كانت عشية الأربعاء الماضي من أيام المعرض الدولي للكتاب و النشر بالدار البيضاء لحظة استثنائية في مسيرة هذه التظاهرة الثقافية الوطنية السنوية بامتياز، لحظة التأمت فيها مختلف الأطياف الفنية والثقافية والفكرية.. للاحتفاء بروح أحد أعلام المسرح الكبار، الذين افتقدتهم الساحة المسرحية مؤخرا.. ليس بالمغرب وحده، ولكن في مجموع العالم العربي وفي كل تربة اعترفت بعظمة عطاءاته وقيمة تجديداته وابتكارته واجتهاداته في " أب الفنون" .. إنه الفنان الكبير الطيب الصديقي الذي استحضرت روحه هذه الأيام الثقافية لأجل البوح ببعض ما قدمه من خدمات جليلة وعظيمة على مستوى الفن المسرحي، التي لا شك ستبقى خالدة في الذاكرة وكتب التاريخ، الورقية منها والإلكترونية.. فتحت شعار " الطيب الصديقي أو من أجل حب الإنسانية"، نظمت وزارة الثقافة ومؤسسة الطيب الصديقي للثقافة والإعلام بقاعة عبد الهادي التازي في ذات التاريخ أعلاه جلسة حميمية استذكارية فنية.. امتزج فيها الأداء المسرحي بالغناء، وأدبية استعرض فيها الشعر و الزجل.. لكن قبل هذا وذاك استرجعت فيها الذاكرة عبر شهادات طبعت أحيانا بضحك وأخرى ببكاء.. حول طينة هذا الفنان المعطاء النادرة ... كانت جلسة استقطبت كل الوجوه المسرحية من الرواد وجيل الشباب والمثقفين والإعلاميين ومريدي المعرض الذين لم تستوعبهم القاعة التي استهلت نشاطها هذا ب" دخلة" غنائية جميلة من مسرحيات هذا المبدع الشامل أداها ثلة ممن واكبوا وشاركوا في أعماله، قبل أن يستمع الحضور إلى رسالة التعزية الملكية في حق الراحل الكبير، رسالة ذكرت بمناقب الفقيد وخصاله وعطاءاته الفنية الاستثنائية ليس مغربيا أو عربيا فقط بل دوليا، الرسالة التي قامت بتلاوتها الفنانة والوزيرة السابقة ثريا جبران التي كانت مصحوبة بوزير السياحة لحسن حداد ، صديق الراحل، الذي كشف عن شخص الشاعر فيه، حيث تلا قصيدة شعرية باللغة الفرنسية يرثي فيه صديقه الصديقي كتبت يومين بعد وفاته استجمع فيها صفات من الصديقي ومسرحه وفكره.. المناسبة ذاتها كانت فرصة أيضا لعرض مقتطفات من فيلم وثائقي بعنوان " الطيب الصديقي حكواتي الازمنة" للمخرج أيوب العياسي أنجزه على مدى ثماني سنوات، منذ انطلاق بناء مشروع بناء مسرحه - مسرحنا " موكادور" بالدار البيضاء الذي لم يكتمل بعد، إلى اللحظات الأخيرة من وفاته، والذي سيكون مناسبة عرضه كاملا على مدى 90 دقيقة في ذكرى إحياء أربعينية الفقيد الكبير، وهي المقتطفات التي تفاعل معها الحضور كثيرا باعتبار أنها كشفت عن جوانب كثيرة من حياة هذا الفنان الذي كان يعيش أيامه بأسلوب العظام، هاته الصفة التي وصفها، زجلا، الكاتب العام لوزارة الثقافة لطفي المريني الذي ناب عن الوزير الذي كان في مهمة رسمية، حيث اعتبره فريد عصره ومن فلتات الزمان ومن نمط الرجال الذين لا يمكن وضعهم في ثنائية الخاصة والعامة ولكن في دائرة خاصة الخاصة.. كلمة أصدقاء الفقيد الطيب الصديقي كانت حاضرة أيضا بقوة في هذه الأمسية الإنسانية التي سير جلستها الإعلامي بلعيد بوميد، انطلقت بداية بالرسالة المؤثرة لعبد الله الستوكي التي أبكت الفنان محمد زهير، الذي قرأها بالنيابة عنه، رسالة استحضرت بدورها الكثير من الخصال الحميدة لهذا الفنان الذي كانت تجمعه به العديد من الأحلام والأماني .. التي أفصح بشأنها أنها ستكون مشروع كتاب قد ينشر مستقبلا ، كما كانت شهادة الأستاذ مسعاية، المدير السابق للمعهد المسرحي والتنشيط الثقافي بالرباط، الذي اعتبر الصديقي أستاذا كانت له حاسة اكتشاف المواهب بامتياز، والدليل في ذلك أنه كان وراء بروز الكثير من الفنانين الكبار الآن والمجموعات الفنية الموسيقية المغربية العتيدة من قبيل ناس الغيوان وجيل جيلالة وتكدة ... الأمر الذي يوضح انه كان حالة استثنائية في هذا المجال .. هذا المجال الذي قال فيه الأستاذ الجامعي والإعلامي حسن حبيبي، مؤلف أحد الكتب عن الراحل، أن الطيب الصديقي عاش مختلفا ومات مختلفا " كان الكل في جنازته يبرز هذا الاختلاف من خلال حكايات وقصص وأحداث، وإن تنوعت.. فإنها تجتمع كلها حول عبقرية هذه الرجل وموسوعيته وقدرته الفائقة على بعثرة المألوف.." الكاتب الصحافي حسن نرايس "سود" بياض ورقته التي حظيت بتصفيق القاعة، بكلمات نهلت من كل ما ينتسب لتراث اللغة والمصطلحات والأعلام.. ، وهو ذات التراث الذي نبش فيه الراحل الطيب بحثا وفنا.. وقدم عبرها أعمالا خالدة.. كما خلدته وستخلده شهادات تلامذته ومريده من الفنانين الذين اشتغلوا تحت إدارته من قبيل الفنانة خديجة أسد ومصطفى الزعري وغيرهما .. حيث أكدوا على أن الرجل كان هرما شامخا على جميع المستويات وذا كاريزمية لا تضاهى وسرعة بديهة..