و أنا أتصفح أحد المواقع الاجتماعية، وقع نظري على صورة قديمة مأخوذة لمدينة خريبكة من الجو، تَظهر فيها الغابة التي تبخّرت أمام زحف الإسمنت المدفوع بالجشع، تحسّرتُ و تساءلتُ، لماذا لم يصبّوا أسمنتهم و جام جشعهم في مكان آخر بعيدا عن غابتنا ؟ و أين كنا عندما كانوا يعدمون الشجرة تلو الأخرى ؟ لم يُترك للمدينة شيء، مدينتنا فقيرة يتيمة لم ترث شيئا، و مخطئ من يعتقد أن خريبكة لديها المجمع الشريف للفوسفاط، لأن الصحيح هو العكس، المجمع الشريف للفوسفاط يحتكر أهم المرافق بالمدينة و يملك داخل المجال الحضري أكثر بكثير مما تملكه بلدية خريبكة. مدينتنا ليس لها إلا (تيران العقرب) و العملة الصعبة التي دأب المغتربون على تحويلها، المغتربون الذين فروا منها مضطرين تحت جنح الظلام. كلما نظرت بتمعن إلى حال المدينة، أصاب بالغثيان وأحس بالدوار ، كلما استرجعت مسارات إنجاز بعض المشاريع المشيدة بخريبكة في العشرين سنة الأخيرة، ينتابني الشك بأننا نعيش خارج تأثير الزمن في هذه المدينة المغبونة. فمثلا مشروع بناء القاعة المغطاة (مولاي يوسف)، القاعة التي أصبحت معلمة تاريخية قبل أن تُفتتح، و استغرقت منذ وضع حجر الأساس إلى الافتتاح أكثر من خمس عشرة سنة، و قنطرة (أسا) التي تطلب تشييدها مدة تكفي لبناء صور الصين العظيم، المركب السكني (الفردوس) الذي التفت حوله طموحات بعض «الانتهازيين» و أخرجته للوجود مُسخاً مُشوّهاً، ودادية (جار الخير) بالأمس و اليوم تجزئة (الزيتونة 4)، دون أن ننسى الحديث عن ساعة خريبكة المتوقفة دائماً غير آسفة على الوقت، لأنها تعلم حتماً أننا لسنا في العاصمة الدانمركية كوبنهاكن، حيث الساعة العملاقة التي تدق كل ربع ساعة لتذكر البشر أن وقتاً ثميناً قد ولى. برنامج OCP Skills الذي اعتقد فيه الشباب الخريبكي خيراً، قبل أن يخيب أمله بعد تدخل «الأيادي السوداء « ، ليتم التحفظ في النهاية على لائحة المستفيدين من مناصب الشغل، و يتم إقبار البرنامج برمته، ليُستبدل بتقليعة جديدة اسمها (مركز خريبكة سكيلز)، المركز الذي استهلك وقتا ثميناَ و موارد مادية و لوجستيكية و بشرية ضخمة في مسار دعم المقاولات، و النتيجة بضع مقاولات في غرف الإنعاش و أخرى في قاعات الانتظار بسبب البرامج المستوردة من ((مانهاتن))، و التي لا تصلح قطعا للعمل بتوقيت غرينتش، فلا جدوى من البرامج المتطورة المستوردة في ظل غياب أي احترام للوقت و أي التزام بالمواعيد. لا شيء يزعجني في هذه المدينة أكثر من قطارات الفوسفاط، التي لا تكاد تمر عليها سنة دون أن تأخذ واحداً منا إلى الدار الآخرة، بسبب ممرات الموت التي يضطر الخريبكيون لاجتيازها يوميا، هذه الممرات المتروكة بدون حراسة رغم الحركة الكثيفة للقطارات التي لا تكل و لا تمل و لا ترحم، مع العلم أن قطارات الفوسفاط هي الكائنات الوحيدة التي تحترم الوقت في هذه المدينة ، فهي لا تخلف موعدا و لا تحتمل التأخير أبداً.