تسير في خط تتوازى فيه النظرة البرغماتية مع التصور الاستراتيجي الشامل الذي يضمن للمغرب إعادة هيكلة علاقاته الخارجية على أسس جديدة تتناسب مع التحولات التي يعرفها العالم اليوم.
p هل يمكن أن تحدثنا عن علاقات التعاون التي تجمع المغرب والصين الشعبية؟
n تعيش العلاقات المغربية الصينية اليوم تطورا نوعيا سواء على المستوى السياسي او الاقتصادي او الثقافي. فإذا ما نظرنا إلى هذه العلاقات على امتداد العقود الثلاثة الماضية، يمكننا تقسيمها إلى أربع مراحل: مرحلة ما قبل سقوط سور برلين و نهاية الحرب الباردة، حيث كانت العلاقات المغربية تتسم بتبادل اقتصادي تقليدي يعتمد على ثنائية التصدير و الاستيراد، تؤطره دبلوماسية الاحترام المتبادل، لكن دون مبادرات خاصة على اعتبار العامل الايديولوجي، و تباين العقيدة السياسية للبلدين كانت تحول دون تجاوز عتبة العلاقات التقليدية. لكن مع ذلك ظلت العلاقات رغم محدوديتها ايجابية وجيدة بالنظر إلى تقاطع نظرة البلدين المغرب و الصين حول طريقة تدبير مفهوم الوحدة الوطنية و احترام سيادة الدول على التقائهما في ضرورة حل الخلافات الاقليمية او البينية عبر السبل السلمية و السياسية، ثم تأتي مرحلة ثانية تميزت بتوقيع اتفاقية تجارية شاملة عام 1995، دخلت حيز التنفيذ عام 1999. حيث توجهت العلاقات بين البلدين نحو مراجعة القواعد الجمركية المنظمة لعلاقات التبادل التجاري، حفزتها رغبة البلدين في توسيع حجم الميزان التجاري، وقد أطرت هذه الفترة زيارة العمل التي قام بها رئيس الوزراء المغربي عبد الرحمان اليوسفي ثم زيارة الرئيس الصيني جيانغ زيمين للمغرب عام 1999,
أما المرحلة الثالثة والتي أسست لها زيارة جلالة الملك محمد السادس إلى الصين عام 2002، ثم تتوجت بزارة الرئيس الصيني السابق هوجن تاو، فقد عرفت تحولا نوعيا و كميا في العلاقات المغربية الصينية المغربية. حيث ارتفاع حجم المبادلات التجارية بين البلدين من 4،05 مليار درهم عام 2002 إلى 5,3 مليار درهم . ليتابع النمو وتيرته ليصل عام 2004 حوالي سبعة مليار ثم يتجاوز النمو عتبة 30 في المائة عام 2005 ليصل عشرة مليار درهم. ما ميز هذه الفترة هو استمرار العجز التجاري في الميزان التجاري المغربي الصيني، لكن بالمقابل ارتفاع حجم الصادرت المغربية نحو الصين، ثم تميزت هذه الفترة بدخول المغرب مرحلة تنويع مبادلاته التجارية مع الصين، مع وجود إرادة في توسيع إطار العلاقات من شقها الثاني إلى شراكات موسعة خاصة في السوق الإفريقية، وهو ما عكسته مجمل الاتفاقيات التي وقعتها البنوك المغربية مع البنك المركزي الصيني أو إكسيم بانك الصيني.
خلال المرحلة الرابعة التي تلت هذه الفترة، عرفت العلاقات المغربية الصينية ديناميكية من أهم مؤشراتها ، تنامي إرادة هيكلة الإطار القانوني المنظم للعلاقات المغربية الصينية، وتوسيع سبل التعاون ليس فقط داخل الإطار الاقتصادي الثنائي لتشمل التنسيق داخل مختلف المنتديات و المنظمات الإقليمية و الأممية، علاوة على انخراط فعال للمغرب في منظومة التعاون داخل المنتدى الافريقي الصيني و كذا المنتدى الاقتصادي العربي الصيني.
وتميزت الفترة هذه أيضا بدخول الشركات الصينية في شركات فاعلة سواء في قطاع البنيات التحتية أو قطاع الطاقة أو المعادن، كما تشير إلى ذلك مجمل الاتفاقيات التي وقعها المكتب لشريف للفوسفاط مع شركة سينوشين أو المكتب الوطني للهيدروكابونات و المعادن مع المجموعة الوطنية الصينية للتنقيب عن البترول.
لكن تبقى كل هذه المجهودات دون التوقعات، لأن إمكانيات التعاون في مجالات أخرى مثل السياحة، و قطاع الخدمات، وصناعة السيارات، ثم تأسيس لشراكات تصنيع لم تصل بعد إلى حجمها المرجو.
p كيف تقرأ الزيارة الملكية والوفد المغربي المرافق لجلالة الملك، وتأثيرها على هذه العلاقات الثنائية؟
n بكل تأكيد، ستفتح الزيارة الملكية عهدا جديدا وثوريا في علاقات المغرب مع الصين، وهو ما تعكسه نوعية الشراكة الاستراتيجية التي وقعها قائدا البلدين، وكذا العدد الهام من الاتفاقيات التي تشمل كل الجوانب الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية والثقافية والإنسانية.
الزيارة الملكية للصين اتسمت بطبيعة خاصة ومميزة، فهي من حيث الاستعراض البروتوكولي الذي حظي به جلالة الملك خلال حفل الاستقبال الرسمي، عكست المكانة الخاصة التي يحظى بها الملك محمد السادس عند القيادة الصينية، ثم البيعة ..للوفد الوازن المرافق لجلالته والاهتمام الخاص الذي يوليه المغرب لصداقاته و شراكاته مع الصين، و هو ما ترجمته طبيعة الشراكة الاستراتيجية الشاملة التي وقعها شخصيا قائدا البلدين، ثم حجم الاتفاقيات التي وقعت خلال الزيارة، سواء ما هم منها مجالات استراتيجية، أو قطاعية في القطاعين الخاص و العام.
في الواقع، الزيارة الملكية هي في حد ذاتها مكسب للمغرب، على اعتبارها ستؤطر للمرحلة القادمة من الأداء المغربي الصيني، في بناء شركات جديدة، وتفعيل أخرى، والرفع من عتبة التعاون الشامل سواء على المستوى السياسي أو الأمني أو الاقتصادي أو الإنساني.
هناك بكل تأكيد إنجازات كثيرة تحققت خلال السنوات الخمس الأخيرة، تحتاج اليوم إلى تأطير جديد. فقد استقر بالمغرب بنك الصين المركزي بالمدينة المالية بالدار البيضاء، و ربما ستكون الزيارة الملكية فرصة لترسيم عقود المقايضة المالية (Swap) التي ستسمح للشركات الصينية و المغربية بالدفع بالعملات المحلية من خلال هو تنازل كل طرف للآخر عن سلسلة من التدفقات النقدية في مقابل سلسلة تدفقات نقدية أخرى ، سواء كانت على شكل سندات مالية مملوكة من قبل الأطراف المتعاقدة أو مشتقات مالية أخرى. و هي جد مفيدة في تعزيز مجموع الشركات التي وقعتها البنوك المغربية مع البنوك الصينية لتسهيل التعاملات المالية داخل السوق الإفريقية ككل.
يتوقع أيضا أن يكون للزيارة الملكية للصين أثر كبير في جلب مزيد من الاستثمارات الصينية في قطاعات حيوية وجديدة خاصة في قطاع التصنيع والطاقة البديلة.
هناك جانب هام سيحظى بكل تأكيد باهتمام الزيارة الملكية، و هو تسهيل التنقل بين البلدين و الرفع من عتبة الحركة البشرية، وهو ما سينعكس إيجابا سواء على الاقتصاد السياحي أو على تعزيز الترابط بين الشعبين المغربي و الصيني.
وعموما، ستكون الزيارة الملكية للصين محطة مركزية لعهد جديد من علاقات التعاون الاستراتيجي بين المغرب والصين.
p ما هي آفاق التعاون الاقتصادي والثقافي ما بين البلدين؟
n تتبوأ الصين اليوم دورا رياديا في بناء عقيدة التعاون جنوب-جنوب، انطلاقا من رصد جزء هام من توجهاتها الاقتصادية نحو دول افريقيا والشرق الأوسط ومحيطها الأسيوي أيضا.
فإذا كان الاقتصاد الصيني يحتل اليوم المرتبة الثانية عالميا، فإن القيادة الصينية الجديدة تتجه نحو تعزيز شراكاتها مع دول الجنوب، ليس فقط بدافع الربح واكتساح الأسواق كما يدعي المحللون الغربيون، ولكن إيمانا منها بأن مستقبلها وازدهارها الاقتصادي لا يمكن أن يتحقق إلا داخل نسيج مجموعة الجنوب .
داخل هذا السياق إذن، أظن أن اتجاه المغرب نحو تعزيز علاقاته مع الصين و دول أخرى من آسيا يأخذ معناه الجيوستراتيجي.
فرؤية العاهل المغربي الملك محمد السادس في إعادة هيكلة علاقات و شراكات المغرب و تنويعها ، تؤشر عليها كل الزيارات التي يقوم بها أخيرا، و خاصة الزيارة الراهنة إلى الصين. فقد ضخ جلالته نفسا جديدا و حيويا في الأداء الدبلوماسي المغربي، من خلال تحرير السياسة الخارجية المغربية من منظومة العلاقات التقليدية او البينية.
كما تؤشر عليها خطب جلالته على التوالي في شهر فبراير من عام 2014، خلال افتتاح المنتدى الاقتصادي المغربي الإيفواري بأبيدجان، حيث تظهر الملامح الأولى لعزم المغرب تجديد عقيدته الدبلوماسية ، حين يشير جلالته إلى أنه « نظرا للتحولات العميقة التي يشهدها العالم فقد أضحى من الضروري ملاءمة ، الآليات التي تنبني عليها هذه العلاقات والأبعاد التي تنطوي عليها وكذا الموقع الذي تحتله ضمن منظومة العلاقات الدولية، مع المعطيات الجديدة على أرض الواقع». ثم يدعو إفريقيا إلى الاستفادة من « كل الطاقات التي تزخر بها، دون أن تعيش في عزلة عن العالم. ومن هنا، فهي مدعوة لمضاعفة الشراكات المثمرة مع الدول المتقدمة التي تبدي اهتماما دائما ، والتزاما صادقا، وانخراطا ملموسا، من أجل الازدهار الاقتصادي لإفريقيا وتنميتها البشرية. كما يجب عليها أيضا أن تستفيد من الفرص التي يتيحها التعاون الثلاثي، كآلية مبتكرة، لتضافر الجهود والاستثمار الأمثل للإمكانات المتوفرة. وفي هذا الصدد، فإن المغرب، الذي كان رائدا في هذا النوع من التعاون، يعرب عن استعداده لجعل رصيد الثقة والمصداقية الذي يحظى به لدى شركائه، في خدمة أشقائه الأفارقة».
وبعد ذلك مباشرة، يجدد الملك محمد السادس أبعاد هذه النظرة المتجددة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر سبتمبر من نفس العام (2014)، حيث كان العنوان الأول لهذه العقيدة الجديدة هو رفض الوصفات الأحادية للتنمية مادام «تحقيق التنمية المستدامة، لا يتم بقرارات أو وصفات جاهزة. كما أنه ليس هناك نموذج واحد في هذا المجال، لأن لكل بلد» مساره الخاص، حسب تطوره التاريخي، ورصيده الحضاري، وما يتوفر عليه من طاقات بشرية، وموارد طبيعية، وحسب خصوصياته السياسية، وخياراته الاقتصادية، وما يواجهه من عراقيل وتحديات. فما ينطبق على الغرب، لا يجب أن يتم اعتماده كمعيار وحيد لتحديد نجاعة أي نموذج تنموي آخر. كما لا ينبغي المقارنة بين الدول، مهما تشابهت الظروف، أو الانتماء لنفس الفضاء الجغرافي».
ثم نجد، الدعوة إلى الإقرار بمسؤولية الغرب في المآسي التي خلفها الاستعمار الغربي بالقارة السمراء، حيث لم يتردد جلالته في الإقرار بأن الاستعمار خلف «أضرارا كبيرة، للدول التي كانت تخضع لحكمه.: و«عرقل مسار التنمية بها، لسنوات طويلة، واستغل خيراتها وطاقات أبنائها، وكرس تغييرا عميقا في عادات وثقافات شعوبها. كما رسخ أسباب التفرقة بين أبناء الشعب الواحد، وزرع أسباب النزاع والفتنة بين دول الجوار.»، إذ «رغم مرور العديد من السنوات، فإن الدول الاستعمارية، تتحمل مسؤولية تاريخية، في الأوضاع الصعبة، والمأساوية أحيانا، التي تعيشها بعض دول الجنوب وخاصة بإفريقيا.»
هذه في تقديري هي الملامح التمهيدية لتحول المغرب نحو تعديد شراكاته و تحالفاته. أما مع الصين، فإننا نجد في خطاب الملك محمد السادس خلال القمة الأخيرة لمنتدى التعاون الصيني الإفريقي بجوهانسبورغ في شهر ديسمبر من العام الماضي، مبادئ خارطة الطريق الجديدة لعلاقات المغرب مع الصين قوامها التعاون جنوب-جنوب، العلاقات التجارية المبنية على مبدأ الربح المتبادل « رابح-رابح» ، ثم البحث عن فرص استشرافية جديدة للتعاون الثلاثي بين المغرب و الصين و شركائه الأفارقة، سواء في الشق المتعلق بالمشاريع التنموية، أو في إطار العقيدة الجديدة للصين المبنية على منظومة طريق الحرير البحري الجديدة، و التي يتبوأ فيها المغرب موقعا مركزيا سواء من حيث هو رابط قاري ( إفريقيا- شرق أوسط-أوروبا)، أو من حيث هو مدخل أسياسي على الواجهة الأفرو-أطلسية.
و لكي تكتمل الصورة، نحيل أيضا إلى خطاب جلالته خلال القمة المغربية الخليجية بالرياض أيضا، إذ نفهم تحديدا أن المقاربة المغربية في تنويع شركائه ليست منحصرة في الشق الاقتصادي، بل هي استراتيجية وشاملة وتتناسب مع حاجة المغرب تجديد أدوات التعاطي مع التغيرات العالمية في شقها الاقتصادي والسياسي والأمني.
pوماذا عن جانب التعاون الثقافي والعلمي والجامعي بحكم اختصاصكم الاكاديمي؟
nعلى المستوى الثقافي و العلمي و الجامعي ، هناك بكل تأكيد مجهود متزايد يقوم به المغرب من أجل تعزيز الربط في هذا القطاع، لكنه غير كاف.
صحيح أن انتماءنا للنسيج العربي الإسلامي، يعطينا امتياز بناء مخيال جماعي، تؤسس له أقوال الرسول الكريم محمد بنعت الصين أرض طلب العلم، ثم تعطينا رحلة ابن بطوطة مشاعر الدفء والقرب الوجداني والاختزال للبعد الجغرافي.
لكن هيمنة النموذج التعليمي الفرنسي لمدة طويلة، وهيمنة الثقافة الغربية مفاهيم و صناعة و فاعلين على قنوات الضخ المعرفي، جعلتنا نختزل أسيا لعقود في ذلك الشيء الجميل، الرائع، لكن البعيد. ومع مرور الوقت، بدأ الجيل الثاني و الثالث لما بعد الاستقلال يبني روابط علمية وثقافية مع العالم الأسيوي، لتكتمل الجهود بفتح شعب اللغات الاسيوية بالجامعات المغربية، سواء تعلق الأمر بالصينية عبر معهد كونفوشيوس الذي أعد حوالي 1500 طالب بمستويات مختلفة، ثم اليابانية و الكورية. ناهيك عن حوالي 50 خريجا من جامعات هذه الدول الثلاث، من ضمنهم حوالي 12 متخصصا في العلوم الاجتماعية و السياسية و الأدبية. و على الرغم من أن النصاب غير كاف للحديث عن تكافؤ في فرص التبادل الثقافي، إلا أن الاتفاقيات التي توقعها جامعاتنا، و كذا اتفاقية الترجمة و التبادل الثقافي و الإبداعي التي وقعتها وزارة الثقافة المغربية مع نظيرتها الصينية مؤشرات على أن الجهود تتواصل.
و الدليل أنه وفق معرفتي الشخصية، هناك حوالي 12 باحثا يحضرون اليوم أطروحات دكتوراه حول آسيا، من بينهم 6 حول الصين. و لتعزيز المجهود، أقدمنا على تأسيس الجمعية المغربية للدراسات الأسيوية عام 2005، ثم المركز الإفريقي للدراسات الاسيوية. و يقوم باحثون و جامعيون مغاربة داخل هاتين الفعاليتين بأدوار مهمة في تأطير المعرفة العالمة و الديداكتيكية بالعالم الأسيوي. إلا أنها تبقى غير كافية.
اليوم ،لعل ما نحتاجه و بإلحاح ،هو إنشاء مركز وطني للدراسات الأسيوية، يتولى المتابعة و التخطيط والتحليل، و يضخ خبراته لصالح آليات صنع القرار السياسي والاقتصادي، كما يدعم الجهود العلمية والثقافية المنوطة بمؤسسات التكوين و التنشيط الثقافي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.