والنجم الثاقب. والشعب الغاضب. على المصير الهارب. والحاضر الغائب.. إنا نراهم، قريبا، يفرّون في كل قارَب. تُحرق صُحفهم وتنطفئُ نعرتهم وتنفُق بضاعتهم .. وهم من العابرين. أما نحن البسطاء فلنا ربنا رب العالمين. أيها المهرجون المترفون لفترة عابرة. في طريق الوحل: تدلت أقنعتكم وشاخت. لم نولد لنكون عبيد تصاريف الظلام والصمت القاتل .. موت واحد لنا لا يكفينا ولا يكفيكم، فاقتلونا دفعة واحدة لتنتهي المهزلة، ثم فوِّتوا ترابنا وهواءَنا وماءَنا وما تبقّى من كلامنا واحتجاجنا الناطق والصامت إلى العلوج والخليج، إلى الوندال والرومان والفينيقيين والأمريكان. ولا تنسوا الهيئات السرية في كل مكان!. كان عليَّ أن أفهمَ أن هذه الأرض التي استباحها اللاهون في جلود الزاهدين، لا مكان فيها للناس الطيبين. الزمن، زمننا المُهرب في نِعال العبيد. زمننا الذي كنّا نعرف بدايته ونوزع عَدلا وقِسطاسا على وقته الجميل أرواحنا وفرحنا.. أما الآن فلا نحيا إلا في زمن لقيط، خشن تنمو على حوّافه كل أنواع الاكتئاب واليأس والارتياب. هل كان ضروريا أن تكونوا ! !. أن تكونوا تَتَرا لتجعلوا منا الضحية. أن تكونوا حاكمين لتبيحوا دمنا في النهار وسائر الأيام.. وتقولوا أنكم في غير حاجة لأحلامنا ورؤانا وأصواتنا ولكنكم تريدون شعبا من العبيد التقنيين لتبيعوا جهدهم للمال الأجنبي ! هل كان من الضروري أن نُصدق المهرج وهو يحكي ويبكي، يعبس ويرقص !. هل كان علينا تصديق تكرار نفس الكذبة لتقتصوا من دمنا ودمعنا ونورنا وحبنا،ثم تتركونا جيفة بالية لغدٍ ملوّث. ألم تدركوا بأنه لا للمعجزات على حافة الغروب. وأن مصيركم مثل غيركم.. الهروب والهروب. أطلقوا علينا كل الذخيرة ولن تخسروا شيئا... فأجسادنا عطشى للحياة برصاصكم.. ورؤوسنا الصلبة جاهزة لتقطعوها وتقدموها لكبار الضيوف في صحن من الفضة الخالصة. اقتلونا من اليسار إلى اليسار، حتى تصمُت الأصوات ويعُمّ الرخاء عليكم .. وتعيشوا في زهدكم الفاجر. اقتلونا دفعة واحدة لنرثيكم الرثاء الأبدي. واحذروا بعد قتلنا أن تحفروا الآبار فتجدوا غاز أنفاسنا يطلع حارّا لا ينقطع. اقتلونا أو نقتلكم. اخرجوا من كل السطور أيها الضحايا، من الكلمات المتخفية في أقنعة البكاء السري من الظلام الثقيل والطويل الملفوف في كوابيس مستسلمة للفقدان. اخرجوا وارحلوا من حياتنا ومن موتنا. اخرجوا من مساحاتنا التي طهّرها الشهداء. اتركوا نور لله حرا.. لا تقيدوه بظلامكم ، فقد تُبنا ولن نصدقكم. لقد تُبنا والله تُبنا. لسنا زبدا لتجرفونا. نحن البحر مدّا وجزرا، ونعشق البر برا. هل علينا أن نُنصتَ لصوت الأرض يقول لكم: «لقد اخترعتم السم ليكون دواءً، والعجز أسميتموه قوة، والهزيمة أسميتموها انتصارا». والزمن ! سرقتم زمننا كله ووضعتم قناعكم. سرقتم منا الفجر والصبح والظهيرة وكل العصر .. ولم تتركوا لنا سوى غروبا قاسيا في نفق طويل. وأنا أيها المولى واحد من التائبين، على بابك واقفين. وحدي أسبح ميم غين راء باء. على بابك زاهد من الزاهدين.