ذاع صيت " الجوطية " بسيدي بنور، في السنوات الأخيرة ، على امتداد التراب الوطني، بل يمكن القول إنه تجاوز الحدود نظرا لما يباع فيها من خردة و متلاشيات وبقايا وما تعرفه من توافد الباعة من مختلف الأنحاء ... جعلتها تعرف رواجا كبيرا سواء في ما يتعلق بالملابس والأحذية القديمة المستوردة أو الأواني والتجهيزات الالكترونية والأثاث المنزلية وبقايا الحديد والنحاس والأخشاب والدراجات الهوائية والنارية ... منها ما هو مشترى بطرق معقولة وقانونية، ومنها ما هو "مسروق" من المزارع والمنازل وغيرهما من الأماكن المختلفة ولعل المحاضر الموجودة بكل من مركز الدرك الملكي وكذا مركز الشرطة بسيدي بنور لخير دليل أن " الجوطية " يتاجر فيها ما هو مسروق حيث تم ضبط أكثر من عنصر سواء من ممارسي السرقة أو ممارسي شراء المسروق ... الأمر الذي أكسبها شهرة من نوع خاص في أوساط التجار والباعة المتنقلين، ونظرا لما توفره من قطع غيار مستعملة و أخرى منقولة من الخارج، فإنها أصبحت تعرف بين الفينة والأخرى زيارة بعض السياح ، حيث يتجولون وسط الخردة ويبحثون عن "حاجتهم" بينها ، مما يعطي انطباعا بشأن شهرة " جوطية " سيدي بنور . بمجرد أن تطأ أقدامك المكان تشد انتباهك مجموعة من الخيام المنصوبة عشوائيا غير الزمان من لونها وجودتها ، تجد بداخلها مجموعة من الأشخاص منهمكين في تكسير الزجاج والآلات الكهربائية من تلفاز وحاسوب وغيرهما من الأدوات طمعا في جمع كمية من مادة النحاس يمكن أن تدر عليهم مبالغ مالية هامة غير مبالين بالأخطار المحدقة بهم وما يمكن أن يتسببوا فيه من أضرار للغير ، غير بعيد عن هؤلاء تصادفك مجموعة أخرى تقوم بعملية حرق الأسلاك الكهربائية وغيرها من أجل الحصول على مادة النحاس التي يباع الكيلوغرام الواحد منها بثمن 37 درهما، فتجدهم يقلبونها دون عناء وسط سحابة سوداء من الدخان المتصاعد دون أدنى تفكير في ما يتسببه ذلك من أضرار بيئية و أخرى صحية وإزعاج للمتسوقين، ونظرا لغياب تنظيم محكم ل " الجوطية " فقد أصبحت تعرف عرض السلع على مدى الأسبوع تقريبا وجدها البعض فرصة سانحة خصوصا بعض الغرباء عن المدينة، لتصريف ما أتوا به من بضاعة يجهل تماما مصدرها . وسط " الجوطية " تختلط روائح الأزبال بروائح البول والغائط و الروائح النتنة الناجمة عن تعفنات بعض الجيف من القطط والكلاب ... الأرض بدورها أصبحت تشع بالأنوار المختلفة الألوان نتيجة انعكاس أشعة الشمس عبر قطع الزجاج التي ملأت المكان والمتناثرة هنا وهناك . بينما نتجول داخل " الجوطية " أثارت انتباه مرافقي كومة من الأدوية معروضة للبيع تحت أشعة الشمس ، اقتربنا منها وبدأنا في تقليبها في محاولة منا لمعرفة مصدرها وتاريخ صلاحيتها ، حيث تبين لنا بعد معاينتها تجاوز تاريخ صلاحيتها ، وهي متنوعة تفي بشفاء العديد من الأمراض، عفوا تتسبب في الإصابة ببعض الأمراض منها ماهو مزمن وخطير . قارورات مملوءة و أخرى تحتوي على كمية من بعض السوائل كانت قبل اليوم في مكانها الأصلي " الصيدلية " صالحة وذات فعالية في معالجة السعال و أمراض المسالك التنفسية، غير أنها اليوم تحولت إلى سموم خطيرة تعرض للبيع في واضحة النهار ب " الجوطية " دون تدخل يذكر أو محاسبة أو حتى "نهي" من طرف اللجان المكلفة بحماية المستهلك والحفاظ على صحة و سلامة الإنسان . بين علب الدواء عثرنا على أكياس وحبوب و أمصال يجهل اسمها وتركيبتها ومصدرها ... والمثير للبكاء و السخط وليس الضحك هو حين انحنت سيدة لتهمس في أذن سيدة أخرى كون " الحبوب هي لمنع الحمل ؟ " نظر إلي مرافقي مبتسما بينما وجدت نفسي حائرا أكاد أصرخ لأقول لهما " انتبها إنها سموم تؤدي إلى الموت المحقق ، فهي حبوب لمنع الأنفاس عن الحياة وليس فقط لمنع الحمل ! " مخاطر جمة تحيط بالمواطنين بهذا المكان و أموال طائلة تروج داخله دون أن يكون لذلك نفع على وضعيته ومرافق " الجوطية " . أحد الباعة عبر لنا عن عدم رضاه لما يشاهده من منكر وسرقة وتصرفات منافية للأخلاق قائلا : " لقد أصبحت الجوطية ملاذا ووكرا لبعض محترفي السرقة ، وطغت الفوضى عليها لدرجة لم أعد أعرف إلا القليل فيها من الباعة ، كثر فيها الأطفال الدين تركوا أماكنهم الأصلية داخل المدارس والشباب الباحث عن أسهل طريقة في الحصول على المال، بحيث تعددت السرقات والاعتداءات ، غير الله يحفظ ... الدرك الملكي والشرطة بسيدي بنور عرفت مصالحهما فتح محاضر في شأن السرقة بالجوطية وتم في هذا الصدد إلقاء القبض على عدة عناصر ... " ونحن نتحدث إلى بائع الخردة كسر حوارنا صوت رجل يجري وراء احد الأطفال في محاولة للقبض عليه وهو يصيح " شد ! شد ! شفار ، شفار ... ". الكل كان ينظر إلى المشهد دون أن يحرك أحد ساكنا ، إلى أن غاب الطفل عن الأنظار وعاد الرجل أدراجه وهو يلهث حيث فهمنا منه أن الطفل سرق له " آلة حاسبة " ، الأمر الذي زاد من شدة غرابتنا لما يقع بالجوطية ، بحيث كاد هذا الرجل أن يرتكب جناية بسبب " آلة حاسبة قديمة قد تكون غير صالحة " ثمنها بالمكتبة لا يتجاوز 6 دراهم لولا أن الألطاف الالهية قد حالت دون وقوع ذلك . هذا فقط غيض من فيض في انتظار أن يهتم المسؤولون بالشأن المحلي بهذا الموضوع وأن تقوم السلطات المحلية رفقة باقي الشركاء ، بتنظيم هؤلاء الباعة مع تحديد يومي السبت والأحد فقط لعرض السلع حتى تسهل عملية المراقبة وزجر كل المخالفات وكذا التدخل الفوري كلما كان ذلك مطلوبا أو ضروريا .