ما الذي تعنيه شارة النصر، التي رفعها الأمين العام للأمم المتحدة، الكوري الجنوبي، السيد بان كيمون، أمام جمهور من لاجئي مخيمات تيندوف؟. هل هي، هنا، شارة مناضل سياسي، زعيم حزبي، أو ثوري من ثوار «الهانز» الكوريين الجنوبيين الذين قاوموا الإحتلال الياباني المهين لمملكة «هانغوك» العتيقة بسيول؟. أم هي، حقا، شارة الأمين العام للأمم المتحدة،، نعم، تلك المنظمة الدولية التي تشرف على احترام القوانين الدولية، وتدبير العلاقات والصراعات بين الدول بقارات الكرة الأرضية، بحياد من أجل تثبيت السلم بالعالم؟ تحق لنا هذه الأسئلة، جديا، لأن الإلتباس واقع، بالنسبة لنا مغربيا. وعلى أساس كل جواب على سؤال منها، علينا استخلاص الدرس الواجب، وبالتالي منهجية التحرك والمبادرة (بهدوء «عبار القمح».. أي بدون انفعال عاطفي) كدولة وشعب. ولأن الواقعة، غير مسبوقة، في تاريخ علاقة المغرب بهيئة الأمم، منذ استقلال المغرب، حيث لم يحدث قط أن وصف أمين عام لهذا المنتظم الدولي الهام، المغرب والمغاربة، بما وصفهم به الأمين العام الحالي، وبإصرار مثير، فيه غير قليل من التشنج المثير من مسؤول في مكانته، الطبيعي فيه هو اللباقة الديبلوماسية، وليس التوتر والتموقف ضد طرف ضمن ملف صراع دولي غير بسيط مثل ملف «الصحراء الغربية للمغرب». مما جلعه، في خصومة واضحة، حتى مع كل قرارات مجلس الأمن الدولي الصادرة حول ذات الملف حتى الآن. ولعل ما يثير، هنا، جديا في موقف السيد بان كيمون، أنه يكاد يتصرف كما لو أن قرارات مجلس الأمن، الملزمة، قد صدرت تحت بند الفصل السابع، الذي يخوله تموقفا عنيفا مماثلا. بالتالي، إن واقعة السيد الأمين العام، غير المأسوف على قرب نهاية ولايته، هي من النوع الذي يولد السؤال وراء السؤال، ما يجعل المرء يحق له مرة أخرى التساؤل: هل شارته وانحناءته ل «علم دولة غير قائمة أصلا»، فوق أرض مغربية منزوعة السلاح (بير لحلو)، قرر المغرب جعلها منطقة وسيطة أمنيا (نومانس لاند فقط) امتثالا لقرار أممي بوقف إطلاق النار ينفذ منذ شتنبر 1991. ثم وصفه واقع الحال بالصحراء على أنه احتلال (والمحتل بهذا المعنى هو المغرب والمغاربة!!)،، هل هو مجرد موقف من شخص السيد بان كيمون، المواطن الكوري الجنوبي، سليل مملكة «الهانغوك» القديمة، أم هو موقف الأمين العالم للأمم المتحدة؟. وهذا أمر دقيق وفارق، على الدولة المغربية، الحفر فيه، والتوقف عنده ضمن آلية تعاملها مع التطورات الجديدة، من حيث هي مأتمنة على حماية المصلحة القومية العليا للمغرب. بما تملكه من مؤسسات وهيئات وأجهزة، مفروض أن توفر لها المعلومة الكاملة والصحيحة والحاسمة. لأنه، للأسف، حتى الآن، لم يصدر أي بيان رسمي يلغي تلك المواقف التي اختار الأمين العام الأممي اتخادها، لا من مجلس الأمن ولا من هيئة الأممالمتحدة، ولا من مكتب السيد الأمين العام بها. مما يجعل التحليل لا يقود سوى إلى أنه موقف الأممالمتحدة إزاءنا كدولة وبلد وشعب. وهذا أمر جديد، بل في حال ترسيمه، سيكون انعطافة خطيرة في كل الشمال الإفريقي. خاصة وأن البيان اليتيم، الوحيد، الصادر حتى الآن من مكتب السيد بان كيمون، هو في روحه ولغته ومنطوقه، بيان تصعيدي، توبيخي، بروح خطاب الوصاية، الذي يذكرنا بروح بيانات «المقيم العام» للإستعمار، الذي يريد أن يحدد للمغاربة متى يحق لهم التظاهر وضد من، والطريقة التي يجب أن يكون بها ذلك، بل وحتى من يحق له المشاركة ومن لا يحق له ذلك. يظهر أن الأسئلة، هنا، لا تني تتناسل، ومن ضمنها: منذ متى عاملتنا الأممالمتحدة، أو أي أمين عام لها، بهذه الطريقة؟. منذ السيد كورت فالدهايم النمساوي، بقامته الفارعة، وأنفه الممشوق، لم يحدث أن تجرأ أي مسؤول أممي على التموقف نفس موقف الأمين العام الحالي. بل، إن العلاقة بين المنتظم الدولي والمغرب، قد ظلت دوما علاقة متوازنة، فيها منطق تدافع أكيد، ومماحكات قانونية، وتوازنات قوى الضغط العالمية، لكنها لم تصل أبدا إلى أن تجعل المسؤول الأممي الأول ينزلق إلى المنزلق الخطير والخاطئ الذي جرت رمال الصحراء في تيندوف، السيد بان كيمون إليها، وهو في آخر أسابيع مسؤوليته الدولية الرفيعة تلك. وربما يحق التساؤل هنا، أي صفقة تلك التي جعلت سيادته ينجرف هذا المنجرف، الذي مثير الإنفعال الذي يميزه فيه؟. علما، أنه في باب التزام المغرب مع المنتظم الدولي، من أجل السلام في العالم، يجعله واحدا من أهم الدول التي تحوز درجة الشرف في هذا الباب، كونه تطوع أكثر من مرة، في مختلف قارات العالم، من أجل حماية القانون الدولي والسلم والأمن العالميين، تحت راية الأممالمتحدة وضمن قوات حفظ السلام بقبعاتها الزرق. وهو التطوع الذي ظل يشمل الشق العسكري والشق الطبي والشق التقني، وكثير من الدم المغربي أريق من أجل أن تعلو راية الأممالمتحدة، فهل هذا هو جزاؤه من قبل السيد الأمين العام، كي يصفنا ب «الإحتلال»، هو نفسه الذي سبق واعترف، بل نوه، بالدور الحاسم للعديد من التجريدات والتدخلات الإنسانية والطبية المغربية عبر العالم تحت راية الأممالمتحدة. ما جلعنا نظل نحتل دوما المراتب العشر الأولى عالميا، ضمن الدول الأكثر التزاما بدعم عمل المنتظم الدولي لحماية السلم العالمي. وبالأرقام يتجاوز حجم التدخلات المغربية ضمن هذا الإطار الأممي منذ 1960، ما يقارب 10 آلاف جندي وطبيب وتقني ورجل أمن، بإفريقيا (خاصة بالكونغو والصومال وساحل العاج وأنغولا وإفريقيا الوسطى) وآسيا (خاصة بالكامبودج) وأروبا (خاصة بالبوسنة وصربيا) وأمريكا اللاتينية والوسطى (خاصة بهايتي). بل، يمكننا هنا، أيضا، التساؤل، هل تمة سابقة مماثلة، أمام ملفات نزاع في العالم، تعاملت فيها الأمانة العامة للهيئة الأممية، بهذا الشكل؟. لا تقولوا، مثلا، إسرائيل، على اعتبار أنها دولة الإحتلال الوحيدة الفعلية في العالم (مادام السيد بان كيمون، معني بمقولة «الإحتلال»، التي كم تكون مؤلمة حين تلصق بمن كان ولا يزال ضحية لها، مثلنا نحن في المغرب، البلد الذي توزعته استعمارات متعددة، ولا تزال أجزاء من أراضيه محتلة في الشمال من قبل الإسبان). إسرائيل، التي تمارس جرائم ضد الإنسانية في حق الشعب الفسطيني، ولم نر قط أصبعي السيد الأمين العام بان كيمون ترتفع من أجل أطفالها، أو أنه انحنى احتراما لعلم فلسطين (الذي يستحق عاليا ذلك)، أو حتى فكر في إطلاق جملة إدانة ضدها. لا تقولوا إسرائيل، لأن السيد الأمين العام، لا يعتبرها حائطا قصيرا، مثل دولة عربية، مغاربية، إفريقية، ضعيفة، وفقيرة إلى رحمة ربها، إسمها المغرب. هذا يعني، أن الأمر فيه ميزان قوى، كما كان الحال منذ الأزل في قصة التدافع المصالحي بين البشر، وليس أبدا ما هو مبدئي. ويخشى، أن الظاهر بمنطق الوقائع هذه، أن ميزاننا يرى إليه من هناك، من الطابق 37 ببناية هيئة الأمم، على أنه «مايل». هل حقا، هو ميزان «مايل» إلى الدرجة التي يعتقد؟. بعض الجواب كان في مسيرة الرباط الأحد الماضي 13 مارس 2016، التي يظهر أنها عنوان لكيفية إيقاظ السيد بان كيمون ل «مارد الوطنية» عند المغاربة مجددا (وفي هذه علينا أن نشكره فعليا)، مثلما حدث في مناسبات تاريخية، عدة، نكتفي منها هنا بمرحلة ما بين 20 غشت 1953 و 16 نونبر 1955، ثم مرحلة ما بين 16 أكتوبر 1975، و6 نونبر 1975، واليوم نستطيع التأريخ ب 13 مارس 2016، كون المغاربة خرجوا للتظاهر سلميا، لأول مرة بهذه الكثافة من أجل الصحراء. «مارد الوطنية» قد يقال، إنه لا يساوي شيئا في مقاييس هيئة الأمم والقوى العالمية الصانعة لمعاني العلاقات الدولية بردهاتها، وهذا صحيح نوعا ما، لكن أكيد أن من عليه التقاط الرسالة قد التقطها (حتى وإن كانت آليته الإعلامية لم تهتم بذلك)، التي مضمونها أن قضية الصحراء ليست قضية الدولة في المغرب، بل هي قضية الشعب المغربي. والدليل ليس المظاهرة في حد ذاتها، بل كيف أن المغربي لم يتظاهر أبدا منذ 40 سنة، تاريخ اندلاع المشكل، بكل الفاتورة اليومية، التي يؤديها من ماله العام، ومن حقه في التنمية والخدمات، ضد الدولة المغربية ليطالبها بوقف أسباب تلك الفاتورة. بل، على العكس، هو منخرط وجوديا في تلك المعركة، المتعددة الأوجه، لأنها مرتبطة عنده أولا بالحق في الأرض، وثانيا بالكرامة (الكرامة، بالمناسبة لا توجد في قاموس الأممالمتحدة كممارسة). إن الحقيقة القائمة على الواقع، هي الشئ الوحيد الحاسم والمركزي. وهي أن المغاربة في أرضهم بالصحراء الغربية. علما أن معنى «المغاربة»، فقط لبعض الإيضاح البيداغوجي، هم تركيبة مجتمعية غير إثنية أو طائفية. بسبب ذلك السر الكامن في المؤسسة البكر للمجتمع التي هي الأسرة، والتي تبنى من خلال الزواج. فالأسرة مغربيا، لم تبنى أبدا عبر التاريخ بمنطق طائفي أو إثني. والنتيجة هي أن في كل مغربي بعضا من الأمازيغية، وبعضا من العروبة، وبعضا من الأندلس والمتوسط، وبعضا من الصحراء. المغربي خلطة مركبة، وهنا مصدر غناه الحضاري والإنساني، الذي عكسه في عمرانه ومطبخه ولباسه وإبداعاته الشعبية، بدوية أو مدينية. أقول المغاربة في أرضهم بالصحراء، والجدار بني هناك، بروح «أن من يطلق السهم ليس القوس، بل قلب صاحبه»، أي أنه بني بروح الإيمان بالقضية، وأن الجدار الحقيقي بالتالي، ليس ذلك الساتر العالي من الرمل فقط، بل إنه ما في الصدور من موقف وقناعة وإصرار، يعبر عن نفسه شعبيا، منذ 40 سنة، وسيبقى. أي إنه، إذا كان ولا بد من ثمن على المغربي أن يؤديه، من أجل حقه في الوجود بكامل كرامته، سيؤديه كما ظل يفعل منذ معركة إيسلي، حيث يسقط هنا ويقف هناك، لكنه لا يتراجع أبدا. لماذا هذه اللغة، وهذا الخطاب؟. لأن قصيدة الشاعر الفلسطيني أحمد دحبور، تعلمنا من زمان: «أنه قد ضبطت الصيرفي العجوز يرسم صورة لجوادي/ فصحت بالفقراء، أن احذروا/ إن بالموائد سما». علينا، أن نكون صادقين مع أنفسنا مغربيا، ونستعد لأسوأ الإحتمالات. ليس لأنه ليس للمغرب، الدولة والموقع الجيو ستراتيجي، ما يكفي من الأوراق المؤثرة في العلاقة مع العالم، ومع المنتظم الدولي، وأساسا مع مجلس الأمن كجهة مقررة في هيئة الأمم، بل لأن اللحظة دقيقة جدا، ونحن على أبواب شهر أبريل القادم. بل، لأنه منذ شهور والروح السائدة بالمنتظم الدولي، في ما يرتبط بملف الصحراء الغربية للمغرب، خاصة منذ تعيين السيد كريستوفر روس مبعوثا خاصا للأمين العام بالمنطقة، تريد فرض حل، لا يأخد أبدا العصا من الوسط، أي بمنطق «الحل السياسي المتوافق عليه من جميع الأطراف». بل، تمة ضغط كبير فقط على الجهة المغربية، لتقدم ما تراه تلك الجهات «مزيدا من التنازلات»، التي ستدفع الكيان المغربي كله إلى التشظي في نهاية المطاف. بينما الإجتهاد القانوني المغربي الرفيع لمقترح «الحكم الذاتي الموسع»، يعتبر اجتهادا فقهيا من الناحية القانونية، سيكون في حال تم تنفيذه، الأول من نوعه في إفريقيا وكل دول العالم الثالث (مهم هنا العودة إلى الكتاب القيم «الحكم الذاتي بالصحراء المغربية» للخبير المغربي، الموظف السامي سابقا بهيئة الأممالمتحدة بنيويورك عبد الحميد الوالي). بالتالي، اللحظة هي لحظة صلابة موقف من المغرب، لكنها الصلابة التي تكون لليد الواثقة من قبضة المنجل، حتى نحصد فقط حقنا في الميزان، لا أقل ولا أكثر. بما يجب لذلك من ليونة مع الزرع، وأيضا من صلابة مع اليد السارقة. ولأن العالم، عمليا، لا يفهم ولا يتكلم سوى لغة المصالح، فعلينا أن نخاطبه بها. وأول هذا العالم، هو العقلاء في الجزائر، الذين عليهم أن يدركوا أخيرا، أنه في سقوط جدار المغرب، طوفانا عليهم وعلى المنطقة كلها. وأن الدرع الذي يحمي جبال الأوراس هو الأطلس العالي، بعد أن انهار كل شئ في مشرقهم، خاصة في ليبيا. وأن درس ليبيا بليغ هنا جدا، لأن السلاح الذي ظل يراكمه العقيد القدافي، لم يفده في شئ، بل إنه حين انفرط عقد الدولة (وليس فقط النظام) إنما سقط ذلك السلاح، في يد التطرف والجريمة المنظمة. ولا قدر الله، لو حدث الأمر نفسه لبلاد الأمير عبد القادر، بعد أن تكون قد فرطت في قوة جدار المغرب، ستكون كارثة الكوارث على المتوسط كله وعلى أروبا وكل النصف الشمالي لإفريقيا. ومستقبل المغرب والجزائر، معا، كامن في الصحراء، من الداخلة حتى تمنراست وبلاد الهكار. والعلاقة الوجودية أمنيا وسياديا بيننا سيامية، فإن سقط الأطلس سيجرف معه، بلا مزايدة، الأوراس وكل الشمال الإفريقي. هل هذا ما تريده أروبا والحلف الأطلسي؟. هل هذا ما يريده السيد الأمين العام بان كيمون؟. لا نعتقد ذلك جازمين. وأبريل على الأبواب، وفيه يظهر الخبر اليقين على كل حال. ولكل مقام مقال.