تعد أشجار الطلح أو كما يسمى محليا ب»السدرة»أو «الذهب الأخضر»، ثروة إيكولوجية ذات أهمية سوسيو-اقتصادية بالمنطقة، يتعين المحافظة عليها وحمايتها من مظاهر الاستغلال المفرط من قبل الإنسان والحيوان على حد سواء. وتتعرض هذه الثروة الطبيعية في الأقاليم الجنوبية للمملكة للاجتثاث والقطع من طرف الإنسان لتلبية حاجياته من الحطب وتحويله إلى فحم وكذا للضغط الرعوي العشوائي الذي يضع حدا لنمو الشجيرات ويحول دون إنبات البذور. وحسب المديرية الجهوية للمياه والغابات للجنوب فإن هذه الشجرة تغطي على مستوى الجهات الجنوبية الثلاث للمملكة مساحة تقدر بأزيد مليون و28 ألفا و 300 هكتار، وذلك بمعدل يفوق 80 شجرة في الهكتار الواحد، موزعة على 434 ألفا و300 هكتار بجهتي كلميم-واد نون والعيون-الساقية الحمراء و594 ألف هكتار بجهة الداخلة- وادي الذهب. ومن مميزات شجرة الطلح، التي تنتمي إلى الطبقة البيو-مناخية الجافة والصحراوية مع درجة حرارة معتدلة إلى حارة، كونها مرشدا للإنسان الذي يعيش في البيئة الصحراوية في تحديد الاتجاهات الجغرافية، حيث أن هذه الشجرة تكون في غالب الأحيان منحنية نحو الوجهة الجنوبية ولذلك يعتمد عليها في تحديد باقي الاتجاهات. وتعتبر هذه الشجرة عاملا أساسيا، ضمن العوامل المساعدة في المجال الصحراوي، في محاربة التصحر والمساهمة في التوازن الإيكولوجي في الوسط المناخي الجاف وذلك بالنظر إلى ما تتميز به من خصائص، حيث تكتسي أهمية بالغة في الغطاء النباتي والغابوي بهذه الأوساط. ومن بين مميزات هذه الشجرة توفرها على جذور تغوص في الأرض إلى عمق قد يصل إلى 40 مترا مما يساعدها على مقاومة الجفاف وتصدي أغصانها ذات الأشواك الطويلة والصلبة للرياح القوية لتساهم بذلك في الحد من زحف الرمال. وتساهم هذه الشجرة، التي تنتمي إلى فصيلة القرنيات وتتوفر على وريقات دائمة الاخضرار، والتي يمكن أن تعمر لأكثر من 100 سنة، في الحد من تبخر المياه والتأقلم مع الظروف المناخية الجافة وشبه الجافة. كما تساهم شجرة الطلح، التي يتراوح طولها ما بين 2 و 4 أمتار، في توفير الظل والكلأ للماشية والمراعي للنحل كما تستعملها الحيوانات البرية كمأوى وملجأ للتكاثر، وتستغلها بعض الطيور في إقامة أوكارها. وتزود هذه الشجرة، التي تنتشر في السهوب الصحراوية، وتنمو على تربة غرينية رملية، السكان المحليين بحاجياتهم من الحطب وتستعمل قشور جذوعها في دباغة الجلود، كما تشكل أوراقها وثمارها التي تبدو على شكل قرن ممددة أو مسطحة وكذا بذرتها ذات اللون البني مصدرا لاستعمالات طبية تقليدية محلية. وفي هذا السياق، أوضح الباحث في التراث الشعبي الصحراوي، ابراهيم الحيسن، أن لأشجار الطلح فوائد كثيرة بالأقاليم الجنوبية حيث تستخدمها الساكنة المحلية في المجال الصحي كمداواة بعض الأمراض أبرزها «أكندي»وهو مرض يتولد عن الإفراط في تناول مواد حامضة أو مملحة وكذا بعض الأمراض المرتبطة بالجهاز الهضمي «أمراض الجوف». وأضاف، ، أن قشور هذه الشجرة وثمارها التي تدعى محليا ب»الخروب»تستعمل لذات الغاية وأن إفرازاتها التي تسمى ب»العلك»يستعمله السكان المحليون في تحضير الشاي الصحراوي. من جهة أخرى، اتخذت المديرية الجهوية للمياه والغابات ومحاربة التصحر للجنوب عدة إجراءات لإعادة الاعتبار لهذا النوع الايكولوجي الهش من بينها، على الخصوص، تجديد 5400 هكتار من غابة الطلح و460 هكتار من غابة الأركان منذ سنة 2005 ومحاربة زحف الرمال من خلال تثبيت الكثبان الرملية على مساحة 700 هكتار وخلق أحزمة خضراء حول المدن الكبرى والتجمعات السكنية على مساحة 974 هكتارا فضلا عن إنجاز مشاريع تروم تثمين التنوع البيولوجي والمحافظة عليه وخلق فضاءات للترفيه والاستجمام. وفي إطار انخراط المجتمع المدني في الحفاظ على البيئة والاهتمام بالثروة الطبيعية وحمايتها من الاستغلال الجائر والمفرط بتنسيق مع القطاع الوصي، جعلت جمعية الطلح للماء والبيئة بالعيون التي أحدثت سنة 2005 كإحدى الجمعيات المهتمة بهذا المجال، من بين أهدافها القيام بأنشطة تحسيسية لحماية شجرة الطلح وكذا تنظيم رحلات وندوات علمية للتوعية بأهمية هذا الموروث الطبيعي. وتبقى برامج التوعية والتحسيس ومحاربة الاستغلال العشوائي لشجرة الطلح إلى جانب تكثيف عمليات الغرس وتعزيز البحث العلمي حول مزاياها وفوائدها خصوصا في مجال الطب الشعبي الصحراوي أمرا ملحا من أجل ضمان بقائها والحفاظ عليها، كونها تمثل شكلا من أشكال التلاؤم والتأقلم مع المعطيات الإيكولوجية الصعبة للمناطق الصحراوية وأداة فعالة لمحاربة التصحر وإعادة الحياة الطبيعية في الأوساط الصحراوية.