--- إذا قمنا ولو بمسح خاطف لمنجزات عمل الحكومة نصف الملتحية قبل نهاية ولايتها الحالية وما يتعلق منها خصوصا بتدابير سياسية حاولت تنزيلها بأساليبها المراوغة (التقية) الحذرة، طمعا في تحسين أوضاع المرأة كما تتصورها، فسنستغرب من الوهلة الأولى ونُفاجأ (إذ لم يسبق لنا سلفا أن تابعنا هذا المنجز عن قرب) أن النتيجة لم تكن فقط هزيلة وعجفاء، بل فيها من تعنت الممانعة أكثر من نفاذ البصيرة. الحكومة الملتحية ممثلة في وزارة الأسرة وبشراكة مع وزارة العدل أخرجت للعموم ، مدة هذه ، مشروع قانون متعلق بالعنف ضد النساء (يعرض حاليا ، هذا الأسبوع الجاري ، أمام البرلمان ) يتضمن مقتضيات زجرية وعقوبات سالبة للحرية مشحونة بمطالب جَزائية مَسْعورة، لم نعد نحتاج فيها حتى لإلباس الضنين تهمة التحرش الجنسي، أو أن يصدر منه عنف صارخ، أو يلقي بتهديد ما مع إكراه بدني فاضح، بل يكفي حسب ديباجة نظرة الوزيرة المحجبة أن مجرد التلفظ بأقوال توحي للسامع بخيالات جنسية صرفة، فيتم الإجهاز عليك بأقصى العقوبات ، هكذا !!!. وسيتبعه في السنة الموالية، ظهور مفاجئ على صفحات أحد أعداد جريدة الدولة الرسمية لمرسوم يتضمن قانونا جديدا يحتوي تعديلات خاصة بقانون الاتصال السمعي البصري ، يحمل إضافات غير مسبوقة في لائحة الإشهارات الممنوعة في وسائل الإعلام ، سيبرز من بين مقتضيات هذا التعديل ، واحد يهم خصيصا صورة المرأة في الإشهار ، جاء فيه مايلي "الاشهار الذي يتضمن إساءة للمرأة أو ينطوي على رسالة من طبيعتها (ماذا؟) بث صور نمطية سلبية أو تكرس دونيتها أو تدعو إلى التمييز بسبب جنسها " إن جملة "صور نمطية سلبية" تبدو ملغومة ومبهمة وملتبسة ومفتوحة على التأويلات أكثر مما يلزم، وهذا طبعا، يتماشى مع الرؤية المحافظة لوزير الاتصال الناطق باسم حكومة بنكيران عند تقديمه لمشروع القانون. ولو فتحنا معقوفتين وطرحنا على وزير الاتصال مجرد سؤال بسيط على هذه الشاكلة: هل، مثلا، صورة بلل شفتي فتاة تقضم حبة فراولة ، وحمرة لثة أسنانها الناصعة واضحة، مع ما تعكسه عيونها المغمضة من لذة الإحساس بالتذوق، سيعتبر صورة نمطية منحطة تخدش كرامة المرأة وتوظف معالم وجهها غصبا عنها لخدمة الإثارة؟ وبالتالي تعتبر ممنوعة من الإشهار؟! إن كان الجواب بأجل، فهو عين الطهرانية في أمقت صورها. ثم هناك النقاش الذي أُثير حول مصادقة الدولة على البروتوكول الاختياري لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، الذي انتُقد بشدة وهُوجم في بعض بنوده من طرف بعض برلمانييهم البارزين، إذ اعتبرت (البنود) وقتها أنها تتعارض شكلا ومضمونا مع مقتضيات الشريعة الإسلامية. مع أن الاتفاقية كونية وصريحة في فحواها وما جاء في فقراتها أكد بدون مواربة على وجوب اتخاذ جميع التدابير المناسبة، بما في ذلك التشريعية منها، لتغيير أو إبطال القائم من القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات التي تشكل تمييزاً ضد المرأة كيف ما كان مصدرها السامي فقاموا بحملة إعلامية معتبرين أن الخطوة المتقدمة التي قامت بها الدولة المغربية (بعدما عانت من عملية نزع عراقيل داخلية كثيرة ، كان من وراء طرق مساميرها، أصحاب تلك النزعة الرجعية المحافظين جدا والرابضين داخل قلاع الإدارة العامة) ليست إلا ارتهانا لأجندة السياسة الغربية التي تفرضها البرامج الدولية المعولمة ، الراغبة في نسف هويتنا الدينية (هكذا) وتركيعنا أمام ضغوط المنتظم الدولي ومتطلبات منظومة حقوقه، التي لا تشكل إلا مدونة من الحقوق السالبة لمقومات ثقافتنا المقدسة وثوابتها ، والغازية لأدبيات فقهنا الصامد ، والمنتهكة لحرمات أمننا الروحي !! ولكي يفوا بوعدهم ويقدمون لنا البديل، هرعوا يهللون، ويذكروننا بعبقرية الفتح الطاهر المبين القائم في فكرة استسقاء صدقات موارد الخزينة على وليات الموتى المساكين! ووجدوا أن أفضل التدخلات الإجرائية للالتفات نحو معاناة المرأة حدث في تلك المقاربة الإحسانية "البنكيرانية" المتأخرة التي تُخفي في طياتها طبعا هواجس أخرى على رأسها هاجس كيفية تحريك منصة التعبئة السياسية على الدوام، مع ما يستوجبه هذا من بهرجات وتسبيقات مد يد العون للخزان الانتخابي النسائي المكون من الأرامل والمطلقات الأكثر تضررا من وضعية الإقصاء والعزل والتهميش، فسجلوها بماء من ذهب في لائحة المنجزات الكبرى جاعلين منها تفاعلا ملموسا وحقيقيا مع قضية المرأة، وبوؤوها مكانة اعتبارية بصفتها منجزا حقيقيا وجديا يقدر المشاكل التي تعاني منها النساء المغربيات المهمشات والبعيدات عن أشغال تلك المناضلات الأخريات اللواتي يظهرن في نظرهم غير المتسامح : متعاليات ومقتصرات في عملهن المدني على أولويات نمطية مستهلكة ، لاتفعل إلا أنها تناصر وتنحاز فقط لمنظومة ثقافة الآخر ، ثقافة الحقوق الغربية !! ؛ ومحسوبات على دوائر نخب حقوقية نسوية يشكلن ( دوما في نظرهم غير الكريم) ناشطات مستلبات غافلات ، لا يتكفلن حتى بمن هن أدنى اجتماعيا ؛ خاصة تلك النسوة الأميات الغارقات لاإراديا في مأزق الإقصاء الأسري والفقر !!. فمن المعلوم أن تحامل من هذا الصنف على نشاط الحراك النسوي الحقوقي المستقل، يوشك أن يكون افتراء وأنه غير صحيح بتاتا، فاستهداف الحكومة الملتحية للنساء المطلقات والأرامل والتصدق عليهن ببضعة آلاف من الدراهم من مال الخزينة صار يعتبر في نظرهم تصورا غير مسبوق في تدبير شؤون المرأة والنهوض بأوضاعها، بل أكثر من هذا فهي في تقديرهم مقاربة مقاصدية إسلامية ثورية تنطلق من هموم نساء الواقع المغربي الهش وتساهم في العناية بهن والإحسان إليهن.. ماذا علي أن أضيف إلى كل هذا المنجز العظيم؟ فعلا هزلت حتى بان عظمها. وامعتصمااااااه!