صفقات مشبوهة و اختلالات كبرى و عشوائية تسببت في إهدار الملايير من المال العام مع ضعف مخيف في خدمة المواطن ، هكذا لخص إبراهيم مومن الكاتب الجهوي للنقابة الوطنية للصحة (فدش) ، وضعية المركز الاستشفائي الجامعي بمراكش ، في ندوة صحفية أقامتها يوم الخميس 24 مارس 2016 النقابة المذكورة ، في موضوع « الواقع الصحي تحت المجهر « إبراهيم مومن أكد في بداية حديثه أمام الصحافة ، أن النقابة بادرت إلى عقد هذا اللقاء ، إثر تنامي محاولات الإدارة تقديم صورة وردية عن المؤسسة الاستشفائية الجامعية بالمدينة الحمراء ، مخالفة للواقع المزري الذي تعيشه ، و الذي يعرفه حق المعرفة المواطن البسيط الذي يقصدها طلبا لخدمات الاستشفاء ، فيُصدم بحقيقة ما يجري داخلها من رداءة في الجودة و اكتظاظ و إهمال و نقص حاد في مستلزمات العلاج و طول مدة الانتظار التي تتجاوز ستة أشهر . وقال إبراهيم مومن « هذه الاختلالات تعبر عن نفسها بشكل مباشر في مستوى جودة الخدمات التي تقدمها للمواطن أكبر مؤسسة استشفائية في الجنوب بكامله ؛ فالمواطنون البسطاء محرومون من العلاجات ، و قسم المستعجلات أصبح مصلحة حرب بحكم الاكتظاظ الكبير ، و البحث عن سرير بالمستشفى للقيام بعملية جراحية يتطلب الانتظار على الأقل ستة أشهر إذا كان المريض محظوظا ، حتى أصبحنا نسمي ذلك برحلة الشتاء و الصيف ، يُنهك فيها المريض بين المواعيد المتباعدة بأشهر و رحلات الذهاب إلى المستشفى و العودة منه بدون فائدة ما عدا التسويف و الانتظار ، و ما يرافق ذلك من أعطاب في المختبر و أقسام الأشعة ، فأصبح جراء ذلك ، طلب خدمات المصحات الخاصة هو القاعدة و ليس الاستثناء ..» الواقع الصحي بمراكش ، يؤكد المسؤول النقابي ، تفاقم مع فقدان شرط التدرج المربك للخريطة الصحية ، فقبل إنشاء المستشفى الجامعي ، كانت المدينة تتوفر على أربع مستشفيات إقليمية كانت تقدم خدماتها للمواطنين ، بعد إنشائه لم تعد المدينة تتوفر سوى على مستشفيين اثنين هما ابن زهر الذي يعيش وضعية احتضار حقيقية ، و مستشفى سعادة للأمراض العقلية الذي لا علاقة له بهذه التسمية ، بل هو مجرد مكان لاحتجاز المرضى في أوضاع مزرية يعرفها الجميع . و في حقيقة الأمر فمراكش لم تعد تتوفر على أي مستشفى من الدرجة الثانية . و من مظاهر العشوائية في التدبير ، وقف المسؤول النقابي عند معضلة قسم الولادة ، الذي يكفي لوحده للتعبير عن مدى العبثية التي يدبر بها المستشفى الجامعي بما يرافقها من إهدار للملايير من المال العام . حيث أن مستشفى ابن طفيل كان يضم قسما للولادة ، فقامت إدارة المستشفى الجامعي بإعدامه ،وإعادة هيكلته بملايين الدراهم ليتحول إلى قسم لجراحة العيون. و هو ما رفضته النقابة في حينه و طالبت بالإبقاء على قسم الولادة بالمستشفى نظرا لأهميته بالنسبة للساكنة . و بالطبع فالإدارة لم تستجب لرؤية النقابة . و اليوم عادت إلى فتح قسم الولادة مرة أخرى بنفس المستشفى بغلاف مالي ضخم . و هو ما يمثل قمة العبث و العشوائية و الإهدار للمال العام . «وضعية مستشفى الأم و الطفل ، هي الأخرى تعكس عمق هذه الاختلالات التي تهيمن على تدبير المركز الاستشفائي الجامعي بمراكش ، يقول إبراهيم مومن . فهذه المؤسسة الضخمة التي دشنها جلالة الملك سنة 2008 ، و التي كلف إنجازها الملايير ، تُعاد هيكلتها هيكلتها اليوم بالملايير مرة أخرى رغم أنه لم يمر على افتتاحه سوى ثماني سنوات . تكلفة إعادة الهيكلة تكلف ما يمكن أن ننجز به مستشفى جديدا . « و يضيف في نفس السياق « لابد من إيقاف هذا النزيف . من تسلم البناية من المقاول ، و صادق على موافقتها للمعايير ؟ من المسؤول عن هذا الإهدار لأموال المغاربة . الأمر لا يتعلق بميزانية بسيطة ، و إنما بغلاف مالي ضخم ، يهدر بهذه البساطة ، في وقت لم يجد فيه مرضى السرطان الأدوية اللازمة لهم ، و في وقت يطلب من المرضى اقتناء الحقن والخيط ، و منهم من يموت بحسرته لكونه لا يتوفر على المال الكافي لاقتناء ما يلزم من مستلزمات العلاج ، و منهم من يغادر المستشفى بلا رجعة مفضلا مواجهة آلامه إلى أن يموت ، بعد يأسه من سوء خدمات المؤسسة التي تعمل إدارتها على محاولة إخفاء ذلك ، بحملات تلميعية عن رحلات طائرة الهيليكوبتر و زرع الأعضاء .. « و من مظاهر هذه الاختلالات ، التي أوردها إبراهيم مومن ، صفقة المكيفات بمستشفى الرازي ، الذي يعد معلمة صحية بمراكش . حيث تم تجهيزه بمكيفات مركزية ، لكن الغريب و المضحك أيضا ، أن ذلك اقتصر على مكتبي الأستاذ الرئيس و الممرض الرئيس ، و استثنيت باقي المرافق و خاصة قاعات الاستشفاء التي يرقد فيها المرضى في مدينة تتجاوز فيها درجة الحرارة في فصل الصيف 48 درجة . أما بخصوص مستشفى ابن نفيس للأمراض العقلية ، فقال إبراهيم مومن أنه يعاني بدوره من تدهور خطير في مستوى الخدمات التي يقدمها للمرضى . إذ يعرف نقصا حادا في الأدوية ، و اكتظاظا مخيفا . ناهيك عن مشكل المرضى المحكومين الذين يتكفل بهم ممرض واحد في الحراسة الليلية . مركز الأنكولوجيا بدوره يعكس خطورة هذه الاختلالات ، حسب تصريحات المسؤول النقابي . فهو يعاني انعداما لبعض الأدوية الخاصة اللازمة لمرضى السرطان ، بما حمله ذلك من تهديد مباشر لحياتهم . حيث يقول إبراهيم مومن « و بسبب ذلك سجل مؤخرا ارتفاعا في عدد وفيات مرضى السرطان بسبب انعدام الأدوية الخاصة بهم ..» يضاف إلى ذلك مشكل تدبير النفايات النووية بالمستشفى التي ، كما يوضح مومن « لا يعرف أحد كيف يتم تدبيرها ، و هو أمر خطير ، و قد طرحنا هذا السؤال مرارا على إدارة المستشفى و لم نظفر منها بأية إجابة ..» أعضاء المكتب النقابي الذي حضروا الندوة الصحفية قدموا توضيحات مستفيضة حول بعض الصفقات التي وصفوها بالمشبوهة . من مثل الصفقة الشهيرة التي تسببت في احتقان كبير بالمستشفى الجامعي ، و واكبتها احتجاجات متوالية . و يتعلق الأمر بالصفقة 125 . «هذه الصفقة تمثل استغلالا سيئا لفيضانات 2013، من أجل الاستيلاء على المال العام بطريقة ملتوية « يقول مسؤول نقابي في الندوة الصحفية . فهي تتعلق بمعدات التعقيم بمستشفى الرازي ، و هي مقدمة للاستيلاء على 4 ملايير و 300 مليون سنتيم . حيث أن ثلاث شركات كانت تضع تجهيزاتها بمكان غير آمن . فاستغل موضوع الفيضانات ، لإطلاق صفقة لصيانة معدات لم تعمل بعد ، و وضعيتها لا تحتاج لصيانة . بل إن العاملين بالمستشفى فوجئوا بإحدى الشركات و قد شرعت في بداية أكتوبر في استبدال قطع غيار بعض المعدات السليمة . و هو ما أثار احتجاجات كبيرة ، و المطالبة بإلغاء الصفقة ، لكن مدير عين لجنة افتحاص ، هي موضوع طعن النقابة التي تعتبر أن هذه اللجنة لا يتوفر أي عضو من أعضائها ، على تخصص الافتحاص . و استمعت ذات اللجنة يوم الجمعة 10 أكتوبر 2015 لأحدى أطر المستشفى ، رفضت المشاركة في نهب المال العام ، وتعاونت مع اللجنة مقدمة جميع الوثائق والبيانات المتعلقة بالصفقة الفضيحة . إلا أنها اكتشفت يوم الاثنين 13 أكتوبر 2015 أن مكتبها قد اقتحم و سُرق منه الملف المتعلق بالصفقة ، دون أن تحرك الإدارة ساكنا للكشف عن الفاعل . و من ذلك أيضا صفقة اقتناء مواد كيماوية للمختبر في شتنبر 2015 قيمتها تسع مليارات ، و في شهر دجنبر أعلن عن صفقة بموضوع مماثل بقيمة خمسة ملايير سنتيم ، ليصل المبلغ الإجمالي إلى 14 مليار ، و مع ذلك أبرمت الإدارة صفقة أخرى مع مختبر خاص للتحليلات متواجد بالقرب من المستشفى الجامعي بقيمة 62 مليون ، لإجراء تحاليل بسيطة تجرى عادة في مختبرات المستشفى التي تتوفر على أطر بكفاءة لا نظير لها في القطاع الخاص ، مثلما تتوفر على معدات ذات جودة عالية . و تحدث أعضاء المكتب النقابي أيضا عن صفقة الأغذية التي أثارت جدلا واسعا ، لكون الشركة التي احتكرت هذه الخدمة بالمسشفى لمدة سبع سنوات ، و كانت موضع انتقادات بسبب الاختلالات الكبيرة المرصودة في أدائها ، هي التي حظيت مرة أخرى بالصفقة الجديدة . و الخطير في الأمر ، حسب المتحدثين في الندوة الصحفية ، أن إدارة المستشفى الجامعي شكلت لجنة للتدقيق في دفتر التحملات . و بعد فترة من العمل الجاد ، فوجئ أعضاء هذه اللجنة بإعلان الإدارة عن دفتر تحملات يتضمن مفارقات لا تُصلح الاختلالات السابقة بل تعمقها ، حيث تم تقليص وزن الوجبات و الرفع من قيمتها المالية التي انتقلت من مليار و 900 مليون سنتيم إلى ثلاثة ملايير 300 مليون . علما بأن الشركة تراكمت في حقها غرامات ناتجة عن إخلالها السابق بدفتر التحملات وصلت إلى 100 مليون لم تسهر إدارة المستشفى على تطبيقها في حقها . معطيات خطيرة جدا حملتها ندوة النقابة الوطنية للصحة (فدش) ، تجعل الإدارة العام للمستشفى الجامعي بمراكش في مرمى اتهامات لا تقل خطورة تتعلق بسوء التدبير و عدم الحرص على صيانة المال العام و تسخيره لصالح المواطنين بتجويد الخدمات المقدمة و توفير مستلزمات العلاج . و تجدر الإشارة ، إلى أن ندوة النقابة جاءت بعد أسبوع من عقد المدير العام للمركز الاستشفائي الجامعي بمراكش ، لندوة صحفية قدم فيها حصيلة المؤسسة خلال سنة 2014 و الأسدس الأول من سنة 2015 .