يعتبر يوهان كرويف، الذي توفي يوم الخميس عن 68 عاما، تجسيدا للكرة الشاملة التي اعتمدها ناديه أياكس أمستردام، ملك أوروبا في السبعينات، وهي فلسفة اللعب التي نقلها أيضا مدربا لبرشلونة وأسفرت عن بطولات وأمجاد. وأمتع كرويف، إلى جانب يوهان نيسكينز، رود كرول وآري هان، العالم بفنياتهم، وأحرز إلى جانب هؤلاء جميع الألقاب الممكنة، ولم ينقصه إلا التتويج مع المنتخب الهولندي. وولد كرويف في أمستردام في 25 أبريل عام 1947، وكان مايسترو خط الوسط في صفوف فريق المدينة أياكس أمستردام، علما بأن والده الذي كان يعمل بقالا كان يحذره من ممارسة كرة القدم. لكن كرويف تمرد على أوامر والده وأصبح شأنه في ذلك شأن الكثيرين ممن تخرجوا من أكاديمية أياكس، التي تعتبر بالفعل مشتلا للنجوم. وسيبقى الرقم 14 الذي حمله طوال مسيرته رمزا لفن كرويف، الذي كان يملك انطلاقة سريعة وذكاء حادا في التعامل مع الكرة حتى أطلق عليه لقب «بيليه الأبيض». ولو قدر لكرويف أن يحرز كأس العالم، ولو مرة واحدة، لنافس بلا شك الملك بيليه على لقب أفضل لاعب في العالم. وتدرج كرويف في صفوف صغار أياكس، ثم الناشئين قبل أن يعطيه المدرب الشهير رينوس ميكلز فرصته بين الكبار للمرة الأولى ضد ليفربول الإنكليزي، وكان في الثامنة عشرة من عمره. وأقيمت المباراة في أمستردام ضمن الدور الثاني من مسابقة كأس أبطال أندية أوروبا، وسط ضباب كثيف لم يكن ليحجب الإنجاز الذي حققه «المبتدئ»، حيث قاد فريقه إلى فوز كبير 5 – 2. ثم ساهم كرويف في بلوغ فريقه نهائي المسابقة ذاتها عام 1969، لكنه مني بهزيمة ثقيلة أمام ميلان الايطالي 1 – 4. ولم تنل الخسارة من كرويف وزملائه، فبعد سنتين كان أياكس قد أصبح رائد الكرة الحديثة، في ما عرف انذاك بالكرة الشاملة، التي تعتمد على دفاع المنطقة وضغط متواصل على الخصم وتكامل بين خطوطه الثلاثة، أي أن الكل يهاجم والكل يدافع في آن واحد. وتربع أياكس، بقيادة كرويف على العرش الأوروبي ثلاث سنوات متتالية في 1971 و72 و73، كما نجح في قيادة منتخب بلاده إلى نهائي مونديال 1974 في ألمانيا، وخسر أمام الدولة المضيفة مع أنه قدم عروضا أفضل. ويملك كرويف سجلا ناصعا مع أياكس، حيث فاز معه ببطولة هولندا ثماني مرات وبالكأس المحلية 5 مرات وسجل في صفوفه 215 هدفا في 307 مباريات، قبل أان ينتقل إلى برشلونة الاسباني مقابل مبلغ خيالي في 25 أكتوبر عام 1973. وكان برشلونة يحتل مركزا وسطا في الترتيب، ويبحث عن لقب غاب عن خزائنه طويلا. وخاض كرويف أول مباراة له ضد غرناطة، وسجل هدفين، قبل أن يقود فريقه بعد سبعة أشهر إلى اللقب الغالي، بعد غياب 14 عاما، ليصبح معبود الجماهير. وقال رئيس نادي برشلونة آنذاك أغوستي مونتال كوستا : «لقد كلفني كرويف كثيرا للتعاقد معه، لكنه أثبت أنه من طينة اللاعبين الكبار، بقيادته الفريق إلى إحراز اللقب». ولعب كرويف في صفوف برشلونة من 1973 إلى 1978 وسجل له 48 هدفا في 140 مباراة. انتقل في نهاية مسيرته إلى فريقي لوس أنجليس أزتيكس وواشنطن ديبلوماتس في الدوري الأميركي الشمالي لكرة القدم، وسجل في صفوف الأخير 25 هدفا في 53 مباراة في مدى سنة ونصف السنة. وعاد كرويف إلى إياكس عام 1981 وتوقع البعض أن يكون خسر الكثير من فنه في الملاعب، لكن المشجعين تدفقوا لمشاهدة المباراة الأولى لابن النادي البار وصانع أمجاده، فلم يخيب أمله وسجل هدفا تاريخيا قلما سجله لاعب آخر. وبقي مع أياكس حتى عام 1983، انتقل بعدها إلى فيينورد وفاز معه في موسم ببطولة الدوري والكأس. لكن قصة الحب مع أياكس لم تنته فصولا، فقد استعان به لتدريب الفريق وكان جوابه الطبيعي الموافقة. وأحرز في أول موسم معه كأس هولندا، فكان ذلك جواز سفره للمشاركة في كأس الكؤوس الأوروبية فتوج بطلا لها على حساب لوكوموتيف لايبزيغ الألماني الشرقي سابقا بهدف سجله خليفته ماركو فان باستن. وفي العام 1988 انتهت قصة كرويف مع أياكس بعد عرض خيالي لتدريب برشلونة. وفي صفوف برشلونة بنى كرويف فريقا رائعا ضم البرازيلي روماريو والبلغاري خريستو ستويتشكوف ونجح في الفوز ببطولة إسبانيا أربعة مواسم متتالية، لكنه بلغ ذروة المجد عندما قاد الفريق إلى إحراز كأس أبطال الأندية الأوروبية للمرة الأولى في تاريخه عام 1992 على ملعب ويمبلي الشهير، بفوزه على سمبدوريا الإيطالي بعد التمديد بهدف سجله مدافعه الهولندي رونالدو كومان بركلة حرة صاروخية من خارج المنطقة. ولم ينقص سجل كرويف، الحائز على جائزة الكرة الذهبية لأفضل لاعب في البطولات الأوروبية 3 مرات، أعوام 1971 و1973 و194 إلا إحراز كأس العالم. وقد سجل كرويف 33 هدفا في 48 مباراة دولية حمل فيها شارة القائد 33 مرة أيضا.