بعد الإعلان الرسمي عن تصنيف الموسم الفلاحي الراهن ضمن دائرة المواسم الجافة ، مقارنة مع حصيلة السنة المنصرمة ، بعجز مائي من التساقطات يناهز 63 في المائة استحضارا لمعدلات «موسم عادي» من الأمطار ، لدرجة جعلت تنبؤات الخبراء الأكثر تفاؤلا، تحدد «حصاد – مردود «الموسم في 20 مليون قنطار مقابل 110 ملايين قنطار المتوجة بها السنة الفلاحية المنقضية، بدأت هواجس القلق والخوف تطارد المنتمين للفئات الاجتماعية المرتبطة يومياتها ب» عطايا الأرض «، والتي يلخصها سؤال محوري مفاده: ما هي سبل التكيف مع هذا «الطارئ المناخي «ذي التداعيات السلبية على أكثر من صعيد؟ سؤال يستمد مرجعية طرحه من كون العديد من الدراسات تؤكد « أن الجفاف يؤثر على نظام البيئة والزراعة ، إذ أن فترة قصيرة من انحباس الغيث تبقى كافية لإلحاق أضرار كبيرة بالاقتصاد الوطني»، علما بأن المغرب ، سبق له ، خلال القرن العشرين ، أن عاش تحت «الظلال القاتمة « للجفاف أكثر من 10 فترات ، نجم عنها تراجع للموارد المائية السطحية ونضوب مياه العيون والآبار مما أثر بشكل كبير على الإنتاج الزراعي والحيواني وكذا الغطاء النباتي. تداعيات تجعل موضوع المراعي يطفو على سطح الاهتمام والأولويات، بالنظر لامتدادها الوازن على مستوى «الجغرافية الوطنية»، حيث «تبلغ مساحتها 53 مليون هكتار، منها 21 مليون قابلة للإعداد، و3.5 ملايين هكتار كمروج حلفاء، و5.5 ملايين هكتار ضمن المجال الغابوي منها 800000 هكتار تخص غابة الأركان وحدها» ، وفق إحصاءات رقمية تضمنها «البرنامج البيو جهوي لتنمية المراعي وتنظيم الترحال بمنطقة تدخل المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي لورززات»، والتي تشير إلى أن «المجال الرعوي يعد مصدرا مهما للكلأ بحوالي 3.5 ملايير وحدة علفية ، أي ما يعادل 8.85 ملايير درهم»، وهو « خزان أساسي للأعشاب العطرية والطبية والفطريات» الترفاس»، إلى جانب كونه «موطن عيش العديد من الأصناف الحيوانية، ويلعب دورا محوريا في تثمين المياه ومحاربة التصحر « ، مع «مساهمة في التغذية الحيوانية تناهز معدل 30 في المائة ، والتي يمكن أن تبلغ 80 أو 90 في المائة بالنجود العليا والمناطق الجبلية». هو مجال ذو أهمية كبيرة تستوجب الإطلالة على «شكل» حضوره ضمن «مخطط المغرب الأخضر»، حيث تفيد معطيات المصدر السالف ذكره، بأنه في سياق العمل «من أجل تنمية المراعي تم إعداد قانون رعوي وطني صودق عليه من طرف مجلس حكومي، في بحر سنة 2015، وضع هياكل تنسيقية بين مختلف المتدخلين في المجال الرعوي على المستويات المحلية ، الجهوية والوطنية، تطوير مجال البذور الرعوية وخلق ملحقات للمركز الوطني لإنتاجها، إعداد تصاميم ومخططات لتهيئة المراعي ، وتنفيذ مشاريع مهيكلة لتنميتها»، مع «استحضار التجارب السابقة بهدف استخلاص الدروس منها» لتدارك النقائص المسجلة في أفق «تحسين مستوى التنظيمات الرعوية». هذا ويبقى مربو الماشية في صدارة الفئات الاجتماعية المعنية ب» التطورات «الخاصة بمجال المراعي ، وبهذا الخصوص سجلت مجموعة من الخطوات واتخذت تدابير بمنطقة تدخل المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي لورززات إلى حدود 2015 - كنموذج – تجسدت في «إعداد المخطط المديري لتهيئة المراعي الشبه صحراوية بإقليمي ورززات وتنغير ودائرة فم زكيد، صياغة مشروع لتنمية المراعي وتربية الماشية بجهتي سوس ماسة درعة وكلميم السمارة – قبل التقسيم الجهوي الجديد – الشروع في إعداد المخطط المديري لتنمية المراعي بإقليم زاكورة ودائرة تالوين ، وضع الأولويات في مجال نقط الماء لشرب الماشية ، الشروع في إعداد المخططات المديرية الخاصة بسلاسل الإنتاج المرتبطة بالمراعي...». إجراءات من بين أهدافها «إرساء الأسس التنظيمية والمؤسساتية من أجل تدبير مستدام للموارد الرعوية عبر تثمين الرأسمال المادي وغير المادي ، تحسين إنتاجية وتدبير الموارد الرعوية والحيوانية مع ضمان استدامتها كقاعدة إنتاجية لتنمية سلاسل الإنتاج المرتبطة بها، وجعل هذه الأخيرة من الدعامات الأساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية بالمنطقة...». وفي السياق ذاته سبق للمديرية الجهوية للفلاحة لسوس ماسة درعة ، تنظيم الملتقى الجهوي للترحال والرعي يوم 4 فبراير 2015، تحت شعار «الترحال والرعي .. تحديات الاستغلال وآفاق التنظيم «ناقش خلاله خبراء» دور تحسين المراعي في المحافظة على البيئة الرعوية وتنمية قدرات الكسابة الاقتصادية والاجتماعية»، مع تسطير غايات كبرى من بينها «حماية التنوع البيولوجي، تنظيم الترحال، وتحسين دخل الرعاة...». وعلى المستوى السوسيو - اقتصادي ، يجدر التنبيه إلى أن شجرة الأركان تحتكر أكثر من 63 في المائة من المساحة الغابوية بجهة سوس ماسة درعة – في إطار التوزيع القديم للجهات – وتتميز منظومتها بقيمتها الكبيرة في مجال الرعي من جهة ، كما تستعمل زيوتها في التغذية والتجميل، ومن جهة أخرى يعد الخشب موردا أساسيا للطاقة، إلى جانب استغلال مجال الأركان في الفلاحة، وخاصة زراعة الحبوب. هذه الشجرة الفريدة، التي وسمت الجانب الطبيعي والثقافي للمنطقة ، منذ قرون ، أصبحت عرضة ، في العقود الأخيرة ، للأسف، للعديد من عوامل الضغط مثل التطور الديمغرافي والجفاف وتوسع النشاط الرعوي غير المنظم ، علما بأن اليونيسكو صنفت منظومة الأركان سنة 1998 كمحمية عالمية! هي ،إذن، تدابير و»مشاريع» أضحت محط متابعة وترقب من قبل الساكنة – المستقرة منها والقائمة يومياتها على الترحال – التي تزداد معاناتها وتتعدد صنوف محنها كلما حط الجفاف بوطأته على هذه المناطق، المعروفة أصلا بندرة المياه فما بالك إذا انحبس الغيث وجفت الآبار وصار الحصول على قطرة ماء يستدعي قطع كيلومترات بعيدة ؟!، ساكنة يبقى حضورها في مقاربة تشاركية – كما أكدت على ذلك فعاليات مدنية بالمناطق المعنية - ذا أهمية مفصلية في العمل على تبديد كل أسباب القلق بشأن مستقبل أنشطتها الرعوية، وذلك عبر حملات التوعية والتحسيس وتقريب مضامين البرامج المسطرة لحماية المراعي وتنميتها.