لا أحد يمكنه أن ينازع اليوم، في كون الأبناك ومختلف المؤسسات المقرضة للمال، تلعب دورا أساسيا وضروريا في المجتمع الوطني والدولي، إذ أنها تسهل على الفرد، كما على الجماعة، الحصول على سلف - بشروطها طبعا - يتم الاتفاق بشأن كيفية أداء أقساطه، من حيث المبلغ الشهري والمدة الزمنية لإنهاء القرض، وهما الأمران اللذان يحرص عليهما المقترض الذي لا يقرأ العقد المكتوب بلغة أجنبية معقدة وبخط صغير جدا، وغير مقروء، لشيء في نفس يعقوب. وبالطبع فإن هذه الأبناك، وحفاظا على أموالها، وحتى تستمر في مهامها، تلجأ للقضاء في حالة عدم الأداء، بعد الإعلام بذلك، كي تسترجع ما تبقى من الدين الحال، وغير الحال، غير المؤدى من طرف الزبون، حتى وإن لم يكن هو المسؤول مباشرة عن عدم الأداء، كأن يكون الأمر يتعلق بزوجين انتهت علاقتهما بالطلاق، أو التطليق، لأسباب خاصة بهما او بالمقربين منهما، أو يكون الأمر يتعلق بشريكين أو أكثر في مقاولة أو مشروع مهما كان حجمه أو ضخامته، وأن سوء تدبير أحدهم، أو سوء تصرفه، هو ما نتج عنه التوقف عن الأداء الشهري لأقساط البنك المانح للقرض، وبالتالي فهو المسؤول المباشر عن مخالفة القانون، لكنه سيجر معه مشاركيه، الذين سيعاملهم القانون بصفتهم هذه - المشاركة طبقا لمقتضيات الفصل 129 من القانون الجنائي - ويحاسبهم على فعل لم يرتكبوه، بل ولا علم لهم به أصلا. تحرك المسطرة بسرعة فائقة - وهذا أمر طبيعي - لحماية أموال البنك ويعرض الملف على القضاء ويصدر الحكم ببيع ممتلكات المدين بالمزاد العلني، وهذا كذلك أمر طبيعي من ناحية. لكن الأمر الذي ليس طبيعيا إطلاقا، هو أن يتم تحديد الثمن الافتتاحي لبيع عقار، تم شراؤه بعلم البنك، وبشهادة موثق بمبلغ 340 مليونا، في مبلغ 270 مليونا!؟ إن هذا التحديد المجحف، لا تفسير له سوى مخالفة قانون البيع والشراء، ومبادئ العرض والطلب، والثمن الحال للعقار خلال فترة بيعه المرتقب، ومكان تواجد العقار، ومساحته، وهل هو أرض فارغة أم عليها مبنى، ونوع المبنى، وشكله، وهندسته، والزمن الفاصل بين التاريخ الأول لشرائه، وتاريخ تحديد الثمن الافتتاحي لبيعه، ولكن كذلك، وهذا هو الخطير في الأمر، فإن تحديد ثلث الثمن الأصلي كثمن للبيع بالمزاد هو تفقير للمالك او المالكين المتضررين أصلا ومشاركيهم الأبرياء، بل والأخطر من كل هذا هو إغناء البعض الآخر من المتخصصين والمحترفين في مجال البيع بالمزاد العلني، الذين بعضهم منظم بشكل شبكة لها "أرجل وآياد" في العديد من المؤسسات، ولها علاقات مع بعض المتدخلين المباشرين أو غير المباشرين في عمليات البيع بالمزاد العلني التي لا عمل لهم دونها. إن المطلوب اليوم، هو الدراسة الجدية، لكل الملفات التي قد تنتهي إلى البيع بالمزاد العلني لممتلكات المقترض المتوقف عن الأداء، وخاصة إذا تعلق الأمر بالحجز على عقار يكون هو السكن، الذي اقترض من أجله من البنك لشرائه، إذ لا أعتقد، بل لا أظن أن شخصا أو أسرة - زوجين - التجأ إلى البنك للحصول على قرض لشراء قبر الحياة ، قد يعمد عن قصد و سبق الاصرار إلى عدم أداء الأقساط الشهرية للبنك، وهو يعلم مسبقا أن ذلك سيؤدي به الى الطرد من السكن وبيعه "فوق ظهرو". إن المنطق يقتضي أن يكون الثمن الافتتاحي لبيع أي عقار او اي شيء آخر - وسائل عمل ، أثاث منزلية.. - من المحجوزات بأمر أو قرار قضائي نهائي، يأخذ بعين الاعتبار ليس فقط المحكوم لصالحه باسترجاع أمواله من مداخيل البيع بالمزاد العلني، ولكن كذلك، وهذا هو الجانب الاجتماعي، بل والإنساني، أن يتم الأخذ بعين الاعتبار المحكوم ضده، أو ذوي حقوقه، وتحديد ثمن، تدخل فيه الشروط السابقة وأخرى قد يقترحها المهتمون والمتتبعون من هيئة كتابة الضبط، والسلطة القضائية، والمحامين، والخبراء المختصين، كل حسب ميدانه، حتى لا يلدغ المسلم من الجحر مرتين. وكمثال على ما أقول، أتمنى أن يتم فتح بحث موضوعي، يوكل لأشخاص نزهاء، في موضوع البيع بالمزاد العلني المقرر يوم 15 مارس الجاري بابتدائية مراكش، للعقار رقم 04/167384 في الملف عدد 2014/172 ح.ع. والذي هو عبارة عن فيلا مساحتها 388 مترا مربعا وبها قبو، وسفلي وطابقان بمساحة مبنية حوالي 460 مترا مربعا، بالاضافة للحديقة والمسبح والمطبخ المجهز تجهيزا فاخرا، والبناية جديدة بإقامة مرجانة بتاركة، هذه الفيلا حدد ثمن بيعها الافتتاحي في المزاد العلني في 270 مليونا!!؟والحال أن إدارة الضرائب تعرف قيمة كل عقار. الغريب في الموضوع أن فيلا أخرى بإقامة مجاورة رسمها العقاري عدد 04/104572 تم وضعها للبيع بالمزاد العلني يوم 2015/07/28 بثمن افتتاحي حدد في مبلغ 434 مليونا!!؟