استبد بك حنين فتاك لطفل وحيد يستظل زيتونة ظليلة وقت اشتداد قسوة الصهد الحقيرة ، ترفع عينيك لزرقة السماء ، تتابع أسراب اليمام التائهة ، تملأ الوقت بملامسة حصى فارس حالم ، وتقرر اعتزال الحقارات القادمة مع قافلة الظلمة . يتشتت سرب النوارس حائرا فوق أبراج الذاكرة ، يتطلع لصخور آمنة تحمي سلالة الأحرار من الانقراض ، يتوقف محرك الحنين في عمق الدوامة .. يترك لدوائر الحرفة فرصة قيادتي بعيدا عن مراسي الوحشة المقيتة . تنسلخ عن تربتك الأولى ، تطاوع الحنين لحوارات راوغت جوع العشيرة ، تشدك جاذبية طيران الفراشة و ألوان جناحين يتنقلان بخفة ملسوع بين تيجان الأزهار الحالمة ، الآن فقط تفهم لماذا لم تسبقك يدك اليمنى و تمسك بكفها رغم رعشة القبلة الفاتنة ، و تفهم أكثر حدسك الأمين الذي قادك لزيتونة ظليلة تدعوك للاستمتاع بحبيبات الآتي اللذيذة . على أمل زائف و إحساس طارئ بعزة نفس مفتقدة ، تنساق العشيرة وراء إغراء بحر رملي ذي أمواج بشرية مخادعة ، فجأة ، تنقلب صرخاتها الاحتجاجية إلى نواح و دموع تفضح استسلاما مقيتا و ندما لا يطاق . و صخب العشيرة مشحون بالتوترات و مقالب السماسرة و الأقنعة المتحكمة في خيبات الوقت ، و وصايا الأوراق المتآكلة التي مطلعها دخول في الصحة و مدادها أدعية مسجوعة تتوهم قداسة مثقوبة . يطوف الكائن المهموم بين الوجوه ، تقرأ الملامح و أسباب الهزيمة المشاع ، خفافيش ملتحية أعماها حقد اغتصاب الأوطان ، والسواد يحتل الأفق ، لا طيور حرة في سماء قبيلة تحترف الانحناء ، و لا أحد يملك الجواب اليقين . . لا أحد ! لم تكن تدري أن الأمر مجرد ابتلاء غامض الأسباب ، و أن أبراجك التي لا تؤمن بها دخلت مرحلة كشف الحساب و تقديم فروض الطاعة لواجب الندم ، تقتنع بغبائك ، تتحدى رعونة البلوى ، ترتاح بخروجك من فخاخ الرمال المتحركة و قد تركت لها الناقة ببولها الخرافي و ما حَمَلتْ . يتوقف محرك الحشود في عمق الدوامة .. و يترك لدوائر اللغط المأجور فرصة قيادتها بعيدا عن مراسي الأمان الكريمة ، ينخرها سعار الوهم العظيم ، تنزع عن الزهرة أوراق الحياة ، و فوق التيجان المشوهة لم يتبق غير حشرات سوداء تحتفي بوقاحة العراء و سلاطة الموت المحتوم . تفكر في خياناتها ، و تهمس لنفسك قائلا : « لن أدعوك لاحتضان حرائقي .. احتفظي بمائك الثمين لسقي شتلات خيباتي القادمة .. دون تأويل ولا عذاب ضمير ، تدخل المكنسة صلب الحكمة المأثورة ، تبوح النفس الأمارة بالسوء بما خططت له الساحرة الشريرة ، تتباهى بفقه الرحيل ، تختبر ذكاءك بسؤال الوجود ، تقول : « لست المجنون الغبي في عشيرة الأوغاد .. فهل من خلاص نهائي ممن تستهزئ من قداسة النبض الوقاد ؟!!! « . يشتد اعتداء ريح السموم على زيتونتك الظليلة ، تعترف بنشاز التلال الحمقاء و أن لا مطية تمنحك رعشة الخلود سوى أمواج بحرك الوفي و قبلات نوارسه المنتشية بحريتها المشتهاة. لا أشباه لك في جزيرة العشيرة الحمقاء ، وحدك .. تصعد تضاريس الغباء الحقيرة ، تجد نفسك منبهرا ببشاعة بحر « والو « العملاقة ، و الغباء .. بطاقة عشق معتوه و إصرار على الاستمرار في مستنقع الأشباح و احتمالات الغلط ، و أغبياء الآبار المسكونة برطوبة الفناء لا يدرون أنك تركت لهم جزيرة الأفاعي و الثعابين بعد أن دست بقدمك على رأس الأفعى الكبيرة و رحت لجزيرة الحياة مرتاح الخاطر و البال . تصادف مقبرة دون أسوار ، تقرأ شواهد القبور بصوت مكتوم ، تتحسس نبض اليسار ، ما زالت ضربات القلب لم تتوقف ، وما زال بإمكانك إتمام القراءة حتى النهاية . تخاطبني وتقول : « أيها المسافر في خلاء العشيرة الضاج بصرخات الأرامل و الأيتام .. لا تكن مجذوب زمانه الانتهازي الأبله ، كن حرا باسلا ، انسحب من حلبة اقتتال الخبثاء و الأقنعة و مهووسي الدمى الصينية المعطوبة .. أكيد ، لن تجد أرضا بكرا تليق بعشقك الأحمق ! « وفي وصف الحالة ، تلك الأغنية تهمة ، و للأسف .. قتلتك اللحظة بالغباء الممجوج و صرت تحتاج الكثير من النسيان كي ندفن الوهم الكبير بما يلزم من الصمت . تترَجَّل عن رحلة تجهل جغرافيتها الجارحة ، تنزل وحيدا في محطة هجرتها العشيرة المهووسة بأحقاد الأقنعة الرخيصة ، ذاك القطار الثعباني لم يعد يعنيك ، و الحقيقة .. هو لم يكن يمضي في وجهتك المنسية . تختار النقطة المنسية ، ترمي بجسدك المنخور في خلاء المحطة الموحشة .. جُرْم الفناء اقترب أكثر من كوكب الأشقياء ! تترك لها جملة الاحتمالات و تحتفظ لذاتك بقراءاتك السرية ، تشتد المطاردات في البُعد و تتقوى .. و تهمس بصوت مسموع : « ما أبهى مفاجآت الآتي المعلوم !»