أن تكون سمسارا ضمن شبكة تتحكم في المزادات العلنية، التي تشرف عليها المحاكم، هي الطريقة الوحيدة التي يمكن بها الحصول على شقة فاخرة في المعاريف بثمن «براكة» في أنأى قرية بالمغرب القصي. أن تصير حلقة ضمن سلسلة تضم مفوضين قضائيين ومحامين وموظفين عموميين وأطر أبناك ورجال قضاء هي الوسيلة التي ستمكنك من اقتناء أسطول سيارات فارهة بثمن دراجات نارية. في هذا التحقيق، سنكشف النقاب عن وجوه سماسرة يحترفون الاغتناء من مآسي الناس الذين تحجز الأبناك على ممتلكاتهم، وتميط اللثام عن طرق التلاعب في مزادات علنية تروج فيها سلعة «السيزي». في مثل هذا الوقت من سنة 2011 الماضية، وبالبيضاء، توصلت إدارة إحدى مؤسسات السلف التابعة لأحد الأبناك الكبرى بالمغرب بشكاية خلقت رجة داخل مكتب مديرها. لأول مرة يطلع المسؤول المذكور على معطيات تفيد بوجود شبكة تتلاعب في المزادات العلنية التي يعرض فيها هذا البنك السيارات التي يحجزها من أشخاص عجزوا عن دفع أقساطها الشهرية. رأس الخيط المسؤول البنكي أمر بفتح تحقيق في مضمون الشكاية التي تقدم بها شخص يقطن بالبيضاء يكشف فيها ما يلي: «بعد مشاركتي في مزاد علني عرض فيه البنك سيارات محجوزة رسا علي مزاد سيارة معرضة لحادثة سير. المزاد تم بشكل عاد حيث تقدمت بعرضي ولم يزايد علي أحد وبعد إعلام بواسطة المنادي ثلاث مرات وعدم تقدم أي شخص آخر من المتزايدين لرفع الثمن المقدم من طرفي قمت بوضع شيك لدى المفوض القضائي المكلف بالتنفيذ، في انتظار تسلم محضر التسليم لاستكمال إجراء الحصول على السيارة»، يقول «حسن.ط»، صاحب الشكاية التي تتوفر «المساء» على نسخة منها. حسن عاد بعد أيام إلى المفوض القضائي لتسلم محضر الإرساء، لإتمام الإجراءات القانونية، غير أنه فوجئ بالمفوض القضائي يقول له إن العرض الذي رسا عليه لم يتم قبوله بدعوى عدم كفاية العرض، أي أن الثمن الذي قدمه غير متناسب مع قيمة السيارة. هذا التبرير رفضه حسن. بعد مرور وقت يسير فوجئ بشخص يتصل به هاتفيا. هو شخص يحترف المشاركة في المزادات العلنية كان قد طلب من حسن أن يتخلى عن المزايدة على السيارة لصالحه. «أخبرني، بطريقة تهكمية فيها تشفي، أنه تمكن، بفضل علاقاته ب«ناس في الرباط»، من الحصول على السيارة رغم أن المزاد لم يرس عليه». علم حسن أنه وقع ضحية تنسيق ماكر بين المفوض القضائي الذي زور محضر المزاد العلني وأزال اسمه ووضع اسم أحد «سماسرة السيزي»، كما يُلقبون، بدله. فورا توجه عند موظفة مكلفة بالبيع بالمزاد العلني بالمؤسسة البنكية المذكورة لإعطائه توضيحا. الأخيرة رفضت تقديم أي تفسير أو اتخاذ أي إجراء. ساوره شك فقرر فضح كل شيء. الفضيحة أعقبها فتح تحقيق أولي دام لمدة يوم واحد فقط. خلال هذا اليوم تبين لمسؤول المؤسسة البنكية، وإثر جرد ملفات بيع سيارات محجوزة سابقة، أن عددا لا يتجاوز خمسة أشخاص هم الذين يظفرون بغالبية المزادات العلنية، التي من المفترض أن يتم تنظيمها وفق ضوابط قانونية محددة، كما أظهر التحقيق أن استفادة أشخاص قليلين من المزادات العلنية يرجع إلى تنسيقهم مع مفوضين قضائيين وموظفين مكلفين ببيع السيارات بالمزاد العلني داخل هذه الشركات. الأدهى من هذا كله هو أن التحقيق الأولي وضع الأصبع على رأس خيط شبكة تتلاعب في وقائع ونتائج المزادات العلنية للسيارات المحجوزة. هذه الشبكة تضم مفوضين قضائيين بالدارالبيضاء، يُعهد إليهم بضمان احترام المسطرة القانونية المتبعة في المزادات العلنية وإعداد محاضر الإرساء بالمزاد العلني، فضلا عن موظفين في مؤسسة السلف، يتقاضون عمولات مقابل تسهيل عمليات تفويت سيارات محجوزة إلى الأشخاص المستفيدين، ويكون هؤلاء الأشخاص غالبا سماسرة للسيارات والعقارات، ومن ثم يتخصصون في شراء وبيع سيارات وعقارات طبقت عليها مسطرة الحجز نظرا لانخفاض ثمنها. التلاعب في هذه المزادات العلنية يضيع على الأبناك أموالا، حيث يفضي تعمد تخفيض ثمن البيع بطريقة متواطئة إلى إلحاق ضرر بمصالح الأبناك. أول رد فعل للمؤسسة البنكية على هذه الواقعة هو تعميم إعلانات عن مزادات علنية لبيع سيارات تعتزم تنظيمها بمرآبها الموجود بالحي الصناعي بسيدي معروف، ضاحية البيضاء الجنوبية، بجرائد وطنية معروفة بعدما كان النشر يقتصر على صحف مغمورة لا يطالعها سوى ثلة من الناس، بينهم، أساسا، مترصدو المزدادات العلنية والإعلانات القضائية والإدارية. باستثناء تخصيص ميزانية إضافية لنشر إعلانات المزادات بجرائد معروفة لم يحدث شيء آخر. التحقيق أُقبر. مسؤولون قضائيون وبنكيون تدخلوا لرأب الصدع وجبر الخواطر. السبب أن التلاعب في المزادات تتحكم فيه شبكة غاية في التعقيد. كيف ذلك؟ بين سماسرة «السيزي» لنتسلل بين خيوط شبكة المزدادات، بالدارالبيضاء تحديدا، التقينا ببعض السماسرة الذين ينشطون ضمنها. أحد هؤلاء أطلعنا على موعد مزاد علني لبيع سيارات محجوزة في ملكية مؤسسة تسليف معروفة. قرابة 20 سيارة معروضة للبيع. سيارات «كات كات» فارهة وأخرى عادية. عربات نقل بضائع ودراجات نارية من الحجم الكبير. حتى الخردة وسيارات دمرتها حوادث سير تعرض للبيع هنا. التعرف على هذه «السلع» المعروضة للبيع يكون فقط عبر إعلان بإحدى الجرائد ويقتصر على ذكر نوع السيارة وتاريخ تسجيلها وعدد الكيلومترات التي قطعتها. لا صور ولا معطيات أخرى. لأخذ فكرة كاملة بشأن السيارات والعربات والدراجات المعروضة للبيع يلجأ «سماسرة السيزي» إلى التوجه مباشرة إلى المرائب التي تكون مركونة بها. «تدويرة» مع حارس خاص تنتدبه المؤسسة البنكية لحراسة المرآب كافية لفتح بابه أمام سماسرة يأتون لمعاينة «البضاعة». الحارس الخاص يكون مطلعا على كل ما تريده من معلومات حول السيارات المراد بيعها. يخبرك بشأن تاريخ الشروع في استعمالها وما إذا كانت السيارة المحجوزة مستعملة من طرف شخص أو شركة لكراء السيارات عجزت عن تسديد مستحقات شرائها للسيارات التي تستعملها للبنك. «المساء» زارت مرأبا لسيارات «السيزي» في مكان قصي من الدارالبيضاء. تحديدا على الطريق المتوجهة نحو «بير جديد». يخرج «سيكوريتي» منتعلا «صندالة ميكة» ليفتح الباب. عشرات السيارات مركونة بالمكان. غبار كثيف اعتراها. بعضها في حالة متردية. أغلب هذه السيارات، كما يوضح الحارس، كانت في ملكية شركات كراء سيارات قبل أن يتم الحجز عليها. هذا ما يفسر كون سيارات لم تدخل المغرب سوى قبل سنتين ومع ذلك يسجل عدادها أنها قطعت آلاف الكيلومترات. رغم ذلك فإنها سلعة رائجة لدى «سماسرة السيزي». بين السيارات المغبرة تظهر أخرى في حالة جيدة. يحتفظ بها في زوايا المرأب. هذه السيارات ذات قيمة أكثر. التنافس عليها من طرف سماسرة المزادات محتدم ويتطلب أسلحة خاصة. أول سلاح يسمى، في عرفهم، ب«الكوفير». الأمر يتعلق بتفاوض السمسار مع المسؤول عن البيوعات العلنية بالبنك من أجل شراء السيارة دون حاجة إلى المشاركة في المزاد العلني. الثمن يؤدى فوق الطاولة ولكن في بعض الأحيان تحتها. المقابل هو تنسيق السمسار مع المسؤول البنكي والمفوض القضائي الذي سيشرف على عملية البيع عبر المزاد العلني من أجل إعداد محاضر مسبقة يتم فيها تسجيل بيع السيارة للسمسار بتاريخ عقد المزاد دون عرض السيارة للبيع عبر المزاد، بحيث يتم، فقط، تعليق ورقة مكتوب عليها «Vendue» (أي تم بيعها). بهذه الطريقة يمكن للسمسار أن يشتري، مثلا، سيارة فاخرة موديل 2010، ثمنها 30 مليون سنتيم مقابل 10 ملايين سنتيم فقط. الإغراء الذي يلف سلعة «السيزي» يفسر حضور ما يفوق الثلاثين شخصا إلى المزاد العلني لبيع سيارات بسيدي معروف. تمكننا من دخول المزاد. الأمر يقتصر فقط على تسليم شيك ضمان بقيمة 10 آلاف درهم لحارس خاص بمدخل المرآب. وضعنا الشيك، وسلمنا الحارس الخاص ورقة بها جدول يضم جردا للسيارات المعروضة للبيع ومعطيات حولها وولجنا. سيارات مختلفة مركونة بجميع أرجاء المكان وزواياه المعتمة. سقف قصديري يرخي على المرأب حرا يزيد شدته تصاعد أنفاس الحاضرين. بدا على بعض الحضور ألفة بالمكان. يتنقلون بين السيارات المتراصة بسرعة. يطالعون المعلومات المعلقة بالواجهات الأمامية للسيارات، ويتوقفون طويلا أمام أكثرها إغراء. بينها سيارات حديثة بعضها من نوع «كات كات». الطلب يزداد على السيارات ذات محركات «الكازوال». تحلق بعض السماسرة حول المفوض القضائي الذي سيشرف على عملية البيع. فجأة سارع الأخير إلى إزالة أوراق المعلومات المعلقة بسيارات بدا أنها الأكثر طلبا من لدن المشاركين في المزاد. هكذا تم ضمان بيع هذه السيارات للسماسرة في «النوار» ودون اشتراط المرور عبر المزاد. تعالت أصوات أشخاص بالاحتجاج. المفوض القضائي لم يعرهم اهتماما. ارتفع فجأة صوت مرهق مناديا «يا الله باسم الله». إنه «المنادي». كهل ضئيل الجسم أشعث الرأس يرتدي ملابس رثة. وقف بجانب سيارة. خبطها بيده وصاح «طوموبيل (...) موديل 2008» شكون قال؟»، معلنا فتح المزاد. اقترب منه سماسرة يستفسرونه عن السيارة. أخبرهم أنها ذات محرك «إيسانس»، وتتوفر على مفتاح واحد فقط. تراجع السماسرة وتقدم مشاركون يتزايدون في الثمن. أول عرض كان قدره 4 ملايين سنتيم و1000 درهم. ظل المنادي يصيح «ستة ومية شكون قال..»، تعالى صوت آخر «ستة وميتين» (يقصد ستة ملايين سنتيم وألفي درهم). رفع المنادي صوته ستة وميتين شكون قال..». نادى مرة ثانية وثالثة فصاح «ستة وميتين الله يسخر». توجه المشتري نحو المفوض القضائي للإدلاء باسمه في محضر البيع. أثناء ذلك كان «المنادي» متسمرا بجانب سيارة أخرى. تعالت الأصوات مرة أخرى. قواعد المزاد تقضي بأن لا تقل كل مزايدة عن ألف درهم من المبلغ المحدد. هذا عن القواعد المعلنة، أما القواعد الخفية فتقضي أمورا أخرى. أول هذه القواعد هو اتحاد السماسرة الذين يعرف بعضهم بعضا ضد «غرباء» أو مبتدئين دلفوا لأول مرة باب المزادات العلنية. الاتحاد يبدأ بتوزيع الاستفادة بينهم بأن يتنازل بعضهم لبعض عن السيارات المعروضة للبيع، كما يقضي أحيانا بأن يغيروا الخطة حينما يدخل بينهم شخص يزايد عليهم بمبالغ كبيرة من أجل الحصول على سيارات ذات قيمة. حينها يتحد ثلاثة سماسرة أو أكثر من أجل الاشتراك في ثمن شراء السيارات بحيث يتوفر لهم في هذه الحالة رأسمال كبير يستطيعون من خلاله السيطرة على المزاد. أحيانا، وحينما لا تكون إحدى السيارات مغرية لهم، يدخلون المزاد من أجل رفع الثمن فقط على المتزايدين الآخرين، حتى ما إذا علا ثمن السيارات التي يرسو على هؤلاء مزاد بيعها يعجزون عن مواصلة المزايدة على باقي السيارات لأنه لم يعد لهم رأسمال يكفي لمجاراة السماسرة الآخرين. «المنادي» يصيح وعينه مركزة على أفواه المتزايدين. حتى ما إذا حرك أحدهم شفتيه ظن المنادي أنه سيعلن عن ثمن. كلما احتدم المزاد احتدم صراع خفي بين المتزايدين. بعض التجار يفضلون شراء سيارة واحدة بثمن جيد وفسح المجال للسماسرة. هكذا رفع شخص عرض شراء سيارة فارهة من نوع «كات كات» قيمتها الحقيقية 50 مليون سنتيم إلى 20 مليون سنتيم مباشرة بعد فتح المزاد كي ينسحب السماسرة. الطريقة كانت ناجحة ووفرت على التاجر جهدا ووقتا. بدا أن كل السماسرة يعرف بعضهم بعضا. أحيانا يتوقف المنادي لحظات مشعلا سيجارة ينثر دخانها بتوتر. حينها تدور كواليس بين المتزايدين والتجار. يوزعون بينهم السيارات المتبقية ويحددون الخطط للظفر بها. تسمع بعضهم يحدث البعض قائلا «خلي ليا هادي (...)». بعد المزاد ترسو عليه بالفعل. بعد قرابة ساعة أُعلن عن نهاية المزاد. بقي الظافرون بالسيارات المعروضة للبيع بالقاعة لاستكمال تحرير المحاضر فيما طُلب من البقية الانتظار في الخارج إلى حين المناداة عليهم لإرجاع شيكات الضمان لهم. لم ينته الأمر. كواليس المزاد العلني تستمر خارجه. القانون يفرض على الظافر بالمزاد أن يسدد الثمن الذي اقترحه، بالإضافة إلى نسبة منه لخزينة الدولة، في أجل لا يتجاوز عشرة أيام. السماسرة لا يحترمون، في الغالب، هذا الأجل. هنا يكمن وجه آخر للتواطؤ بين «سماسرة السيزي» ومسؤولي الأبناك والمفوضين القضائيين ومسؤولين قضائيين مكلفين بالتنفيذ. التواطؤ يتجلى في إمهال السماسرة مهلة حتى يتمكنوا من بيع السيارات التي اشتروها، وهي ما زالت في مرأب مؤسسة السلف، ومن ثمن البيع يسددون ثمن شراء السيارات عبر المزاد العلني. بمعنى أنهم يجنون ثروات من بيع سيارات يسددون ثمنها من الأرباح التي يحصلون عليها وليس من رساميلهم التي يخصصونها للمزايدات. دخول حلبة المزاد والظفر بإحدى جولاته لا يعني أن السيارة أو العقار المعروض للبيع سيؤول للمتزايد الذي قدم أعلى ثمن. في بعض الأحيان تتدخل إدارة الأبناك لرفض البيع بدعوى أن الثمن المعروض غير كاف. تتم في هذه الحالة إعادة البيع بالمزاد. الأمر ذاته يشمل العقار. هنا يبرز دور قاضي التنفيذ الذي يحسم في عملية البيع بشكل نهائي. القاضي المذكور يمكن أن يرفض العرض بدعوى أن العقار ذو قيمة أكبر من الثمن المعروض. الأمر برمته مرتبط بشيء اسمه السلطة التقديرية. بين ثنايا هذه السلطة التقديرية تتيه تفاصيل كثيرة تكشف جوانب قاتمة من عمل الشبكات المسيطرة على مزادات المملكة. من المتورط؟ كما تتوارى خلف عبارة «السلطة التقديرية» عدة تفاصيل غامضة تكمن بين ثنايا النصوص القانونية المنظمة للمزادات العلنية بالمغرب ثغرات ينفذ منها سماسرة ومستفيدون. لاستيضاح هذه الثغرات اتصلنا ببوشعيب الراشدي، المحامي بهيئة الدارالبيضاء والعارف بخبايا عالم المزادات العلنية. المحامي المذكور أوضح أن المسطرة القانونية العادية تقضي بأن رئيس المحكمة يأمر بحجز عقار أو منقول، مثل سيارة أو أثاث، وبيعها بالمزاد العلني. إثر ذلك، يضيف الراشدي، يتحرك سماسرة يتتبعون المزدادات العلنية، ويسارعون للحصول، من كتابة الضبط، خاصة بالمحاكم التجارية، على جداول شهرية تجرد المحجوزات التي سيتم بيعها. الثغرة الأولى، وفق الراشدي، تكمن في الخبرة التي يتم إعدادها لتحديد قيمة المحجوز. انطلاقا من هذه الخبرة يتحدد الثمن الافتتاحي للبيع بالمزاد. يعلن عن المزاد بإحدى الجرائد الوطنية، وتبدأ كواليس مثيرة. «يوجد سماسرة يتتبعون المحجوزات المعروضة حتى بعد انتهاء المزاد مستغلين منافذ قانونية، فحتى إذا رسا البيع على شخص فإنهم يستطيعون استدراجه، بتواطؤ مع المفوض القضائي المشرف على عملية البيع، كي يتنازل عن عملية الشراء مقابل مبلغ مالي، ويقوم المفوض بكتابة محضر جديد للبيع باسم السمسار. هذه العملية تتم في سرية وليس هناك إثباتات لضبط التواطؤ المفترض»، يبرز الراشدي قبل أن يردف، «القانون يفرض الانتظار لمدة 15 يوما قبل إتمام البيع، وفي هذه الفترة يمكن لأي شخص، بمن في ذلك سماسرة المزادات، أن يحصلوا على المحجوز رغم إجراء المزاد بمجرد إضافة نسبة السدس من العرض المقدم خلال المزاد، أي أن السماسرة يمكنهم الانتظار حتى انتهاء المزاد كي يحصلوا على ما يريدون دون جهد أو توتر أعصاب». هذه المعطيات كلها تفترض طرح سؤال: ما الذي يفسر كون المزادات العلنية تستقطب سماسرة متخصصين بالنظر إلى أنها تفضي إلى الحصول على سيارات أو عقارات أو سلع بأثمنة بخسة؟ ولماذا توافق المحكمة على بيع عقارات وسيارات بأثمنة ضئيلة جدا؟ الجواب عن هذا السؤال هو ما يشكل مفتاح باب سري خلفه تستقر شبكة المزادات. «الخبرة التي تسبق عرض عقار أو منقول بالمزاد تحدد فقط الثمن الافتتاحي الذي يكون منخفضا في الغالب، وبعد إجراء المزاد رئيس المحكمة في شخص قاضي التنفيذ هو من يؤشر على تمام عملية البيع أو العكس بسبب عدم كفاية العروض. الأمر كله يحتكم إلى السلطة التقديرية لقاضي التنفيذ وليس إلى معايير محددة»، يوضح المحامي قبل أن يردف «مثلا يمكن لخبير أن يحدد الثمن الافتتاحي لبيع شقة مساحتها 100 متر مربع وتوجد بقلب المعاريف وسط الدارالبيضاء في 30 مليون سنتيم رغم أن الثمن الحقيقي يتجاوز 120 مليون سنتيم، ورغم ذلك يُعقد مزاد ويمكن أن يفضي إلى ظفر شخص بالشقة مقابل 60 مليون سنتيم، وحينما يُرجأ البت في عملية البيع لقاضي التنفيذ يمكن لهذا الأخير أن يرفض البيع لانخفاض الثمن كما يمكنه أن يوافق عليه.. كل شيء خاضع لسلطته التقديرية». السلطة التقديرية إذن وأشياء أخرى وكواليس معتمة هي أمور تفسر سيطرة سماسرة على سوق المزادات العلنية التي تباع فيها عقارات وسيارات ومنقولات بأثمنة زهيدة للغاية. هذه العوامل أيضا هي التي دفعت طرفا آخر أعتى إلى دخول اللعبة، ويتعلق الأمر بالبنوك. بعض هذه البنوك، وفق ما توصلت إليه «المساء»، توظف سماسرة تابعين لها لشراء عقارات ومنقولات هي في الأصل من طلب الحجز عليها. بمعنى أنه حينما يعجز شخص عن سداد أقساط شقته للبنك يرفع الأخير دعوى ضده تنتهي بحجز الشقة وعرضها في المزاد العلني، حينها يدخل سماسرة البنك على الخط ويظفرون بالصفقة. هذا الأمر يعني أن البنك يتمكن من استخلاص ثمن الشقة الذي عجز مالكها عن سداده إلى جانب الحصول، في الوقت عينه، على الشقة بثمن بخس وإعادة بيعها بالسعر الذي يقرره البنك. هكذا تتحول مآسي أفراد وأسر سحقتهم عجلة «السيزي» إلى حقول ذهب لآخرين.