أصبحت وسائل الإعلام وسائط هامة وحساسة جدا بالنسبة إلى المجتمعات العربية اليوم، خاصة في ظل تنامي الخطاب المتطرف الذي يسعى إلى تحويل المجال العربي إلى مساحة للاقتتال الطائفي والديني. وقد سعى العديد من المنظمات العربية إلى الاهتمام بدعم خطاب التسامح والتعايش في مستوى المضامين الإعلامية التي تبث في وسائل الإعلام الناطقة بالعربية والموجهة إلى الجمهور العربي والمسلم. فقد دعا عبدالعزيز التويجري، المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو) من الرباط، إلى الاهتمام بنشر ثقافة الوسطية والاعتدال في الإعلام السمعي البصري في العالم الإسلامي. جاء ذلك خلال الجلسة الافتتاحية للاجتماع الثالث لمسؤولي إذاعات القرآن الكريم الذي تعقده منظمة الإيسيسكو واتحاد الإذاعات الإسلامية تحت شعار ?دور إذاعات القرآن الكريم في مواجهة التطرف والغلو وفي نشر ثقافة الاعتدال?. وأبرز التويجري أهمية التطوير في الشكل والمضمون لإذاعات القرآن، حتى تؤدي المهمة المنوطة بها على أحسن الوجوه والتي تشمل التوسّع في الحصص المقررة للقرآن الكريم، مشيرا إلى أن الاهتمام بنشر النص الديني الأصلي والتأويل السليم والعقلاني للقرآن يعد من أقوى الطرق لحماية المواطن المتقبل للرسالة الإعلامية وتحصينه من دعاة التطرف والغلو. وتشير تقارير خبراء في الإعلام إلى أن الإذاعات والوسائل الإعلامية الأخرى عند تبنيها لخطاب معتدل ومدعم بحجج رجال الدين والعلماء المتخصصين فإنها تمكن من إشاعة أفكار عقلانية حول الدين الإسلامي والتدين بشكل عام، وتساهم في إزالة فكر الخرافة والتشدد. وقد تأكد ذلك في الإذاعات الموجهة للمسلمين في أفريقيا الوسطى والصومال والسنغال وغيرها من الدول التي تشهد تنوعا دينيا في مجتمعاتها أو انتشار الفكر المتطرف فيها. وشدد التويجري على ضرورة الاهتمام بنشر ثقافة الوسطية والاعتدال، وتعزيز قيم التسامح والحوار والتفاهم والوئام والاحترام المتبادل، من خلال الأحاديث التوجيهية الجادة والمفيدة، التي تخاطب القاعدة العريضة من المستمعين. إذ تشير الأرقام إلى أن نسبة 30 بالمئة من المقبلين على وسائل الإعلام التقليدية تمثل الإذاعة بوابتهم للاستماع إلى الأخبار والمنوعات والمضامين الدينية في الرسائل الإعلامية. ودعا المدير العام للإيسيسكو هذه الإذاعات إلى المساهمة في تعزيز الوحدة الثقافية والروحية للعالم الإسلامي، ?وبث القيم المثلى والمبادئ السامية التي تتعارض مع التطرف والتشدّد الذي نهى عنه رسولنا الكريم?، معتبرا أن هذا الاجتماع يعقد في وقت حرج يمر به العالم الإسلامي، بل يجتازه العالم أجمع، حيث تتفاقم الأزمات التي تفتك بالشعوب، وتكثر الكوارث الإنسانية التي تهدد الأمن والسلم في مناطق شتى من العالم، وجلها في البلدان العربية الإسلامية. وأضاف عبدالعزيز التويجري أنه ?في ظل هذا الواقع المضطرب الذي لا يطمئن، تتطلع النفوس إلى التعاليم الدينية التي تعتمد على الاعتدال، وثقافة الوسطية البانية للعقل السليم?. ويكشف هذا الخطاب أهمية الإعلام والصحافة والوسائل التواصلية في نشر الوعي الديني ومقاومة الخلايا الإرهابية التي تنتشر مستغلة الفراغ الروحي لقطاع واسع من المجتمع العربي وخاصة الشباب. ويشار إلى أن اتحاد الإذاعات الإسلامية كان قد تأسس سنة 1975 في إطار منظمة التعاون الإسلامي، ويعنى بتطوير الإعلام السمعي البصري في مجالاته المختلفة. وأمام تنامي الوسائط الحديثة للتواصل وأبرزها مواقع التواصل الاجتماعي، أصبحت المهمة الموكلة للإعلام التقليدي أكثر تعقيدا وحساسية. فالإذاعات اليوم، وإن كان دورها هاما في الوصول إلى المستمعين في مناطق بعيدة، إلا أنها مطالبة بإعادة الكيفية التي تطرح بها المواضيع في التوقيت واللغة المستعملة تماشيا مع طبيعة المستمع المتغيرة باستمرار. ولعل تناول موضوع التطرف ونشر التسامح انطلاقا من العقيدة الإسلامية يعد مسألة مركبة تتطلب تضافر العوامل الإعلامية والخطابية والتكنولوجية.