تقديم: في حوار أجريناه معه في بيته بحي مصدق الدقي بالقاهرة ، والذي نسجل فيه حفاوة الاستقبال من مفكر كبير لجريدة الاتحاد الاشتراكي، قال الدكتور جابر عصفور أن مصر لأول مرة في تاريخها تعاني من الخطر من غربها وشمالها وشرقها وجنوبها، فهي محاطة بالأخطار من كل مكان ومع ذلك فهي لديها القدرة على المقاومة .وأضاف المفكر المصري أن هذه القدرة داخلية وهي قادرة على أن تستمر وتنتصر ، لكن لكي تنتصر انتصارا نهائيا ينبغي أن يكون هناك اهتمام كبير جدا بالثقافة والتعليم، مؤكدا أن أربعين في المائة من الشعب المصري أمي ، ومثل نفس النسبة يعيشون تحت خط الفقر . مسجلا أن هاذين العنصرين هما أكبر خطر من الجماعات الإسلامية والجماعات الإرهابية المسلحة , قائلا أن الفقر والأمية هم التحدي الكبير ، وفي الوقت الذي ينبغي أن نحارب فيه الجماعات الإرهابية عسكريا ينبغي أن نحارب الإرهاب فكريا عن طريق الثقافة والتعليم ، ونحارب الفقر عن طريق التنمية. o مرحبا بك دكتور جابر عصفور في حوار لجريدة الاتحاد الاشتراكي نريد أن نسمع صوتك من خلالها للمغاربة لمعرفة انشغالاتكم بعد زمن ما سمي بالربيع العربي ..؟ n مرحبا بك وبجريدتك بالقاهرة، وتحياتي من خلالك لكل المغاربة .. o طيب دكتور مابين 2011 و2016 جرت مياه كثيرة تحت الجسر وفوقه، وما يهمنا في هذه المياه غياب صوت المثقف أو تغيبه أو غيب نفسه، في قراءة هذا الزمن، بناء على الحياد سلبا وإيجابا أو الانتظار لاستكمال المعطيات، نريد أن نسمع رأي الدكتور جابر عصفور فيما حدث، وكيف حدث، وما هو تحليلكم من الموقع الفكري لذلك؟ n أولا لم يغب دور المثقف، لأن ما يسمى بثورات الربيع العربي هي نتيجة لممارسة ثقافية ، بل نتيجة لما كتبه المثقف الحر الشريف في مهاجمته للفساد والطغيان بالزمن غير الهين، وبالتأكيد فكتاباته حققت المعادلة التي تقول : « التغيير بالكم يؤدي لسؤال التغيير بالكيف» ، ومن المؤكد أن الشباب اللذين أسقطوا بنعلي في تونس ومبارك في مصر وغيرهم.. هؤلاء قرأوا كتابات المثقفين ،وتأثروا بها إلى أن جاءت اللحظة المناسبة لإعلان غضبهم فانفجرت الثورات، التي لم تكمل طريقها كثورة وإنما استولى عليها من أطراف لم تكن واضحة في الميدان مثل ما حدث في مصر في ثورة 25 يناير ،التي لم تمضي إلى نهايتها الطبيعية ، فسطا عليها الإخوان المسلمين، لكن مع ذلك لم يستمر السطو طويلا وظل في مدة قصيرة لم تتجاور السنة التي أحب نعتها بالبائسة والمفجعة، واستطاع الشباب المصري أن يثور من جديد بكتابة استمارات وأن يمضي عليها الشعب المصري لتتحقق ثورة 30 يونيو ونكون ما نحن عليه اليوم. o نعتبر هذه القراء ة التي تقدمتم بها سريعة بطبيعة السؤال الصحفي الذي لا يتسع لحيز أكبر، لكن هناك قراءات قدمت بخصوص الحراك العربي حتى لا نسمي ما وقع بثورات لها دلالات كبرى في مطالب التغيير و إستراتيجيته، وهي قراءات متباينة، فهناك من يرى أنه بالفعل هناك مطالب بالحرية والكرامة ، وهي مطالب مشروعة ولكن هناك كذلك مخططات استعملت هذه المطالب من أجل الهيمنة والتحكم في مصير الدول ..؟ n أولا العالم العربي ليس كيانا واحدا فهو مجموعة متنافرة من الأنظمة ، وحتى ثروة العالم العربي ليست موزعة بطريقة طبيعية ، والعالم العربي كله ليس أواني مستطرقة وإنما هو أشبه بكيانات متعارضة، و متضادة سياسيا واجتماعيا و إقتصاديا ، فمن الطبيعي أننا لا نستطيع أن نتكلم عن العالم العربي بإعتباره وحدة واحدة ،وإنما هناك دول غنية وأخرى فقيرة ، والمشاكل التي تعانيها الدول الغنية غير ها في الدول الفقيرة، لكن في آخر الأمر تبقى مجموعة من الدول متشابهة في الظروف، مثل مصر وسورياوالعراق والمغرب وتونس، والتي تمر بمرحلة مخاض أو مرحلة إنتقال عسير ، وهو انتقال لم يكتمل بعد . ولأنها عملية انتقالية عسيرة فلابد أن تجد أمامك أوضاع مرتبكة على مستوى الحريات والعدل الاجتماعي وتوزيع الثروة، و حتى على مستوى توزيع الثقافة. و هذا أمر طبيعي لأن لم تستقر بعد الأوضاع. نحن الآن نعاني من مخاطر هائلة داخلية وخارجية . ففي البداية كان لدينا عدو أساسي اسمه الاستعمار، واليوم لدينا عدو داخلي هو الإسلام الإرهابي وهذا الإسلام الإرهابي يمول بثروة مناطق من الخليج ويلقى دعما من أمريكا ، وأعتقد أن هذا هو الخطر المباشر الذي نواجهه الآن. o مصر اليوم تواجه إضافة إلى ما ذكرتم من تحدي الإرهاب واستعمال الدين وتحدي الدوائر الإخوانية التي ليس لها حدودا وطنيا بل حدودها في الأمة باشتغال دولي، تواجه تحديات من موقعها القريب من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، كما تواجه قربها من دول الطوق بصفة عامة وما يحدث من إنزلاقات كبرى في سوريا، وما يحدث في العراق حيث تشكلت دولة قائمة دينية سمت نفسها بالدولة الإسلامية، كل هذا المحيط يجعل مصر في بؤرة التحدي الكبير ، ترفع مصر اليوم فيه شعار المواجهة بثقلها التاريخي وبنخبها وكذلك بجيشها ، لمواجهة الخطر، كيف تقرأون هذه المواجهة هل هي عسكرية أم ثقافية كما رفعتم الشعار بذلك في معرض الكتاب بالقاهرة، أم مواجهة سياسية، أم ماذا؟ n مصر لأول مرة في تاريخها تعاني من الخطر من غربها وشمالها وشرقها وجنوبها، فهي محاطة بالأخطار من كل مكان ومع ذلك فهي لديها القدرة على المقاومة . وأنا أعتقد أن هذه القدرة داخلية وهي قادرة على أن تستمر وتنتصر ، لكن لكي تنتصر إنتصارا نهائيا ينبغي أن يكون هناك إهتمام كبير جدا بالثقافة والتعليم، لأن لدينا أربعين في المائة من الشعب المصري أمي ، ومثل نفس النسبة من يعيشون تحت خط الفقر . وهاذين العنصرين هما أكبر خطر في البلد، فهما أخطر من الجماعات الإسلامية والجماعات الإرهابية المسلحة ، فالفقر والأمية هم التحدي الكبير ، ففي نفس الوقت الذي ينبغي أن نحارب فيه الجماعات الإرهابية عسكريا ينبغي أن نحارب الإرهاب فكريا عن طريق الثقافة والتعليم ، ونحارب الفقر عن طريق التنمية. o طيب سؤال سيناء وما يحدث من عمليات إرهابية لشل القدرات العسكرية المصرية، هو سؤال مطروح بقوة ونحن نتحدث عن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بممارسة الإرهاب في سيناء، ألا يبدو ذلك غريبا في تلاقي إرادة الإرهاب مع إرادة إسرائيل؟ n ليس غريبا لأن الإرهاب في سيناء نتيجة لأسلحة تدفقت على سيناء في فترة حكم الإخوان ، وتحولت فيها سيناء إلى مخازن ذخيرة وأسلحة مجهزة لمثل هذا اليوم، وكان مشروع الإخوان الإسرائيلي أن تتحول سيناء إلى ولاية إسلامية مع غزة وتنشأ الدولة الإسلامية في غزةوسيناء. o هذا يعني أن يدا إسرائيلية في المخطط؟ n نعم ..نعم .. بكل تأكيد. o الإخوان المسلمين وجدوا منذ ما يزيد عن ثمانين سنة، وهذا تنظيم موجود على الأرض، والسؤال هل المواجهة التي ترفعها مصر اليوم يمكن أن تشملها مواجهة أخرى بالحوار على اعتبار أن هؤلاء أبناء مصر؟ n الحوار مع من ؟ o مع مواطنين مصريين يحملون الفكر الإخواني؟ n لا حوار مع قاتل...عندما يكون هناك من يرفع السكين لكي يطعنك بها ، كيف تحاورينه. ففي البداية ينبغي أن تحمي نفسك منه، وأن ترديه على أعقابه، لا حوار الآن مع الإخوان المسلمين حتى يتوقفوا عن العدوان .. o هناك قراءة تقول أن مصر استردت أنفاسها في ظل النظام الحالي الذي يقوده المشير السيسي . وأنتم كمثقفين -رغم كل ما قيل عن هذا النظام من آراء مختلفة خصوصا من الدوائر الإسلامية – ما هي قراءتكم للوضع؟ n أنت الآن موجودة في القاهرة ، وتشعرين بالأمان، و كنت بمعرض الكتاب، وشاهدتي الإقبال على حدث ثقافي كبير في ظرف جيد بأمن وأمان، وما يسمى بالوجود الإرهابي واجهناه والحمد لله أمنيا وعسكريا وهو لا يستطيع أن يفسد الحياة أو يختل بالحياة في مصر، وكل ما يحدث هو نتيجة تسليم بعض التمويلات لبعض الفقراء جدا ليفجروا قنبلة هنا أو عبوة ناسفة هناك، لكن هذه أشياء مقدور عليها ، وستنتهي، ونحن مع بداية النهاية. o إنشاء لله مصر بخير ...نعود الى الشطر الثاني من الحوار والمتعلق بمشروعكم الفكري والثقافي. كان المفكر جابر عصفور فعلا ومازل بطبيعة الحال يحمل مشروعا كبيرا. كتبت عنه وأعلنت ذلك في أكثر من مناسبة وهو المشروع الديمقراطي الحداثي للمثقف العربي ، بنفس مغاير لمسناه فيك بانفتاحك على الغرب وبدفاعك عن الهوية ، وربطت هذا المشروع بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وكنت متميزا بالفعل في طرحك في الوسط الثقافي العربي والأجنبي، فهل هذا المشروع الذي حملته وتتلمذ عليه العديد من طلبتك في العالم العربي انكسر أم أنه قائم ومتوجه للمستقبل؟ n هذا المشروع أراه اليوم فيما أراه حولي، الآن عندما أتطلع حولي -وأنا في سن الثانية والسبعين سنة- أرى أن تلميذتي أصبحوا موجودين على امتداد العالم العربي، وأن الأفكار التي علمتهم إياها تتضح وأنها مستمرة من خلالهم ، ولهذا فأنا معتز كل الاعتزاز بما كتبت وما أسست وما أثرت ، ولهذا السبب أشعر بنوع من الغيرة من الشباب وأستمر في عملي إلى جانبهم وكأني أنافسهم. هذا المشروع لم يختف يوما هو مشروع نجح ونحن اليوم نسير في خطى مرتبكة حقيقة لكنها خطى ثابتة ومتوجهة إلى المستقبل وهي تسعى إلى تحقيق الأحلام التي نادى بها الشباب المصري في ثورة 25 يناير وفي 30 يونيو ، وهي :»الخبز – الحرية- العدالة الإجتماعية- الكرامة الإنسانية». o طيب دكتور وأنا في بيتك اليوم كمواطنة مغربية تحمل السؤال المشترك بيننا، أسألك ما هي رسالتك للمثقف العربي؟ n رسالتي للمثقف العربي :»انتبه، وقف دائما في وجه الخلط بين السياسة والدين» o ورسالتك للمغرب؟ n رسالتي للمغرب ، الحمد لله المغرب في حال طيبة لكن على المغرب أن يقدم نموذج رائع في الديمقراطية وهو في طريقه إلى ذلك؟