مشروع المؤسسة هو خطة عمل تحدد كل الأنشطة والوظائف والمهام التي تقدم عليها المؤسسة، وتبلورها على شكل أهداف وبرامج للعمل بناء على استراتيجية تنمية النظام التربوي المحلية الذي تحددها المؤسسة في ضوء الإطار الاستراتيجي التربوي الأكاديمي والمركزي. ويشارك في تحديد مشروع المؤسسة كل المجموعة التربوية (هيئة التدريس والأطر الإدارية والتربوية وهيئة التوجيه وجمعية الآباء والتلاميذ..) ويساهم في ذلك أيضا الشركاء الخارجيين (الجماعات الترابية، السلطات الأكاديمية، مراكز التوجيه والإعلام، وجمعيات المجتمع المدني المهتمة...). إنه إذن رؤية جماعية تروم الارتقاء بجودة الخدمات التي تقدمها المدرسة. يعتبر مشروع المؤسسة إذن بمثابة ميثاق محلي وعقد تلتزم كل هذه الأطراف بتنفيذ برامجه وإنجاز أهدافه التي تتمثل أساسا في الارتقاء بوظيفة المؤسسة والارتقاء بالفضاء التربوي المباشر للتلميذ إلى الأفضل. ويقتضي هذا الرهان أن تتخلى المدرسة عن تلك الممارسات التقليدية التي ألفت تكرار نفس الأساليب والارتكان إلى المألوف الذي لا يتطلب أي مجهود فكري وإبداعي، وأن تعيد النظر في أساليب اشتغالها وممارستها ورؤيتها للأمور لتنسجم مع التغيير الذي تنشده التوجيهات الوطنية من جهة، وتستجيب للحاجات المحلية من جهة أخرى. ويحتم ذلك إعادة هيكلة ذاتها في اتجاه إرساء بنيات للإشراك تمكن المجموعة التربوية من المساهمة في النقاش والتشاور حول القضايا التربوية المطروحة على المؤسسة، بغية تحديد الأهداف والإجراءات التي تمكن من بلورة تصور جماعي لمعالجة هذه القضايا. يمكن اعتبار أن مشروع المؤسسة هو الإطار الذي يحتضن هذه الإرادة والتعبئة والتشاور والنقاش والتداول والتصورات التي تنبثق عن ذلك، باعتباره إنتاجا محليا جماعيا يسعى إلى تنظيم التفكير والفعل لتصريف واستثمار الموارد والطاقات البشرية والمادية التي تتوفر عليها المؤسسة بشكل عقلاني وفعال. وتتأسس هذه الإرادة عن القناعة التي ترى أن إشراك الجميع وانخراطهم في عملية التفكير والفعل الجماعيين أضحى اليوم ضرورة ملحة ومنهجية فعالة في تعبئة هذه الموارد. لقد ابتدأ منذ مدة التخلي عن العمل حسب نمط ‹‹تايلور›› الذي يعتمد العمل الجزئي، أي الاشتغال حسب دوائر مغلقة تجعل الجماعة بعيدة عن اتخاذ القرارات التي تهم مؤسساتهم. إن هذا النمط من التدبير يضيق من مجال تدخلات الأفراد ويحد من إمكانياتهم في المبادرة والإبداع. وقد تم التخلي عن هذا النمط من التدبير حتى في مؤسسات إنتاجية، كونه لم تعد له قدرة على الرفع من الجودة والإنتاجية. إن الرفع من فعالية أداء المؤسسة التعليمية يقتضي أن تشتغل حسب مشروع وسياسة يطلع عليها الجميع، بل يشارك في إعدادها كل الشركاء التربويين لتظل واضحة وشفافة ومقبولة من طرف الجميع. لأن هذا الإجراء يشجع على المشاركة والتجاوب والانخراط الذي يبدو أنه المسألة الجوهرية الضرورية للرفع من جودة الأداء، والإصرار على إنجاز الأهداف التي سطرها المشروع. ويقتضي ذلك بالضرورة اعتماد مفاهيم ومناهج معاصرة من قبيل المقاربة التشاركية والتدبير بالنتائج. المقاربة التشاركية تعتمد المقاربة التشاركية أسلوبا تشاركيا في تدبير شؤون المؤسسة التعليمية. ولمقاربة الأسلوب التشاركي لا بد من تفكيك الأسلوب الاستبدادي السائد في أغلب ممارساتنا الحالية. يتميز الأسلوب الاستبدادي بتمركز السلطة وتمركز القرارات في يد مدير المؤسسة. وترتبط قيم ومواقف المدير المستبد بعقليته ومنظوره للأمور ورؤيته الخاصة لأدوار مختلف الفاعلين. وتتمثل هذه المواقف في ميله إلى احتكار كل السلطات، والتحكم في دواليب التسيير، والانفراد باتخاذ القرارات، لأنه يعتبر أن إشراك الآخرين مضيعة للوقت. هكذا فإنه لا يعتقد في قدرات الأفراد، ولا يعتبرهم مصادر للتفكير والإبداع وقوة اقتراحية، بل يعتبرهم مريدين وأداة للتنفيذ. وعلى هذا الأساس يحتكر المدير المستبد كل المعلومات والمعطيات، حيث يعتقد أن الاحتفاظ بها لنفسه تمنحه إمكانيات أكثر للتحكم في التابعين له، والتحكم في مسار الأمور. لأنه يرى أن الفعالية والاستقرار تستدعي التحكم في زمام الأمور. ينمي هذا السلوك الاستبدادي عدم الثقة والعدوانية بين الشركاء، مما يجعلهم يتبنون مواقف سلبية كالسكوت عن الأخطاء، والتظاهر بالامتثال للأوامر والقرارات. علما أن هذه القرارات غالبا ما تكون انطباعات ذاتية لا تتلاءم بالضرورة مع حاجيات المؤسسة والمجموعة التربوية. إن غياب الشفافية في التعامل وعدم تقاسم وجهات النظر مع الشركاء يجعلهم يفقدون الرغبة في الانخراط والتجاوب، ويدفعهم ﺇلى الانغلاق داخل مجموعات صغيرة للاحتماء وأحيانا للمقاومة. هكذا يحد الأسلوب الاستبدادي من ﺇبداعية وتفتح الموارد البشرية، نتيجة هذه الأجواء التي تفرض التبعية والخضوع والجمود. وفي إطار تراكم الوعي بسلبيات الأسلوب الاستبدادي العقيم، برزت المقاربة التشاركية لتجاوز هذه السلبيات. إنها منهجية جديدة في تدبير شؤون المؤسسة تسمح بمشاركة ومساهمة كل الفعاليات المعنية عبر بنيات وهياكل تقريرية أو استشارية، تشكل فضاءات وأجواء مستقبلة للمبادرات والاقتراحات والإبداعات (مجالس المؤسسة). تتميز هذه المقاربة بمنظور مختلف للقيم وللسلطة وللأدوار عن منظور الأسلوب الاستبدادي: إنها تنمي، على مستوى القيم، الانفتاح الفكري والشفافية والتواصل والتفهم وتقبل النقد والتفاوض. وتدعو، على مستوى ممارسة السلطة، إلى اعتماد أساليب مرنة تشجع على المشاركة، وتقوية الوعي والإحساس بالمسؤولية الذي يعتبر عنصرا من عناصر التحفيز والانخراط والالتزام. وتعترف هذه المقاربة أيضا بأهمية أدوار الشركاء وتقدر وتثمن خبرتهم وقدراتهم. تتأسس المقاربة التشاركية إذن على مبادئ أساسية، تتمثل في الاعتقاد بأن جودة القرارات تزداد كلما ارتفع مستوى المشاركة، وازداد مستوى كفاءات الفاعلين، وتحسن مستوى التواصل الداخلي والخارجي. كما تتمثل في الاعتقاد أن تقاسم مسؤولية التدبير يقوي سلطة إدارة المؤسسة والإخلاص لها ولا يضعفها كما يعتقد المدير الاستبدادي. لأن المدير الديمقراطي يتعامل بشفافية، ويوفر كل المعطيات والمعلومات ويضعها رهن إشارة الجميع، لتكون القرارات المتخذة فعالة وملائمة، سواء على مستوى تشخيص الأوضاع أو صياغة الإشكاليات أو مناقشة الحلول المفترضة. غير أن ذلك لا يعفي مدير المؤسسة من مسؤوليته في التدبير والمراقبة والمحاسبة، لأن الغاية من المقاربة التشاركية تتمثل في الرفع من قدرة المدير على تعبئة كل الطاقات وكل القدرات سواء كانت مؤيدة أو معارضة أو منتقدة، والرفع من قدراته على تدبير هذا الاختلاف في اتجاه إيجابي. تهدف المقاربة التشاركية إذن ﺇلى الرفع من جودة القرارات، وجعلها أكثر ملاءمة مع الحاجيات، وتحسين أجواء الاشتغال، وتحقيق انسجام وتماسك فريق العمل، وﺇيقاظ التحفيز والاستعداد للتجاوب والالتزام وتحمل المسؤولية. ولا يتأتى ذلك إلا من خلال دعم الإحساس بالانتماء عبر الاعتراف بإسهامات ومبادرات الفاعلين، وتحرير القوة الإبداعية لديهم لمواجهة مختلف الإشكالات التي تعترضهم. إن تقاسم المعلومة والمعرفة والخبرة في التدبير، واعتماد المواقف والسلوكات المؤيدة للإشراك، يرسي حكامة عقلانية وحداثية لإدارة التغيير، تنبني على قيم التعاقد والتدبير بالنتائج. التدبير بالنتائج يسعى مشروع المؤسسة إلى تكريس منهجية التدبير الجماعي للمؤسسة من أجل بلورة رؤية جماعية واسترتيجية محلية للارتقاء بجودة الخدمات التي تقدمها المؤسسة. ويعني التدبير بالنتائج أن ترتكز أجرأة هذه الاستراتيجية على تعاقد أي الالتزام بتحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع، محددة من خلال مؤشرات كمية ونوعية في ضوء الإطار الاستراتيجي لتنمية النظام التربوي على المستوى المحلي (تضعه المؤسسة) والجهوي (تضعه الأكاديمية) والوطني (تضعه الوزارة). مما يخلق انسجاما وترابطا منطقيا بين مختلف مستويات البرمجة من جهة وبين التخطيط وإعداد الميزانية وتنفيذها من جهة أجرى. تهدف هذه المقاربة البراكماتية إلى جعل تدبير شؤون المدرسة يرقى إلى مستوى التدبير المبني على التخطيط الهادف والبرمجة المحددة في إطار رؤية استراتيجية واضحة المعالم. كما تهدف إلى جعل المؤسسة التعليمية تتحمل مسؤوليتها في الارتقاء بالخدمات التي تقدمها، من خلال الالتزام بتحقيق الأهداف والنتائج المنبثقة عن التعاقد. والمسؤولية تعني حرية اختيار المشاريع التي تراها ملائمة لحاجاتها انطلاقا من إمكانياتها المادية والبشرية. وتفرض هذه الرؤية مرونة أكثر في تدبير الاعتمادات المخولة للمؤسسة، وتفرض أيضا إقامة علاقة وصيغ جديدة للتواصل بين المؤسسة والأكاديمية والوزارة مبنية على التركيز على المهام والنتائج القابلة للقياس وللملاحظة وليس مبنية على تنفيذ الأوامر المركزية. مما جعل الوزارة تعتزم وضع لوحة للقيادة مدمجة في المنظومة المعلوماتية المركزية لتتبع وتقييم نتائج مشاريع المؤسسة