قال الكاتب والروائي محمد برادة إن صيغة عنوان ندوة «الإبداع والتنوير: ماذا يستطيع الأدب الآن؟»، التي نظمها فرع اتحاد كتاب المغرب تمارة - الصخيرات الخميس الماضي، لا تخلو من التباس مشيرا إلى أن أطراف الموضوع بقدر ما هي مختلفة فهي متكاملة أيضا. وأبرز محمد برادة ، في عرضه خلال المائدة الثانية من الندوة التي أدارها الأستاذ والباحث محمد الداهي، عضو اتحاد كتاب المغرب ، أهمية الرواية في حل المشكلات التي يعيشها العالم العربي اليوم والنظرة إليها بشكل مغاير. وقال برادة إن السؤال الذي عشناه أول مرة مع جون بول سارتر سنة 1945 لم ينته إلى التأكيد على أن الأدب والإبداع يمكن أن يكونا علاجا لأزمة مادية ملموسة.. وكأن المطلوب من الأدب والإبداع ومن الرواية أن يتولوا حل كل المشكلات والأزمات التي تعيشها المجتمعات العربية أو بتعبير أدق الفضاء العربي.. وشدد محمد برادة على رمزية المفهوم وتطوره في المغرب تدريجيا، مشيرا إلى الأدب الذي ينتمي إلى مجال الرمزيات، له زمنه السري المخالف للزمن التاريخي العام، مضيفا لا يمكن أن يعيش تاريخ الفن والادب بنفس المقياس للتاريخ العام، لكل فن طريقة تعبيره ولكل مساره الخاص. و أشار إلى أن الرواية العربية في الستينيات استطاعت ان تستقيل عن الايديولوجيات المهيمنة لتلتفت إلى الواقع المتدهور و إلى الانفصام والخراب، وابتعدت عن الخطابات والايديولوجيات السائدة، لتتوجه نحو النبش في أعماق النفس ودهاليز المجتمع من منطلق مغاير، منطلق الحرية والإبداع. وأوضح الكاتب والروائي أن إمكانات الشكل الروائي المتعددة المستوعبة لكل أشكال التعبير هي التي تتيح للروائي في حقبة التداعي والانحدار أن يتوغل من أجل استنطاق المسكوت عنه والأزمة والإلمام بكل مشاهد الحياة في عمل تجلياتها، وطرح الاسئلة في شموليتها دون حذف، مضيفا أنه بعد مرحلة صدارة الشعر اضطلعت الرواية منذ مطلع القرن الماضي بتحرير الكلام المحبوس في الخناجر، وأصبحت أداة لممارسة حرية الفرد أساسا الذي يطمح إلى استكمال مواطنته. وأوضح أن نخبة الجامعيين في سنوات الستينيات والسبعينيات ساهمت في زحزحة هذا المفهوم للأدب وتطور تدريجيا في المغرب يطلب حريته ليصبح أكثر فعالية، ورد فشل تجربة النهضة أو النهوض العربي المتكررة لعدم التوفر على طبقة لها بعض من الالتحام يمكن أن تعانق قيم الانوار وتعمل على إخراجها الى الوجود. وقال برادة إن مسألة المثافقة ضرورية قبل أن نصل إلى التأصيل، مشيرا إلى التجربة العربية في مجال الرواية مرحلة ارتبطت في تطورها بتطور الانتاجات الادبية. واعتبر برادة أن التجربة العربية عاشت مرحلتين، محطة يمكن أن تسمى بمرحلة المستوحى للمتخيل مرتبطة بفترة الاستعمار، ومرحلة المتخيل الحداثي وما بعد الحداثي وهي مرحلة ما بعد الاستقلال.، مشيرا في سياق الحديث عن المرحلتين إلى ما عاشه ويعيشه العالم العربي من تحولات سواء بعد هزيمة 1967 وما حدث من انفصام لرباط الوطنية ووعي التحرر. أما عبد الله ساعف فقد توقف عند الارتباط القوي بين «الإبداع والتنوير»، مؤكدا على العلاقة الجدلية والتجديد المتبادل. وكعادته استنطق الاستاذ والباحث عبد الله ساعف عنوان «الندوة والابداع والتنوير: ماذا يستطيع الادب؟» من خلال مجموعة من الاسئلة قدمها في أفق بحث أجوبة جماعية عليها، محاولا أن يقارب حدود التماس بين الإبداع كإمكانية للخلق بشروط الحرية والمعرفة والمجتمع، متسائلاعن مستوى القدرة الابداعية في المجمع المغربي؟، وماهي إمكانية المجتمع المغربي في الخلق والإبداع؟ وأيضا عن مدى قدرته في تشغيل وتجربة المخيال. وتوقف عبد لله ساعف في مقاربته للعلاقة بين الابداع في كل تجلياته والفكر السياسي على ذلك الانفتاح المتبادل على كل صيغ التعبير، مما قد يمكن من إغناء الانتاجات في مجال علوم السياسة التي محكوم عليها بالانفتاح على مجالات معرفية أخرى، موضحا أن تعدد التخصصات والانفتاح عليها مصدر غنى للفكر السياسي خاصة أن المادة السياسية من الصعب تحديد هويتها، ولهذا، يضيف، لابد من الانفتاح على التاريخ وعلم الاجتماع. وأ شار ساعف إلى التعبير السياسي في علاقته مع التعبير الأدبي، محاولا الغوص في فهم أعمق لطبيعة نصوص سياسة تلبس لبوس الأدب والعكس وحدود التماس بينهما، سواء على مستوى الشكل أو المضمون. وتطلع الاستاذ إلى أن يتمكن سواء الباحث في مجال الفكر السياسي، أو المبدع الروائي من إبداع نص جامع لكل مشارب المعرفة والاجناس ويكون متكاملا وقويا يقدم مضمونا سياسيا واعيا بشكل روائي أدبي يتمكن من سبر أغوار المجتمع، وتفكيك تجلياته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية في استلهام كبير لأدوات العلوم الاجتماعية و السياسية. ومن جانبه ختم الباحث والكاتب سعيد بنسعيد العلوي الجلسة الثانية بجملة من الأفكار راودته وهو يحاول أن يجيب عن أسئلة أنور المرتجي، قدمها في شكل خواطر قاربت تارة الابداع وتارة أخرى التنوير، وتساءلت في كثير من الاحيان عن ماذا يستطيع الادب الآن؟. وقدم بنسعيد العلوي جملة من الخواطر فضل أن تتخذ صبغة خاصة وهو يتحدث عن الرواية كفن ابداعي، حملت جملة من التأملات بعنوان «جاذبية الرواية»، واختار الكاتب والروائي ألا يتحدث عن «الابداع والتنوير» كموضوع للندوة، من زاوية خاصة لا تخلو من إبداع جمعت التساؤلات و تحملت عبء الابحار في عوالم الفكر من أجل إيجاد أسئلة شافية بعيدا عن الحديث عن تجربته الابداعية في الرواية، مشيرا الى أنه «مبتدئ في خريف العمر». وسبقت مشاركة كل من الكاتب والروائي محمد برادة والكاتب والباحث عبد الله ساعف و الباحث والروائي سعيد بنسعيد العلوي في هذه اللمة الفكرية والإبداعية بامتياز، مائدة مستديرة أولى أدارها أنور مرتجي، عضو اتحاد كتاب المغرب فرع الصخيراتتمارة شارك فيها الكاتب والروائي مبارك ربيع و الباحث والروائي عثمان أشقرا، والكاتب والباحث حسن أوريد عرضنا لأطوارها في عدد أمس.