كشف موقع ويكيليكس المختص في تسريب الوثائق، معلومات خطيرة تضع الدولة الجزائرية وكبار مسؤوليها أمام المساءلة القانونية الدولية. وتؤكد الوثائق المسربة أن الجزائر أبرمت اتفاقا مع القيادي في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي مختار بلمختار، يتجنب الأخير بموجبه تنفيذ هجمات داخل الأراضي الجزائرية ويركز على استهداف المغرب وأقاليمه الجنوبية بالخصوص. الوثائق التي نشرها الموقع تتعلق بالبريد الإلكتروني لوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون، والذي يتضمن أزيد من ثلاثين ألف رسالة مرسلة وأخرى مستقبلة في الفترة ما بين 2010 و2014. ومن بين هذه الرسائل تلك التي استقبلتها المرشحة الديموقراطية للرئاسة الأمريكية في 17 يناير 2013، عندما كانت تترأس دبلوماسية بلدها، وهي رسالة سرية من طرف سيندي بلومانتال، المستشار السابق للرئيس بيل كلينتون وأحد المقربين القدماء من هيلاري كلينتون، وكانت رسالته تحت عنوان: «آخر تقارير المخابرات الفرنسية حول أزمة الرهائن في الجزائر»، وذلك في أوج أزمة احتجاز رهائن في مجمع الغاز بمنطقة تيغنتورين، جنوب شرقي الجزائر، من طرف مقاتلين تابعين لكتيبة «الموقعين بالدماء» التي يقودها الجزائري مختار بلمختار. وتقول الرسالة: «بحسب مصدر شديد الحساسية، فإن أشخاصاً لديهم صلات بمسؤولين من المخابرات الخارجية الفرنسية يعملون في ماليوالجزائر خلال أزمة الرهائن 17 يناير 2013، صرحوا على نطاق خاص بأن حكومة عبد العزيز بوتفليقة تفاجأت وارتبكت بعد الهجمات». وتضيف الرسالة: «حسب مصادر مرتبطة بالاستخبارات الخارجية الجزائرية فإن حكومة بوتفليقة عقدت تفاهماً شديد السرية مع بلمختار بعد عملية اختطاف القنصل الجزائري بمدينة غاو (مالي) في غاو شهر أبريل 2012». ويقول بلومانتال في رسالته الموجهة إلى وزيرة الخارجية الأمريكية: «تماشياً مع هذا الاتفاق يركز بلمختار في عملياته على مالي، وفي بعض الأحيان وبدعم من الاستخبارات الجزائرية الخارجية، يستهدف المصالح المغربية في الصحراء الغربية»، كما جاء في الرسالة بالحرف. ولا يقف الأمر عند هذا الحد، فقد كشف ويكيليكس أيضا محتوى رسالة ثانية تلقتها كلينتون بعد يومين من ذلك، أي في 19 يناير 2013 تزامنا مع انتهاء أزمة احتجاز الرهائن وكانت الرسالة تحمل عنوان: «الجزائر.. آخر المعلومات الاستخباراتية الفرنسية»، بدت على شكل تقرير يلخص أحداث عملية احتجاز الرهائن في المجمع الغازي. وتشير الرسالة إلى أن مصدراً «قريباً من القيادات العليا في الجيش الجزائري أعلن أن قادة القوات الخاصة يعتبرون أن المهمة كانت ناجحة»، رغم الانتقادات الواسعة التي واجهتها الجزائر بسب الإفراط في استخدام القوة وتعريض أرواح الرهائن للخطر. في الوقت الذي قضت فيه القوات الخاصة الجزائرية على كتيبة بلمختار، تقول الرسالة إنه «بحسب مصدر حساس فإن مسؤولين في الاستخبارات الجزائرية يسعون لعقد لقاء سري مع بلمختار أو أحد قادته في الشمال الموريتاني في المستقبل القريب». وأضافت الرسالة الإلكترونية أن مسؤولي الاستخبارات الجزائرية «لديهم أوامر لمعرفة الأسباب التي جعلت بلمختار يخرق الاتفاق السري الذي مضى عليه عامان ويشن هجمات داخل الجزائر». وأشارت الرسالة الإلكترونية إلى قلق كبير لدى المسؤولين الجزائريين آنذاك، مؤكدة أنهم كانوا «يعتقدون أن هذا الهجوم جزء من عمل متصاعد من طرف القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في شمال وغرب أفريقيا (مدعوم بالاختطاف)، ويخشون من أن يكون الطلقة الأولى في مرحلة جديدة من الحرب الأهلية في الجزائر. من جهتها كشفت قناة «مدي1 تيفي» في برنامج خاص، عرض ليلة أول أمس الأحد تواطؤ الدولة الجزائرية مع مختار بلمختار القيادي في تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي، على خلفية ما نشرته «ويكيليس» بخصوص تنسيق بين التنظيم الإرهابي والجزائر يقضي بعدم تنفيذ هجمات داخل المناطق الجزائرية بل يعطي الضوء لجماعته باستهداف الحدود المالية والمصالح المغربية في المنطقة. وحول طبيعة الصفقة التي جمعت القاعدة بالجزائر، قال خلدون الأزهري الصحفي باليابان والذي حل ضيفا على البرنامج الخاص، إن صحيفة يابانية نشرت مقالا هاما جاء فيه أن أزمة الرهائن في 2013 بالجزائر تنطوي على حقيقة مثيرة لصدمة هائلة بقيت مخفية حتى الآن، وكانت اليابان قد فقدت العديد من رعاياها خلال الهجوم الذي أوقع 40 قتيلا من جنسيات مختلفة. ونشرت «مدي1 تيفي» مقطعا صوتيا لمختار بلمختار زعيم كتيبة «الموقعون بالدم» وهو يعطي تعليماته لأحد منفذي الهجوم على المحطة النفطية عين أميناس، كما أظهر مقطع آخر تفاجؤ العناصر الإرهابية بتدخل الجيش الجزائري، ما أثار استغرابهم من عدم التزام الطرف الجزائري بالاتفاق المبرم. وأخرجت «مدي 1تيفي» إلى العلن، تسجيلا صوتيا بين ضابطين جزائريين، يفضح تفاوض الجيش الجزائري مع قياديي «الموقعون بالدم»، في تجاهل تام لوجود رهائن في المكان. وقال خالد الشكراوي، إن ضباط الجيش الجزائري يتحدثون عن مفاوضات سرية وغير رسمية، كما جاء في التسجيل الصوتي الذي كشفته «مدي1تيفي» حصريا. وتكشف هذه الوقائع أن الجزائر تسعى إلى استهداف المغرب في أمنه وسلامة أراضيه بمختلف الوسائل وحتى لو اقتضى الأمر الوقوع في المحظور بالتعامل مع تنظيم إرهابي دموي يشكل خطرا على أمن واستقرار المنطقة بكاملها. وتجرم مختلف المواثيق الدولية التعامل مع التنظيمات الإرهابية أو التنسيق معها، وسبق للمحاكم الدولية أن تابعت أفرادا بهذا الخصوص، لكن وثائق ويكيليكس تضع تحديا أمام المنتظم الدولي حول كيفية التعامل مع دولة تتواطأ مع تنظيم إرهابي لضرب استقرار دولة جارة.