كل عام تهاجر طيور الحباري الصحراوية النادرة التي يفضل شيوخ منطقة الخليج العربي لحومها كعامل محفز للشهوة الجنسية من آسيا الوسطى إلى أصقاع بعيدة في العراقوباكستان بحثا عن الجو المعتدل وأماكن تصلح لوضع بيضها وتربية صغارها. وهذه الرحلة تؤدي بدورها إلى هجرة أخرى إذ يشد عشرات من أثرياء منطقة الخليج الرحال إلى العراق لصيد هذه الطيور باستخدام الصقور المدربة خلال شهور الشتاء. غير أن خطف 26 قطريا في ديسمبر في الصحراء العراقية أثناء قيامهم بالصيد ومن بينهم بعض أفراد الأسرة الحاكمة سلط الضوء على المخاطر المحدقة بممارسة "رياضة الملوك" في وقت تتزايد فيه الاضطرابات على المستوى الاقليمي. ولم يعلن أحد مسؤوليته عن عملية الخطف التي وقعت في منطقة السيطرة فيها لفصائل شيعية مسلحة. لكن الواضح أن الثروة الهائلة في قطر وما حققته حكومة الدوحة من نجاح سابق في تحرير سجناء سياسيين في مناطق الحرب جعل مواطنيها فريسة للساعين إلى الحصول على المال واستغلال النفوذ الدبلوماسي الذي تتمتع به قطر. وقال عبد الرحمن حمود رئيس جمعية الصيادين العراقية في السماوة حيث خ?طف القطريون لرويترز "خطف الصيادين القطريين وجه صفعة مؤلمة لسمعة مناطق جنوبالعراق كلها." وأضاف "نحن مجتمع قبلي والصيادون الخليجيون ضيوفنا. وبعد الخطف لن يأتي صياد واحد من الخليج إلى العراق خوفا من خطفه. وسيستغرق إصلاح الضرر وإقناع الصيادين الخليجيين باستئناف رحلاتهم للعراق وقتا طويلا." وربما كانت هذه الرياضة أكثر رياضات الصيد حاجة للإعداد ووضع الترتيبات إذ تنقل طائرات النقل الخيام وسيارات الجيب الفاخرة وصقورا تبلغ قيمتها مئات الالاف من الدولارات إلى مهابط جوية أنشئت خصيصا في الصحراء. ويحتفظ كبار الأثرياء بصقورهم في غرف وأقفاص ضخمة مكيفة الهواء تطير فيها الصقور بحرية كما يستخدمون مناطيد تعمل بغاز الهليوم وطائرات دون طيار لتدريب الطيور على ارتفاعات شاهقة. ومن الممكن للمجتمعات المحلية أن تستفيد من هذه الهواية التي جعلت النخب العربية تحول المال إلى أركان نائية في الشرق الأوسط وخارجه وذلك عن طريق سداد رسوم تصاريح الصيد وتشغيل الأيدي العاملة. وسعيا لكسب ود المجتمعات المحلية التي يهبط هؤلاء الاثرياء على أرضها من أجل الصيد قام الصيادون العرب بشق الطرق وبناء المدارس والمساجد في أماكن مثل إقليم بلوخستان الباكستانيوإقليم هلمند الأفغاني في حين استفاد السكان أيضا من مهابط الطائرات التي أقيمت وفقا للمعايير الدولية. ويترك الأثرياء خلفهم العربات الجديدة رباعية الدفع بعد انتهاء موسم الصيد كهدايا للقيادات المحلية. لكن المنتقدين يقولون إن الصيد بالصقور الذي استخدمه العرب من البدو الرحل كوسيلة للبقاء في الصحراء أصبح اليوم هواية رعناء تهدد بفناء طيور الحبارى التي تتناقص أعدادها وتحول المال إلى مناطق خاضعة لسيطرة ميليشيات. من المعتقد أن تربية الصقور ترجع إلى آلاف السنين في منطقة الشرق الأوسط وعلى مر القرون ظل الصيادون من البدو الرحل يعتمدون على الصقور. غير أن سرعة انتشار العمران والنمو السكاني بفضل اكتشاف النفط أدت إلى التهام الأراضي الصحراوية التي كانت تصلح موطنا لتربية الصقور ولعيش فرائسها. وفي الستينات بدأ مربو الصقور يوسعون مناطق الصيد لتشمل ايرانوالعراقوباكستان وكذلك أذربيجان وموريتانيا والمغرب وذلك للصيد في مناطق تغطي آلاف الكيلومترات المربعة. وقال محمد الخاطر الطالب في جامعة قطر الذي يدرب الصقور ويربيها في أوقات فراغه إن هذه الهواية "خطيرة. فالصيادون ينتقلون إلى مناطق ساخنة لأنك تجد فيها الصيد الوفير. وهذه مجازفة لكنهم يعشقون ذلك."لكن عمليات الصيد تسبب الخلاف. وتقول منظمة بيرد لايف انترناشونال إن أعداد طيور الحباري على مستوى العالم تقدر بما بين 79 ألفا و97 ألفا وتصنفها على أنها معرضة للخطر. وتقول المنظمة إن عدد طيور الحبارى انخفض بمقدار الثلث أو يزيد خلال العشرين عاما الأخيرة بسبب الصيد وتقلص المناطق التي تمثل موطنا صالحا لها. وأصدرت المحكمة العليا في باكستان العام الماضي حكما يقضي بحظر صيد طيور الحبارى بعد شكاوى من دعاة الحفاظ على البيئة من أن هذه الطيور عرضة للانقراض غير أنها ألغته الشهر الماضي عندما جادلت الحكومة بأنه يضر بالعلاقات مع دول الخليج التي تعد من المستثمرين الرئيسيين في البلاد. وقال تقرير رسمي تم تسريبه إلى وسائل إعلام باكستانية إن أحد كبار الأمراء السعوديين وحاشيته اصطادوا 2100 طائر على مدى 21 يوما خلال رحلة صيد عام 2014. ويقول الصيادون إنهم يربون من طيور الحبارى ما يعوض ما يصطادونه منها ويشكون من تحويل زياراتهم إلى قضايا سياسية بلا داع. ويدافع أحد العاملين برتبية الصقور بجمعية القناص القطرية عن هذه الرياضة قائلا "هؤلاء الناس مربون للصقور ولا يمكن أن تنتزع ذلك منهم. حتى إذا جردتهم من الرحلات فهي جزء من شخصيتهم. كل المشاعر الانسانية مرتبطة بكونك مربي صقور. هي متأصلة جدا." وأضاف "هي رحلة تقليدية وهم يودون الحفاظ عليها لاسترجاع جو حياة الصحراء. وهذه هي روعتها. فهي إجازة رائعة لهم." لكن الإجازات انتهت في الوقت الحالي على الأقل في العراق. ففي أعقاب خطف القطريين قال العقيد محمود عباس بوزارة الداخلية العراقية إن مواطني دول الخليج لن يتمكنوا بعد الآن من الحصول على تأشيرات "حتى إشعار آخر".