عن أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال : ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا )... وقال (ص) : « ليس المؤمن بالطعان ، ولا اللعان ، ولا الفاحش ، ولا البذي » . ...ان ما يعنينا هنا هو ما يتلبس بالنفس ويظهر على السلوك ويصاغ بكلام يخرج عن الضوابط الشرعية والعقلية والإنسانية وذلك بسبب سوء التلقين وخلط في تلقي المعارف أيا كانت مرجعيتها ...روحية أو مادية ...ذلك التلقين الذي يكون أصحابه مشبعين ومهووسين بكل ما نبهنا اليه سيد الخلق وخاصة الجوانب المتعلقة بتكوين الشخصية السوية وتميزها الإنساني المتحضر والرفيع ...فنجد الحالة بإجراء تحليل نفسي اسلامي - ان صح التعبير - على الفئة المعنية أنهم مصابون بازدواجية في الشخصية يناقض ظاهرها باطنها والعكس صحيح ..كما يناقض منطوق الخطاب عندها جوهر دلالات المرجعيات الأصلية أي الكتاب أولا ثم السنّة ثانيا ..ونجد مستوى تضخم الانا الوضيعة يصل انحرافه إلى مستويات تصبح فيه مشبعة بمتعة استعباد الناس بخلط الدين بالسياسة والسياسة بالدين من اجل اخضاع الناس لمشيئتهم باعتبارها في نظرهم الخارجي التكفيري من مشيئة الرب والعياذ بالله ..مما تحرم معه عندهم المخالفة وإبداء الرأي .. فان تأملنا تاريخ الطغاة والمغرورين ومدعي النبوة فإننا نجد القاسم المشترك بينهم هو إصابتهم بجنون وعته وهذيان السلطة والتحكم ..كما نجد الخيط الناظم لعلاقاتهم يتخذ اشكالا متقاربة منطلقها تحقير الآخرين وتبخيس أعمالهم واتهامهم بالجهل و تعمد إيصال الإساءة بكل الأساليب، مرفقة بأحكام ظالمة جاهزة ،تُفصل على مقاس المستهدف ،أي كل من يرى غير رأبهم حتى وإن لم يكن لهم أي رأي في المسألة المستجدة .. مع تعمدهم اثارة النعرات والصراعات الهامشية للإيقاع بين الناس بهدف تكسير شوكتهم وإضعافهم ...وقد يتوج الامر بالانتقال من العنف المعنوي واللفظي إلى العنف المادي الذي يتخذ عدة اشكال منها القمع والشطط في استعمال السلطة وتأويل وتفسير القانون وفق الأهواء والأمزجة ..مبتغاهم أن يخلو لهم الجو ليحققوا ما يتراءى لهم في أضغاث أحلامهم من أنهم سيحكمون الأمة بمفردهم وسيجعلون الشعوب خاضعة وامعة يفترض فيهم ويجب عليهم فقط الاستماع الى التعليمات والأوامر من شيوخ بعينهم ومذاهب محددة ومن دول بعينها. جرتهم عصبيتهم التحريفية الى التطفل على التشريع الالهي فحرموا ،بسبب جهلهم، ما حلل الله أباحه ..وأفتوا في قضايا فردية واستثنائية وعمّموها على الأمة فضلوا وأضلوا ..وتسببوا في إساءات لا قبل للديانات السماوية بها عبر التاريخ...و يمكن اختزال مساعيهم تحت أي مسمى أو مبرر بضرورة طاعة «الحكومات « ولو أحرقت سياساتها الأخضر واليابس ...ولو أنها ستؤدي على المدى القريب أو المتوسط إلى مفسدة أي نقيض ما يعلن ويظهر ويفسر للناس في أي زمن حاضر ... في حين ان الواجب الشرعي يلزم الناس ان يقدموا النصح وينتقدوا ويدفعوا بالتي هي أحسن، بل ان يواجهوا بكل الاساليب المشروعة لتنبيه الذين يظنون بحسن نية أو جهل أو عن قصد، أن ما هم مقبلون عليه هو عين الصواب، والحال عند الخبراء والمختصين أنه الخطر الذي لا خير سيجنيه الشعب من ورائه... ...إن مداخل الالتفاف على العدالة والديمقراطية يكون بعدم الاستماع الى القوى الحية والمنظمات والهيئات التي تؤطر و تدافع وتحمي حقوق الشعب من خارج المؤسسات الرسمية ..ويكون بالتشكيك في كل المبادرات الطيبة والموضوعية والصادقة ..ويكون ببسط سياسات وقرارات وإرادة السلطة/ الحاكمة، ولو كانت متعارضة مع ارادة الشعب وماسة بمصالحه ..ويتمظهر هذا الامر بمحاولة اقناع المواطنين بالتفرغ « لشؤونهم؟؟ .. وترك السياسة «الرسمية « لأصحابها ..وأما كل من عمد إلى إبداء معارضة مصحوبة بنضال جماهيري ..فينظر اليه من زاوية مظلمة ويصنف على انه خروج عن الجماعة و مخالف ل «الشرع ؟؟ ولا غرابة أن صنع للمسالة «فتوى» محملة بأحكام تشعل حرائق لايمتلك أي أحد القدرة على إطفائها ... قد يقول البعض إن ما ذكر أعلاه فيه مبالغة ..لكن الجواب البسيط هو فتح كتب التاريخ الموضوعية والعلمية بما فيها التاريخ المعاصر لنجد المجازر والظلم الفاجر يمارس على المسلمين والمسلمات وخيرة العلماء والصلحاء باسم الاسلام ..ومازال الامر كذلك في عدة مناطق يطلق عليها العالم الاسلامي .. فبماذا ستفيدنا مراجعاتهم التي تأتي متأخرة ليعلنوا توبتهم ...لكن لا يضمنون للأمة توبة ومراجعات كل أتباعهم أو من لقنوهم أفكارهم التكفيرية والمشبعة بالغلو والتعصب والكراهية تجاه المسلمين المخالفين لهم ،خاصة، وتجاه غير المسلمين ،عامة ... فهل حالة الأمة الإسلامية لا تخفى مصائبها وعللها وأمراضها على أحد فهل يمكن أن تصحح و تعالج بالصدقة ..؟ أم أننا نحتاج إلى ثورة فكرية ومعرفية شاملة ترجعنا الى المحجة البيضاء التي ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك .. إن كل من يسعى باسم الدين أو السلطة من أجل التحكم في كل شيء والتفرد بأي شيء وجعل الآخرين امعات او أعداء .. لاشك أنهم يخالفون سنن الله في الكون والخلق ويناقضونها..ولاشك أنهم زائغون سيتسببون ،إن تُركوا على جموحهم، في هلاك الحرث والناس والدولة ، وسيتسببون في الإساءة للدين الذي لا إكراه فيه ولا إجبار ولا تخلف فكري ..ولا شك أن الخراب الذي أحدثوه في العديد من بقاع الدنيا وراءه ما يسمى عندنا النفس الأمارة بالسوء والمتشيطنة ... ونختم بأن هؤلاء يحتاجون أولا إلى تصحيح ومراجعة أفكارهم وسياساتهم التي لا تجلب إلا الفتن والفرقة و...ويحتاجون الى « نفس لوامة « متيقظة تمنعهم من الانزلاق نحو متاهات الضياع والتضييع ...وأن الأمر يتطلب يقظة كل الضمائر الحية من أجل محاربة الجهل والتجهيل والتضليل الذي يمارس يوميا في العديد من الواجهات ويزيد شعوبنا تخلفا وتحجرا وتبعية قاتلة لمن هب ودب من المتخلفين والمتسلطين في مشارق الأرض ومغاربها ..كما يحتاج إلى أن يقوم كل الصلحاء من اليمين والوسط واليسار بتقديم نقذ ذاتي وتهذيب الأنفس وربط الكلام والنظريات بالعمل الوطني الهادف والعادل ... قال تعالى ((وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب)) سورة المائدة. وقال (ص): «المسلم من سلم الناس من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه.»