ثريا الحضراوي فنانة ومناضلة مغربية من مواليد سنة 1957 بالدار البيضاء، بدأت مشوارها الفني في منتصف السبعينيات وهي طالبة في الجامعة. كانت تدرس الفلسفة وتؤدي أغاني ملتزمة سياسيا في ذلك الوقت، وفي منتصف الثمانينيات حولت اهتمامها إلى كل ما هو تراثي و روحي..، حيث أعادت تسجيل جل الدرر في فن الملحون و الطرب الأندلسي بشكل جديد ومتميز . أثرت ثريا الحضراوي منذ 1991 المكتبة الموسيقية بمجموعة من الألبومات في فنّ الملحون الذي كان مقتصرا على الرجال، ويعتبر ألبومها «الشمعة» أول ألبوم لفن الملحون بصوت نسائي . تعاملت ثريا الحضراوي مع فنانين عالميين كالملحن الهولندي كوري فان بينسبرغين وعازف البيانو الروسي سيمون ناباتوف والفرنسي لويس سلافيس وموسيقيين من غينيا وإسبانيا وكوبا. كما أدخلت بعض التغيير على الشكل التقليدي للطرب الأندلسي على مستوى العزف والغناء . حول تجربة الفنانة وواقع فن الملحون اليوم، أجرت»الاتحاد الاشتراكي» الحوار التالي، وذلك على هامش استضافتها من طرف ملتقى الثقافات والفنون بالمحمدية. p كيف بدأت مسيرتك كعاشقة لفن الملحون؟ n بدأت انطلاقة انشغالي واشتغالي بفن الملحون سنة 1989، و لكن بدأت مسيرتي في أواخر السبعينيات بعد فترة سن المراهقة التي كنت متشبعة فيها بكل ما هو مغربي وعربي من قبيل أغاني أم كلثوم. واستمرت هذه العلاقة بأغانيها إلى أن حصلت على شهادة الباكلوريا والتحقت بكلية الآداب، حيث اكتشفت حينها أنواعا غنائية أخرى، مثل أغاني الشيخ إمام وغيره من الفنانين الملتزمين آنذاك . بعد ذلك اكتشفت فن الملحون وبدأت في تأديته، حيث أحسست بأنه يعبر عني، ويجسد جزءا من تراثنا الموسيقي.. وأن هذا التراث يحيا معي.. و قد خلق ذلك علاقة حميمية بيني و بينه. وقد أصبح الملحون منذ ذلك الوقت تجربة جميلة بالنسبة لي، ومن أجمل اللحظات التي عشتها في حياتي . p هل شكل لك الغناء مشكل مع العائلة؟ n بدأ المشكل عندما كنت أدرس في الثانوي، فعائلتي لم ترد أن أغني. فالفتاة المغربية آنذاك من الصعب أن تتعاطى للغناء والفن بصفة عامة، باعتبار أنهم ينظرون إلى الفن بطريقة سلبية . و لكن عندما تخرجت من الجامعة عرفت كيف أدافع عن نفسي و أختار توجهي .. p هل فن الملحون اليوم لازال لديه مكانة ؟ n دائما الملحون سيبقى له مكانة، باعتبار أن له جمهوره الخاص مثل الموسيقى الكلاسيكية في أوروبا، و المسرح الإغريقي القديم.. مع العلم أن هذا الأخير ظهر في القرن السادس قبل الميلاد، مثلما هو الحال للشعر الجاهلي وغيره من الإبداعات.. لذلك علينا نبذل الجهد للحفاظ على هذا التراث الغني، وعلى تحفيز الجمهور لسماعه.. وتعلمه بطريقة علمية وعصرية، لأنه مرآة لنا و يشكل جزءا من ثقافة هذا البلد، وإذا تمكنا من ذلك فلا خوف على الملحون إطلاقا، أما في ظل التعليم المتبع اليوم، فهناك فعلا خوف عليه، ليس من التحولات التي تشهدها الساحة الغنائية اليوم، لأن الشيء القوي يصمد أمام التحولات، وإنما من كيفية التعليم .. p هل شباب اليوم ينصت للملحون؟ n أصبحت وسائل الإعلام هي التي تشكل ذوق الشباب اليوم، تعلق الأمر بالإذاعة أو التلفزيون ... فهاته الوسائل هي التي تفرض ذوقا معينا على الجمهور.. و معى ذلك لا أقول إن الشباب لم يعد يعجبه الملحون، ولكن أجزم أنه إذا أتيحت له الفرصة لسماع الملحون أو الأندلسي بقواعده الصحيحة، كن متأكدا أنه سينال الإعجاب . p لماذا طال غيابك عن الجمهور؟ n لم أغب عن الجمهور، ولكن الساحة الفنية تفتقد لمهتمين بتنظيم لقاءات تجمع الفنان بالجمهور، كما أنه ليست لدينا إمكانيات للقاء الجمهور بشكل دائم. المهرجانات تستضيف بعض الفنانين، والبعض يظل حبيس الكواليس . أنا لست غائبة عن الجمهور، أعتبر نفسي حاضرة وموجودة، من خلال حفلاتي في أوروبا، أنا دائمة الحضور هناك، ويحز في نفسي أن يعانق الفنان الجمهور خارج الوطن ويلقى إقبالا هناك، في حين يبقى غريبا في وطنه . p تقدمين حفلات في العديد من دول العالم، ولم يسبق لك ذلك في دولة عربية، علما أن لونك الغنائي يفترض أن يحظى بالتقدير عربيا أكثر من أي دول أخرى؟ n ببساطة أنه لا تتم دعوتي للغناء للجمهور العربي، وأعتقد أن الغناء في العالم العربي ربما له شروط ومواصفات معينة، أنا لا أتجاوب معها بالمرة، وفي العالم العربي ليس الفن فقط هو المحدد للاختيارات هناك أشياء أخرى ..