5,6% من مناديب الشغل ضمن مجموع المناديب المنتخبين بالمقاولات الخاصة من المستقلين.. رقم يحيل على الاعتقاد أو يطرح تساؤلاً حول ما إذا كان السبب في احتلال المستقلين الصدارة في ترتيب مناديب الشغل راجع إلى عزوف الأجراء عن العمل أو الانتماء النقابي (...) بيد أن الفاعلين في مجال الشغل يرون بأن الأمر أعمق بذلك بكثير، فهم يرون بأن هناك عوامل موضوعية وذاتية تفسر إلى حد ما تقلُّص قاعدة العمل النقابي بالقطاع الخاص، منها سعي العديد من أرباب العمل إلى توقيف وطرد كل من فكر أو سعى إلى تشكيل مكتب نقابي، وهو الأسلوب الذي تحول برأي هؤلاء إلى ظاهرة ثابتة.. أصبحت تشكل بُعبعاً مخيفاً لكل من سولت له نفسه التفكير في إعمال حق يكفله الدستور، ومَن هذه العوامل أيضاً، عدم تطبيق القانون الاجتماعي بشقيه، ذلك أن المقاولة أو رب العمل الذي يطبق القانون لا يخاف من أي عمل مواز بالمقاولة مهما كانت طبيعته أكان نقابياً أو غير ذلك، ومن العوامل التي تفسر أيضاً ما يمكن تسميته بتقلص قاعدة العمل النقابي، وهو ما تركز عليه مصادرنا في هذا الملف، تزايد أعداد شركات التشغيل المؤقت، هذا علاوة على أسلوب الحوار الاجتماعي المتبع حالياً. في الملف التالي، مناقشة لموضوع يكتسي أهمية بالغة ضمن المشهد الاجتماعي ببلادنا، وهو توسع وتقلص جغرافية العمل النقابي ببلادنا، أسبابه ومسبباته، وعواقبه المحتملة. تشير إحدى الدراسات إلى أن نسبة مناديب الشغل المستقلين المسجل بالقطاع خلال السنوات القليلة الماضية تقدر ب 56%، فلماذا يعزى ذلك؟ هل هو راجع إلى عزوف الأخرى عن الانتماء النقابي؟ أم أن السبب الحقيقي راجع إلى طبيعة ذهنية و ثقافة بعض القيمين على بعض المقاولات والشركات؟ أم أن هناك عوامل متعددة تتداخل في نفس التراجع المفترض للعمل النقابي...؟ مفتش للشغل أوضح لنا في هذا الإطار، بأن عدم سعي العديد من الأجراء إلى الانخراط في العمل النقابي راجع إلى عوامل ذاتية وموضوعية، فمن العوامل الموضوعية أن الانتماء النقابي يشكل بالنسبة للعديد من أرباب العمل مرادفا للطرد من العمل مضيفا بأن رفض العمل النقابي صار يشكل ظاهرة بالنسبة لأغلبية الباطرونا.. وكشف أنه في حالات كثيرة يتم توقيف أو طرد من فكروا في خلق مكتب نقابي قبل السعي إلى تشكيله فعلا. وأردف قائلا، أن من بين الأسباب الموضوعية عدم وجود زمن قانوني صريح يحمي الانتماء النقابي عدا النصوص المتعلقة بالممثل النقابي الذي له أحقية التفاوض باسم العمال في المؤسسة التي تشغل مئة أجير فما فوق. ولاحظ في هذا الاتجاه بأن مندوب العمال الذي قد يوجد بالمؤسسة التي تشغل 10 عمال أو أقل، لا يتمتع بذات حماية ممثل العمال، وهنا - يسترسل قائلا - يطرح أشكال غياب نص تشريعي يمكن أي مندوب عمالي مفترض من الحماية من التعسفات أو الاجراءات التأديبية التي قد تستهدف نشاطه أو حركته. وأكد في هذا الصدد، أن غياب هذا النوع من الحماية القانونية يحول دون تحفيز وتشجيع العمال على الانتماء ا لنقابي والانخراط في أي دينامية اجتماعية التي يكون من بين أهدافها- إضافة الى تحسين أوضاع الأجراء- تطوير وتنمية المقاولة بشكل عام وقال إن من بين العوامل الذاتية وجود نوع من اللامبالاة لدى العديد من العمال الذين لا يلتزمون بالحضور في الجموع العامة وهو ما يؤدي في العديد من الحالات إلى إفشال العديد من مساعي إنشاء مكاتب نقابية. أحد أرباب العمل أبرز لنا من جهته، أن المشاكل الأساسية في عمقه غير مرتبطة بالأجير أو رب العمل بل بغياب قيم مسنودة بثقافة ومرجعيات فكرية وسياسية وضرب لنا الأمثلة في هذا الإطار بالعديد من الدول في ا لعالم، بدءا بأوربا، جنوبها وشماليها، والولايات المتحدةالامريكية، وأمريكا اللاتينية. وشدد على أنه كلما توفر رب العمل على مرجعية ثقافية وفكرية ذات سند وطني كلما تيسرت وسهلت كل الأمور الأخرى، تعلق الأمر بما هو نقابي أو تدبيري، أو استشرافي او ما إلى ذلك، وتساءل في هذا الإطار، هل يمكن لأشخاص يقومون بتحويل المنح التي يخصصها الاتحاد الأوربي لتطوير بعض جوانب المقاولة المرتبطة بالنسيج والخياطة، وجعلها ذات تنافسية، الى وجهات أخرى لا علاقة لها بأهداف هذه المنح، هل يمكن لهؤلاء أن يتجاذبوا بشكل ايجابي مع أي فكرة ذات صلة بالعمل النقابي؟ ومضى قائلا، إن أي عمل نقابي بالنسبة لهذا ا لنوع من المشغلين الذين يشتغلون في «النوار»، يعني وجود نوع من أجهزة المراقبة التي ترصد مختلف تحركاتهم وسكناتهم، وقال بأن كل من يقوم بتطبيق القانون، لا يخاف البتة من أي عمل نقابي مهما كانت طبيعته. واعتبر اشراك الأجراء وممثليهم في تدبير بعض مناحي عمل المؤسسة كفيل بتطوير وتنمية المؤسسة، وجعلها تتوفر على مقومات المناعة، وأكد على أن التجاوب أيضا في حالات مختلفة بين العديد من أرباب العمل والنقابات راجع الى ما يمكن تسميته بالمصداقية المشتركة بين طرفي العملية، وأنه كلما تعذر وجود أو غاب هذا العنصر القيمي الأساسي كلما تعذر استمرار أي شراكة مفترضة بين هذا المكتب النقابي، أو هذا القطاع النقابي، وهذه المقاولة أو تلك. عبد الرحيم الرماح النقابي والخبير في مجال الشغل، أوضح لنا من جهته، أن جوهر المشكل ليس هو تراجع الانتماء النقابي، بل العداء الذي يكنه العديد من أرباب العمل، وخاصة منهم الذين ينتمون الى القطاع غير المهيكل إلى القانون الاجتماعي، بصنفيه، قانون الشغل، والضمان الاجتماعي لما يتضمنه من حقوق وواجبات. وذكر في هذا السياق، بأن رب العمل الذي يحترم القانون ليس له مشكل مع أي عمل نقابي، ومهما كانت طبيعته، وأكد في هذا الإطار، على أن توسع أو عدم توسع قاعدة العمل النقابي راجع بالأساس الى الحرب التي يشنها بعض أرباب العمل على ما تحتويه مقتضيات القانون الاجتماعي في شموليته من حقوق، وأضاف بأن العامل الثاني الذي يحول دون توسع قاعدة العمل النقابي يتمثل في تزايد أعداد شركات التشغيل المؤقت، فكلما تزايد العمل المؤقت كلما استمرت بالموازاة، عملية محاصرة وتقزيم قاعدة العمل النقابي، واسترسل قائلا بأن مقتضيات مدونة الشغل تبرز بأن عمل هذا النوع من الشركات التي تعمل تحت غطاء التشغيل المؤقت، عمل دائم، مشيراً إلى المواد من 495 الى 506 من مدونة الشغل تبرز جميعها بأن عمل شركات التشغيل المؤقت، عمل دائم، يتم تحت غطاء التشغيل المؤقت. وأفاد من جهة أخرى بأن العامل أو المعطى الثالث الذي يفسر تراجع قاعدة العمل النقابي أو عدم توسع نسيجه ليشمل أكبر عدد ممكن من المقاولات أو الشركات، تزايد أعداد مؤسسات القطاع غير المهيكل، وغياب ديناميات مختلفة في هذا الإطار، بهدف السعي نحو هيكلة غير المهيكل، وإدماج من تم العديد من المقاولات في فضاءات منظمة تشريعياً، ومؤطرة نقابياً. وذكر بأن الآثار السلبية لتزايد القطاع غير المهيكل، لا تطال فقط العمل النقابي، ومن خلاله النقابات، بل أيضاً المقاولات المهيكلة. وبخصوص الحماية التشريعية ودورها في التحفيز على التعاطي مع الشأن النقابي، أوضح بأن الظهير المنظم لمناديب العمال يرجع الى تاريخ 29 أكتوبر 1962، وهو ظهير أفرزته ظرفية سياسية معروفة، وكان من بين أهدافه تقييد عمل مناديب الشغل، ومهما يكن يضيف فإن الظهير أو ما تضمنه من مقتضيات تهم مناديب الشغل أُدْخِلت عليها تعديلات مختلفة، وشدد على أن الذين يزعمون بأن مقتضيات مدونة الشغل لا تسمح بتطبيق القانون، بأن ذلك كلام يُراد منه التهرب فقط من تطبيق القانون، وهو بالتالي «كلام حق يُراد به باطل». وبعد أن أشار إلى أن نسبة المأجورين المُصرَّح بهم بالضمان الاجتماعي لا تتعدى الآن 40% من مجموع الأجراء، أكد على أن الظرف الراهن يقتضي حماية المقاولة، والقطاع المهيكل، والعمال والمأجورين، والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي من خلال تطبيق القانون في انتظار الزيادة في الحد الادنى للأجور على الاقل، وقال بأن %90 من نزاعات الشغل ببلادنا تعود الى عدم تطبيق القانون الاجتماعي في شموليتها، والحال أن نزاعات الشغل كان يفترض ان يتمحور جلها، او جزء مهما منها حول تحسين الاوضاع الاجتماعية للعمال وليس الانخراط قسرا في معارك تطبيق القانون في مجالات لاتتعلق بتحسين الاوضاع. وذكر في هذا الصدد، بأن النقابات تدافع دوما عن الاستثمار والمقاولة، وتطبيق القانون مؤكدا في هذا المضمار على أن إعمال القانون سيوفرآلاف مناصب الشغل التي يتم هدرها، وخلص الى القول، بأن تبديد مختلف نزاعات الشغل الآخذة في التصاعد ممكن جدا، اذا طبق القانون، وهو المطمح الذي قد ينتج عنه بالضرورة مناخ اجتماعي مغاير ما أحوجنا إليه في هذا الظرف العصيب. مسؤول نقابي آخر أوضح لنا هو الآخر، بأن سلسلة الحوار الاجتماعي المتوالية التي لم تفض لحد الآن الى أي نتيجة اجتماعية متوافق حولها، أسهم ويساهم هو الآخر في إضعاف الجسم النقابي، او هكذا يراد له ان يكون. وأضاف ان ما لاتفطن له السلطات الحكومية او أي طرف له علاقة بتدبير الحوار الاجتماعي وإيصاله لحد الساعة الى مسار مجهول على ما يبدو، هو ان التماطل، والسعي الى ربح الوقت، ونهج سياسة «التجرجير» في أسلوب و«منهاج» الحوار الاجتماعي أدى ويؤدي الى إحباط ويأس في أوساط الرأي العام العمالي، وهو الاحباط والقلق الذي قد يتبلور اذا تراكم وتطور في شكل غضب يعلم الله وحده الطريقة التي قد يتم بها التعبير عنه.. واستطرد قائلا، بأن الهوة الشاسعة بين الزيادات في الاسعار، ومستوى الاجور أقحمت الآلاف، ان لم نقل عشرات آلاف العمال ضمن عتبة الفقر بشتى تصنيفاته، وهو الامر الذي جعل العديد من الاجراء وتنظيماتهم النقابية في مفترق الطرق، وذكر بنوعية تعاطي السلطات الحكومية مع الحوار الاجتماعي، وعدم تعاملها مع النقابات كشريك يؤثر بصيغة او أخرى في توسيع قاعدة العمل النقابي وهو أمر لايخلو من خطورة لأنه يكرس ويدعم ضمنيا سعي البعض الى تغييب العمل والتأطير النقابي من المشهد الاجتماعي، وهو ما قد يتقاطع مع ما نلحظه من تمييع وخلط للأوراق بالمشهد السياسي. كل هذه المعطيات إذن تحدو بنا الى طرح اسئلة أعمق من سؤال، اسباب وجود نسبة عالية من مناديب الشغل المستقلين ضمن عموم مناديب الشغل في المقاولات المغربية، منها أساسا سؤال، هل كان يمكن لقاعدة العمل النقابي عموما ان تطبق وتتقلص لو تم تطبيق قانون الشغل، والقانون الاجتماعي؟ وألا تشكل منهجية الحوار الاجتماعي الحالية يتساءل المسؤول النقابي الاخير، وسيلة من وسائل إحباط وتيئيس العمال والاجراء، وهو الامر الذي يسهم بطريقة او أخرى في «تقزيم» قاعدة العمل النقابي.. الحرية النقابية عنوان لآلاف البيانات النقابية إن قراءة سريعة للعشرات أو المئات من البيانات النقابية في الأشهر القليلة الماضية سواء منها التي تنشر بالعديد من الصحف الوطنية، أو التي تصدرها العديد من المكاتب النقابية بالقطاع الخاص، تخلص بنا إلى استخلاص نتيجة محورية مؤداها أن مطلب تطبيق القانون في مجال إعمال الحرية النقابية وتمتيع العمال والأجراء بالحق في التغطية الاجتماعية (التأمين الصحفي والتقاعد) بات يشكل مطلبا رئيسيا. الأهم من هذا وذاك هو أن أغلب نزاعات الشغل التي تسجل في مناطق مختلفة ببلادنا يحتل فيها عامل عدم تطبيق قانون الشغل في جوانب اجتماعية بعينها مركزا أساسيا وهو الأمر الذي تؤكده المعطيات الرسمية وتشكفه العديد من البيانات النقابية. لقد سبق للتصريح المشترك الذي أبرم بين المركزيات النقابية والاتحاد العام للمقاولات بالمغرب والسلطات الحكومية سنة 1996 أن أكد سواء في الاتفاق الثلاثي الذي تضمن مقتضيات الاتفاق وتفاصيله أو في ملحق الاتفاق الذي شمل جملة اجراءات عملية تتعلق بكيفية تطبيق ما ورد في التصريح المشترك. لقد سبق لهذا التصريح إذن أن تناول مشكل عدم تطبيق القانون في جزء مهم من القطاع الخاص. وقد شكلت العديد من المرتكزات الأساسية بالملفات المطلبية النقابية عناوين مركزية هذا التصريح الذي اعتبر وقتئذ لبنة أساسية نحو مأسسة الحق في التفاوض بالمغرب. ومن العناوين الأساسية للتصريح المشترك التي اتخذت شكل أبواب احترام الحريات النقابية وتطبيق القانون الاجتماعي أي احترام القانون فيما يخص الحريات النقابية وما يستتبعها،وتمكين الأجراء من الحق في التغطية الصحية والاجتماعية من خلال تسجيلهم في الضمان الاجتماعي ودفع المستحقات التي تخول لهم حق الاستفادة. لقد مكن هذا التصريح الذي كان نتاج سياق اجتماعي واقتصادي وسياسي معين من خلق مناخ اجتماعي مغاير نوعا ما ولو لفترة زمنية محددة غير أنه بعد فترة بدأت المطالبات بإعمال العديد من مقتضيات التصريح المشترك ومنها الحريات النقابية بالعديد من مؤسسات القطاع الخاص، واحترام وتطبيق القانون الاجتماعي. وقد أنشأت في هذا الاطار لجان قطاعية تتشكل من مختلف الشركاء الاجتماعيين بهدف النظر فيما علق من ملفات والبحث من تم عن الآليات الكفيلة بتسوية النزاعات والملفات المطروحة في قطاعات عمالية مختلفة، بعد فترة يسيرة من التصريح المشترك تمخضت جلسات الحوار بين الفرقاء الاجتماعيين عن اتفاق اجتماعي آخر، اطلق عليه اتفاق فاتح محرم. وقد نص ضمن ما نص عليه هو الآخر، إلى ضرورة احترام الحريات النقابية واحترام وتطبيق القانون الاجتماعي بشقيه: الشق المرتبط بقانون الشغل، والشق الآخر المتعلق بتمكين الاجراء من الحق في التأمين الصحي والاجتماعي (أي التقاعد) لكن بالرغم من أهمية هذين الاتفاقين، فإن العداء للقانون الاجتماعي وللعمل النقابي بشكل عام ظل هو سيد الموقف في العديد من المقاولات وبخاصة منها التي تنتمي إلى القطاع وغير المهيكل، وهذا ما يمكن استخلاصه من الوقائع التي يسجل باستمرار بمندوبيات الشغل، ومن مختلف البيانات التي تصدر عن الجموع العامة للنقابات وعن مجالسها الوطنية ومكاتبها النقابية المحلية والوطنية.. فالعديد من مفتشي الشغل الذين اتصلنا بهم في هذا السياق، أوضحوا لنا أن المشكل الأساسي في العديد من مظاهر القطاع الخاص حاليا هو طرد أو توقيف أجراء لمجرد أنهم سعوا إلى تشكيل مكتب نقابي مشيرين إلى ان هذه العملية تحولت إلى ظاهرة تميز مناخ العمل بالعديد من المؤسسات. وكشف هؤلاء أن هذه الذهنية توجد أساسا لدى الباطرون «مول الشكارة» الذي لا يستسيغ أبدا فكرة إشراك الآخر في تسيير بعض مناحي المؤسسة أو الشركة. أحد النقابيين، أبرز من جهته، أن غياب العمل النقابي الجاد بهذه المؤسسة أو تلك وعدم تطبيق القانون بما يخدم الاجير والمقاولة يكون له أحيانا عواقب كارثية، ولعل حالة مؤسسة روزا مورا بليساسفة بالبيضاء التي شهدت حريقا أو مجزرة ذهب ضحيتها أكثر من 40 قتيلا من العمال خير دليل على أن غياب آلية عمل لتأطير وتوجيه وتكوين الأجراء قد تكون له اثار سلبية واحيانا خطيرة علي الاجراء والمقاولة على السواء. ويؤكد العديد من التجارب الوطنية والدولية صحة هذا القول، فبفرنسا مثلا لم يعد فقط العمل النقابي فيها حق مكتسب وإعمال القانون الاجتماعي من أبجديات التدبير الاجتماعي والاقتصادي والممارسة الديمقراطية، بهذا البلد، بل إن العديد من المقاولات أضحت تقول بتوظيف كفاءات مؤهلة في تدبير نزاعات الشغل بهدف السهر على السير السليم للمقاولة وتحصينها من كل ما من شأنه أن يؤثر سلبا على مسارها الطبيعي وهي ذات العملية التي قد تنسحب على اسبانياوألمانيا أساسا ولو بصيغة مختلفة، ففي هذا البلد الأخير، يوجد كما هو معلوم ميثاق بين مختلف الشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين تتحدد وتنظم بموجبه مختلف علاقات الشغل بين الأجراء وأرباب العمل، وهو الميثاق الذي أسهم إلى جانب عوامل أخرى اجتماعية واقتصادية وسياسية في جعل ألمانيا القوة الاقتصادية الأولى في أوربا (...) محطات للفهم عرفت السنوات الأخيرة في العديد من مناطق العالم أحداث اجتماعية غاية في الأهمية تستدعي أكثر من وقفة وتأمل منها الحركة الاجتماعية التي شهدتها فرنسا في غضون سنوات 1997/1996، والتي انتهت بتعليق الإصلاحات الاجتماعية التي أطلقها وقتئذ آلان جوبي، الوزير الأول آنئذ وهي «الهزة» التي كان من الممكن أن تعيد عقارب الساعة في بلد موليير وجون جاك روسو الى سنوات 1968 و 1969، لولا اتخاذ القرار بتعليق ما يسمى بالإصلاحات الاجتماعية. ومن بين الأحداث الاجتماعية النقابية الدولية التي اكتست أهمية إعلامية دولية كبيرة أيضاً خروج الملايين من الإيطاليين إلى الشارع، بدعوة من نقابة «سي دجي.إل» الايطالية الذي يقدر عدد المنخرطين بها بخمسة ملايين، وهو العمل الذي أسقط بيرليسكوني من قيادة الحكومة الايطالية قبل أن يعود مجدداً لسُدَّة الحكم. كلا الحدثين يبرزان قوة العمل النقابي وأثره وفعله في الحياة الاجتماعية والاقتصادية على الأقل، وهي القوة التي يتداخل في صناعتها، حسب ما هو متوفر من معطيات العديد من العناصر والعوامل الذاتية والموضوعية.