ضربة جديدة للنظام الجزائري.. جمهورية بنما تعمق عزلة البوليساريو    حكيمي لن يغادر حديقة الأمراء    المغرب التطواني يُخصص منحة مالية للاعبيه للفوز على اتحاد طنجة    السجن المحلي بالقنيطرة ينفي تدوينات يدعي أصحابها انتشار الحشرات في صفوف السجناء    وهبي يشارك في انعقاد المكتب الدائم لاتحاد المحامين العرب    كأس إفريقيا للسيدات... المنتخب المغربي في المجموعة الأولى رفقة الكونغو والسنغال وزامبيا    الصحف الصينية تصف زيارة الرئيس الصيني للمغرب بالمحطة التاريخية    نشرة إنذارية.. طقس حار من السبت إلى الاثنين وهبات رياح قوية مع تطاير الغبار الأحد بعدد من مناطق المملكة    التعادل يحسم ديربي الدار البيضاء بين الرجاء والوداد    ابن يحيى تشارك في افتتاح أشغال المنتدى البرلماني السنوي الأول للمساواة والمناصفة    المحكمة توزع 12 سنة سجنا على المتهمين في قضية التحرش بفتاة في طنجة    بوريطة: المقاربة الملكية لحقوق الإنسان أطرت الأوراش الإصلاحية والمبادرات الرائدة التي باشرها المغرب في هذا المجال    يوم دراسي حول تدبير مياه السقي وأفاق تطوير الإنتاج الحيواني    MP INDUSTRY تدشن مصنعا بطنجة    مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"        "أطاك": اعتقال مناهضي التطبيع يجسد خنقا لحرية التعبير وتضييقا للأصوات المعارضة    أمريكا تجدد الدعم للحكم الذاتي بالصحراء    بينهم من ينشطون بتطوان والفنيدق.. تفكيك خلية إرهابية بالساحل في عملية أمنية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    هذا ما قررته المحكمة في قضية رئيس جهة الشرق بعيوي    فاطمة الزهراء العروسي تكشف ل"القناة" تفاصيل عودتها للتمثيل    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    المحكمة الجنائية الدولية تنتصر للفلسطينيين وتصدر أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير حربه السابق    الرابور مراد يصدر أغنية جديدة إختار تصويرها في أهم شوارع العرائش    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    قانون حماية التراث الثقافي المغربي يواجه محاولات الاستيلاء وتشويه المعالم    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لأول مرة في تاريخه.. "البتكوين" يسجل رقماً قياسياً جديداً    زَمَالَة مرتقبة مع رونالدو..النصر السعودي يستهدف نجماً مغربياً    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    ما صفات المترجِم الناجح؟    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    كينونة البشر ووجود الأشياء    المجر "تتحدى" مذكرة توقيف نتانياهو    تفكيك شبكة تزوير وثائق السيارات بتطوان    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    العربي القطري يستهدف ضم حكيم زياش في الانتقالات الشتوية    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    رابطة السلة تحدد موعد انطلاق الدوري الأفريقي بالرباط    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء        تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قنديل: المغرب ليس في خطر والإمارات تصرف الملايير للقضاء على الربيع العربي
قال إن السيسي قاد أكبر عملية نصب على المصريين وكل كوارث مرسي جاءت من السلفيين
نشر في المساء يوم 23 - 11 - 2014

في هذا الحوار يطلعنا وائل قنديل، الصحافي المصري، ومدير نشر جريدة «العربي الجديد»، على كواليس الاجتماعات والمفاوضات التي جرت بين الإخوان المسلمين والقوى الليبرالية في مصر، عقب ثورة 25 يناير 2011، ويعترف قنديل بشجاعة قائلا: «لم يدعم أحد منا، نحن القوى المدنية والليبرالية، محمد مرسي في الإعادة، فقد اجتمعنا بمحمد مرسي بعد أن أغلقت صناديق الإعادة وبعد أن أعلنت نتائج غير رسمية عن تقدمه».
كما هاجم قنديل وزير الثقافة المصري، جابر عصفور، قائلا: «جابر عصفور مثقف جُبل على أن يكون في حظيرة السلطة، ولو كان قد مُكّن للإخوان ولمحمد مرسي، لكان جابر عصفور هو المثقف النموذجي في تأييد محمد مرسي والإخوان».
كما وصف قنديل ما قام به المارشال السيسي، يوم 30 يونيو 2013، بأكبر عملية نصب سياسي مورست على المصريين، مضيفا أن «عددا من المثقفين الذين أيدوا «انقلاب» 30 يونيو، مثل علاء الأسواني وبلال فضل، عادوا الآن وقالوا إن ما حدث حينها كان ثورة مضادة..
ولم يفت الصحافي المقيم في قطر أن يهاجم الإمارات العربية المتحدة على تصنيفها اتحاد علماء المسلمين كمنظمة إرهابية، وعلى تزعمها للثورات المضادة للربيع العربي وصرفها ملايير الدولارات لدعم سلطة الانقلاب في مصر، وخليفة حفتر في ليبيا، والحوثيين في اليمن، وإفشال تجربة حركة النهضة في تونس.
- كيف استقبلت القرار الإماراتي بتصنيف اتحاد علماء المسلمين منظمة إرهابية؟
هذا أمر يدعو للسخرية المُرّة، فالأمر لا يتعلق فقط باتحاد علماء المسلمين، بل إن القائمة شملت ثلاثة وثمانين منظمة وهيئة وكيان، ومن بين «المنظمات» الفنانة حنان ترك أيضا. لقد علق أحد أصدقائي على هذه القائمة بقوله «خلاص.. ضعوا الإسلام عموما على قائمة الإرهاب». المقصود من وضع هذه القائمة وغيرها، ليس هو الإسلام ولا العمل الإسلامي، بل تجفيف كل المنابع التي يمكن أن تؤدي إلى استمرار أو صمود الربيع العربي. المعركة بين منظومة انقلابات وثورات مضادة تكره الديمقراطية والتغيير. وإذا كان هذا الربيع العربي قد أنتج، بالصدفة، مشاريع نظم حكم لها سمت إسلامي فالحرب على الربيع العربي ستستهدف بالضرورة كل الهيئات والمنظمات التي ترفع لافتة إسلامية. هذه حلقة من سلسلة طويلة من استهداف الثورات العربية والتغيير والقيم الديمقراطية في العالم العربي.
- ألا ترى أن غالبية المنظمات والأحزاب الإسلامية تتخفى وراء الديمقراطية وتستغلها للوصول إلى الحكم ثم الانقلاب على الديمقراطية. وأن ما تقوم به الإمارات والمحور الذي توجد ضمنه هو نوع من حماية نوع من الليبرالية؟
(يضحك) عظيم. لم ينبئنا التاريخ، وربما كذب علينا التاريخ ومارس علينا نوعا من الخداع حين لم ينبئنا أن الإمارات، أو أي مكان آخر في الخليج العربي، هو موطن للتنوير والليبرالية (ساخرا) هذا جديد مدهش. الدول الأوروبية التي هي معاقل حقيقية لقيم الديمقراطية والتنوير لم تقدم على مثل هذه الخطوات، وبالتالي هذا دفاع عن ليبرالية الصحراء وتنوير النفط. ما صدر عن الإمارات لم يستهدف كل منظمات العمل الإسلام، فماذا تسمي ما يقوم به الحوثيون في اليمن؟ هذا إسلام سياسي كذلك، فلماذا لم يكن هناك هذا «اللدد في الخصومة» و»الشطط في الكراهية» للحوثيين، بل إن ما تسرب من معلومات في الفترات السابقة يفيد أن حركة الحوثي تلقت دعما إماراتيا، أو على الأقل صمتا إماراتيا-سعوديا على هذه العربدة التي لم تستهدف الإسلام السني، مثلا، في اليمن كما استهدفت الثورة اليمنية، فما جرى في اليمن هو انقلاب أو ثورة مضادة أخذت شكلا طائفيا. لذلك فالصراع هو بين ثورات مضادة وثورات طبيعية، فليس مصادفة أن تجد، مثلا، أن الإمارات تضخ عشرة مليارات دولار في سلطة الانقلاب في مصر، وليس من المصادفة أن نسمع أن طيران الإمارات يساعد خليفة حفتر في ليبيا، وليس من المصادفة أن اسم الإمارات يرتبط بدعم الحوثيين في اليمن، وليس مفاجئا أن الإمارات كانت ضد حركة النهضة في الانتخابات النيابية التونسية. الصورة واضحة في المنطقة: هناك معسكر التغيير والديمقراطية، أي معسكر الثورات، وهناك معسر الثورات المضادة. المعسكر الكاره للتغيير، للأسف الشديد، تأتي على رأسه الولايات المتحدة وإسرائيل.
- بما أن الحكومة الإسلامية في المغرب هي تجل من تجليات الربيع العربي..
(مقاطعا) هي استبقت الربيع..
- أين تكمن معاداة «معسكر الثورات المضادة» الذي تُعَد الإمارات العربية المتحدة، حسب قولك، أبرز متزعميه، للتجربة المغربية التي هي مزيج ما بين الاستمرار والتغيير؟
أهل مكة أدرى بشعابها، ولكن أنا لا أستطيع أن أقول إن التجربة المغربية في خطر. التجربة المغربية لم تكن وليدة الثورات أو الانتفاضات. وكما سبق أن قلت؛ فقبل 2011، وعلى مستوى العالم العربي كله، كانت هناك حالة غليان مكتومة، وكان القدر يغلي، ولذلك كان الأمر يتطلب نوعا من «ديبلوماسية البريستو» أو التنفيس، أي رفع الغطاء عن المجتمع حتى يخف الاحتقان. والذي حدث في المغرب أنهم رفعوا هذا الغطاء فحصل نوع من التنفيس، فتم الذهاب إلى شكل من أشكال الديمقراطية. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن المغرب فيه ملكية، فيمكننا القول أن هذا يكفي للغاية..
- التجربة المغربية هي تجربة توافق ما بين ملكية تقليدية، تحكم مجالات مرعية لها يصعب مراقبتها ومحاسبتها فيها، وما بين تجربة معارضة، كانت، بشكل أو بآخر ضمن الحراك العربي. أليس هذا التوافق هو ما كان يعوز تجربة مصر وغيرها من التجارب، التي لم تأخذ بعين الاعتبار أن الانتقال يقتضي، في بدايته، نوعا من التوافق؟
المقارنة بين الحالتين المصرية والمغربية متعسفة بعض الشيء. ثورة 25 يناير في مصر، لم تكن فقط من أجل توسيع هامش الديمقراطية، فلم يكن هناك هامش ديمقراطية حقيقي، أضف إلى ذلك أن منحى الفساد الاقتصادي والسياسي في مصر بلغ حدا غير مسبوق عربيا، إذا ما استثنينا أيضا تونس. كما أن الثورة المصرية كانت ثورة الكرامة الإنسانية، فنحن لم نسمع أن الشرطة في المغرب تقتل المواطنين في الشوارع. أيضا عندما أقارن بين الحالة المغربية ومثيلاتها في دول عربية أخرى أجد أن المغرب فيه طبقة متوسطة حقيقية، ونوع من الليبرالية، ولديه تراث ثقافي وحضاري وتاريخي، وحركة ثقافية ذات نزعة نقدية وقدر من الاستقلالية. للأسف الشديد، إذا نظرت إلى الوسيط الثقافي، في سنوات مبارك الأخيرة، ستجده ينقسم إلى قسمين: مثقفي السلطة أو مثقفي السلطان الذين لم تتغير وجوههم منذ أنور السادات وربما منذ جمال عبد الناصر. أما المثقفون الحقيقيون، فإما كانوا في غياهب السجون يعذبون، أو يلقون في الصحراء. فقد عُذب عفيف مطر، وعذب عبد الوهاب المسيري، وكل من لم يمتثل لحظيرة المثقفين، كما سماها وزير ثقافة حسني مبارك، فاروق حسني، ويَلزَم هذه الحظيرة، كان مغضوبا عليه وينكل به، ومن ثم فجزء من الثورة المصرية كان من أجل الكرامة الإنسانية، وجزء أساسي منها كان ثورة على الفساد السياسي والاقتصادي..
- وبالتالي كانت هناك حاجة لإحداث قطيعة مع هذه المرحلة؟
عظيم، لأن هذا الرجل (حسني مبارك) لم يترك فرصة. لقد كانت له فرصة حقيقية في 2010، لكن كانت الانتخابات انتخابات الحزب الواحد والصوت الواحد، إلى درجة أنه لأول مرة في مصر كان هناك برلمان منزوع المعارضة تماما، قاطعته في المرحلة الأخيرة من الانتخابات جماعة الإخوان، وقاطعته الأحزاب الحقيقية، ولم يرض بممارسة هذه اللعبة الحقيرة سوى الأحزاب الكرتونية التي كنت أسميها أحزاب أليفة صديقة للبيئة، بيئة مبارك الفاسدة، وقد كتبت في 2010 أقول بأنه، حسب قانون التنوع البيئي، لا يستقيم أن تظل البيئة فيها نوع واحد من الكائنات لأن هذا ضد التنوع الذي يضمن الحياة الطبيعية. بعد ذلك بدأ مبارك يهيئ لتوريث الحكم لابنه بعدما أصبح له برلمان بهذا الشكل. هنا تجمعت قوى المعارضة المصرية وأنشأت ما سمي بالبرلمان الشعبي، فخرج حسني مبارك وقال قولته الشهيرة «خلوهم يتسلو»، هذه التسلية انقلبت إلى جد وأفضت إلى ثورة 25 يناير بعد أقل من ثلاثة أشهر، خصوصا وأن وقائع التزوير في هذه الانتخابات الأخيرة كانت فاضحة وغير مسبوقة، إلى درجة خروج قضاة لاستنكار الفساد، فمثلا، القاضي وليد الشافعي، وكان رئيس لجنة انتخابية، قال إنه هدد بالسلاح لكي يسمح بالتزوير، وبذلك كان لا بد أن ينفجر الوضع لأن هذا الرجل لم يسمح بهامش ديمقراطي، ولم يرفع الغطاء لكي يتنفس الوضع.
- بما أنك تحدثت عن نوعين من المثقفين في مصر: مثقف السلطة، والمثقف الحقيقي. كيف تنظر اليوم إلى التقاء كل من صنع الله إبراهيم وهو «مثقف حقيقي»، وجابر عصفور وهو «مثقف سلطة»، على أرضية رفض تجربة الإخوان في الحكم ودعم حكم السيسي؟
(يضحك) أنا لست معنيا بالدفاع عن الإخوان المسلمين، لأنني لست إخوانيا، ومعارضتي للإخوان مكتوبة ومسجلة، لكن أنت تتحدث كما لو أن جماعة الإخوان المسلمين حكمت مصر مدة ثلاثين سنة أو عشر سنوات أو خمس سنوات. تجربة محمد مرسي في حكم مصر لا تزيد عن أيام وليس شهور. محمد مرسي وصل إلى القصر الرئاسي في بداية يوليوز 2012، وكانت أول مليونية، مدعومة من الدولة العميقة، تطالب بإسقاط محمد مرسي، في 24 غشت، ومنذ ذلك التاريخ، لو حصرت ما يسمى بالمليونيات والجُمع التي تطالب بإسقاط محمد مرسي..
- هذا معروف. أنا أسالك عن الموقف السلبي للعديد من المثقفين، من الموالين للدولة العميقة أو المناوئين لها، من تجربة حكم مرسي. كيف تجد ذلك؟
هناك فرق بين جابر عصفور، فهو مثقف جُبل على أن يكون في حظيرة السلطة، ولو كان قد مكن للإخوان ولمحمد مرسي، كان جابر عصفور سيصبح هو المثقف النموذجي في تأييد محمد مرسي والإخوان، هذا على مسؤوليتي الشخصية. أما صنع الله ابراهيم، فهو يعكس نوعا من التوجس والريبة التي توجد لدى اليسار المصري في الإسلام السياسي..
- هل هو توجس نفسي؟
نعم، نفسي. بالإضافة إلى عملية الافتراس الإعلامي المنظم، الذي تقف وراءه الدولة العميقة، وقد اعترف عبد الفتاح السيسي في إحدى تسريباته بفكرة زراعة الأذرع الإعلامية. هذا بدأ منذ وصول محمد مرسي إلى القصر الرئاسي: اللعب في فكر المجتمع، افتراس الوجدان الجماعي ومحاصرته، ضخ كم هائل من الشائعات والملوثات المعلوماتية؛ والنماذج كثيرة منها القول إن مرسي سيبيع الهرم ويبيع السويس، ويمنع المايوه، وسيعطي سيناء للفلسطينيين. بالإضافة إلى الحصار الاقتصادي وخنق المواطن في معيشته اليومية، عبر افتعال أزمات السولار (الوقود)، افتعال أزمات البنزين، وافتعال أزمات الخبز.. وقد أدى هذا إلى تكفير الناس بفكرة التغيير وذهب بعضهم إلى القول: «فين أيامك يا مبارك؟» حتى جاءت لحظة الانقضاض الرئيسية..
- قبل الوصول إلى الانقلاب..
(مقاطعا) أنا أحدثك عن المثقف، هناك جزء من المثقفين لديهم حساسية تاريخية، نفسية، من الإخوان. كما أن القوى المسماة مدنية، وأنا لا أنزع صفة المدني عن الإسلام السياسي أيضا.
- هذا نقاش قد نأتي عليه لاحقا. حدثنا عن خلفيات موقف «القوى المسماة المدنية»؟
محمد مرسي كان مرشحا من الصقور الخلفية لجماعة الإخوان المسلمين، وكان قد استقر لدى محمد البرادعي، مثلا، وآخرين، بأن رئيس مصر القادم سيأتي وفق إرادة المجلس العسكري، وأنه لن تكون هناك عملية انتخابية رئاسية حقيقية. لقد استقر في وجدان الرجل أنه لن يصل إلى الرئاسة مهما فعل، ولأن (مترددا)..
- لأن ماذا؟
لأنه في جلسته معنا يوم أعلن انسحابه من التنافس على الرئاسة، قال البرادعي إن البيئة ليست مهيأة لانتخابات رئاسية حقيقية وأن العسكر سيأتون بمن يريدون. وقد كانت هناك ترشيحات، في المرحلة الأولى، ضمت كلا من عمر سليمان وخيرات الشاطر، ثم خرج هذان فدفع الإخوان بمحمد مرسي وكان نجاح محمد مرسي صادما ومفاجئا للكثيرين، بمن فيهم البرادعي، ويبدو وكأنهم قالوا: «كان بإمكاننا أن نفعلها، فلماذا لا نهدم اللعبة كلها ونبدأها من جديد وندخلها»..
- تقصد الفلول؟
لا، الفلول كان لديهم مرشح صريح هو أحمد شفيق. أنا أقصد الشخصيات التي ارتبطت بثورة يناير، والتي أبانت عن انتهازية سياسية؛ فعندما فاز محمد مرسي بانتخابات الرئاسة، طالبه الجميع بإقامة شراكة سياسية، وهذا غير عادل على الإطلاق، إذ كيف أتنافس معك وعندما أفوز تطالبني بأن أقتسم معك. ما قاله محمد مرسي في اجتماع فندق «فيرمونت»، الشهير، وكنت شاهدا على هذه الأحداث وطرفا أساسيا فيها، قال مرسي: أنا لست رئيسا للإخوان بل رئيسا لكل المصريين وسأراعي في تشكيل الحكومة تمثيلية كل الأطياف المصرية، ولا بأس أن يكون أحد نوابي من اليسار أو الليبراليين..
- ولماذا لم يحصل هذا؟
«حقول لحضرتك لماذا لم يحصل». محمد البرادعي تم التواصل معه، بواسطتي وبواسطة آخرين، بأن يكون رئيسا للحكومة..
- أنت توسطت في هذا؟
أنا وآخرون. وهذه لم تكن وساطة؛ فنحن اجتمعنا مع محمد مرسي بعد انتهاء التصويت في مرحلة الإعادة، ولذلك فمن يقول إنه دعم مرسي لكي ينجح فهو كاذب، لم يدعم أحد منا، نحن القوى المدنية والليبرالية، محمد مرسي في الإعادة، فقد اجتمعنا بمحمد مرسي بعد أن أغلقت صناديق الإعادة وبعد أن أعلنت نتائج غير رسمية عن تقدمه. لقد سمعت أحد الإعلاميين المصريين الكبار كان في إحدى الدول العربية يقول: أنا نادم.. خطأ عمري أنني دعمت محمد مرسي. أنت لم تدعم محمد مرسي. أنت ذهبت إلى محمد مرسي بعد أن نجح.
- لنعد قليلا إلى ما حدث بعد إعلان فوز محمد مرسي؟
كان أحد شروطنا، أن ينتج عن هذه الشراكة رئيس وزراء من خارج حزب الحرية والعدالة (حزب الإخوان) واقترحنا محمد البرادعي فلم يُرفض..
- البرادعي قبِل أن يتولى هذا المنصب؟
الذين تواصلوا مع محمد البرادعي، وكنت شاهدا، يؤكدون أنه لم يُبد ترحيبا ولم يُظهر رفضا، وكأنه أراد أن يقال في سجله أنه عرضت عليه رئاسة الحكومة. فقط، فلم يكن البرادعي جادا لا في القبول ولا في الرفض.
- تقول هذا وأنت كنت أحد الموالين للبرادعي..
أنا لم أكن مواليا للبرادعي، أنا أحد مؤسسي حزب الدستور
- مع البرادعي؟
وربما قبله، لأن البرادعي لم يكن يريد حزبا، وأعلن ذلك، بل كان يريد كيانا، وكان رأيي أنا ومجموعة من الأساتذة الأفاضل أن الكيان هو تعبير مجرد، والناس تريد حزبا من أربعة جدران..
- ما المقصود بكيان. إطار مفتوح يعني؟
بالضبط. لكن نحن قلنا إننا نريد تأسيس حزب للثورة المصرية، عابر للإيديولوجيا، يستوعب السلفي والشيوعي والإخواني والليبرالي والديمقراطي والناصري. يمثل الثورة المصرية.
- حزب شعبوي؟
(يضحك) هناك فرق بين شعبي وشعبوي. نحن كنا نريد حزبا شعبيا يعبر عن الثورة المصرية.
- لنعد. يعني أن مرسي كان أكثر جدية من البرادعي؟
بالضرورة. فأول من عرض عليه منصب وزير الإعلام كان هو حمدي قنديل ورفض، كما عُرضَ عليّ هذا المنصب، وزارة الإعلام أو الثقافة، ورفضت، كما عُرض على أيمن نور، تشكيل حكومة قبل الانقلاب بشهرين أو ثلاثة، ورفض. إذن لا يمكن أن نقول إن الإخوان كانوا يستحوذون على السلطة. دعنا ننظر إلى تشكيلة آخر حكومة لهشام قنديل، فقد كان عدد الوزراء المنتمين للإخوان وحزب الحرية والعدالة محدودا. أين هي الأخْوَنة؟ لقد قيل إن مرسي كان سيُؤَخوِن الجيش وما إلى ذلك. أثبتت 30 يونيو بأنه لم تكن هناك أخونة، ولو كانت لقامت بحمايته. محمد مرسي لم يساعده أحد. لقد وصلت المسألة إلى حد استحلال الكذب؛ فعندما يخرج محمد البرادعي في حديث مع مجلة «دير شبيغل» الألمانية ويقول إن الإخوان لا يسمحون بمعابد بوذية، ويطلب من الأوروبيين والغرب أن ينقدوه من النظام الإخواني، بالإضافة إلى أنه بدا، في لحظة ما، ميالا إلى العسكر. انظر كيف أن المرارة من الثورة التي لم تأت بالبعض إلى حيث كان يريد، جعلتهم يضحون بالثورة، نكاية في فصيل(الإخوان).
- كيف تحولت من مناوئ لتجربة حكم الإخوان إلى مدافع عنها؟
(مقاطعا) أنا أيضا لم أكن مناوئا لحكم الإخوان. أنا منطلقي واضح؛ أنا أنتمي لثورة 25 يناير، أهدافا وقيما وطموحات ومستقبلا، وهذا الذي حدد موقفي في انتخابات الإعادة الرئاسية، ففي الجولة الأولى من الانتخابات، عندما كان هناك مرشحون كثر، أعلنت أنني أميل إلى دعم حمدين صباحي لأنه الأقرب لي، فأنا لي جذور ناصرية يسارية، ولم أعلن دعمي لمحمد مرسي، وعندما جاءت الجولة الثانية ووضعتنا بين محمد مرسي واحمد شفيق ممثل الثورة المضادة، قلت، قبل اللقاء بمحمد مرسي في فندق فيرمونت بساعتين، في اجتماع ضم القوى المدنية واليسارية، للبحث عما عسانا نفعله في ما كنا نسميه «ورطة» (قلت) أنا سأقيس المسافة بين محمد مرسي وثورة يناير، والمسافة بين احمد شفيق وثورة يناير، وكتبت مقالا بعنوان «مرسي ولو بطعم العلقم»، لكن كان الاتجاه الغالب داخل اليسار، للأسف الشديد، يصب في اتجاه دعم احمد شفيق.
- قبل أن آتي إلى تغير موقفك..
(مقاطعا) أنا لم أغير موقفي. أنا موقفي مع الثورة، وسواء أكان الذي يمثل هذه الثورة بلحية فأنا معه، أو كان يرتدي «شورت» فأنا معه..
- لماذا لم ينخرط الإخوان المسلمون في ثورة 25 يناير 2011 منذ بدايتها؟
وما الذي منحك اليقين بأنهم لم ينخرطوا فيها منذ بدايتها؟
- أنا لا يقين لدي غير ما أسمعه من جهات مصرية عديدة وأنقله لك..
لنرجع إلى الصحافة المصرية، في الأسبوع السابق على ثورة يناير؛ صحافة الإخوان كانت تذهب، مثلا، إلى أننا لم نأخذ قرارا حتى الآن، لكن الأمر متروك للأعضاء وللقواعد. ربما كان هذا موقفا، ربما مناورة. في المقابل هناك بيانات لحزب التجمع اليساري وحزب الوفد وللكنيسة المصرية وللأزهر وللسلفيين.. تحرم الخروج للتظاهر، ومع ذلك، فما إن اندلعت شرارة الثورة حتى جاء هؤلاء واعتبروا أنفسهم صناع الثورة.
- ما حكاية موقفك من دستور 2012 واللقاء الذي حضرته رفقة مجموعة كانت تحضّر لمعارضة هذا الدستور، ومن ضمنهم جابر نصار..
(مقاطعا) أنا لم أجتمع وقصة جابر نصار كتبتها في مقالين، ولا بأس من إعادتها. دستور 2012 كنت أستقي معلوماتي عنه من شخصيات ضد الإخوان المسلمين. فأنا، مثلا، لم أناقش الدستور مع محمد البلتاجي. بل كان الأقرب إلي هو الدكتور عبد الجليل مصطفى، المنسق العام للجماعة الوطنية للتغيير، وكان عضو الجمعية التأسيسية لوضع مشروع دستور 2012، وكان، هو وأصدقاء آخرين يطلعونني، أولا بأول، على مجريات العمل داخل الجمعية التأسيسية، إلى أن استخدمت ورقة الدستور في «حكاية» إسقاط محمد مرسي. فكان آخر لقاء لي بالدكتور محمد البرادعي في منزله، وقد ذهبت إلى هذا اللقاء ومعي الدكتور عبد الجليل مصطفى، الذي تحول لاحقا إلى مؤيد للسيسي، وهذا لا يهمني. قبل أن نلتقي البرادعي كانت هناك مجموعة من القوى الليبرالية والديمقراطية واليسارية قد لوحت بالانسحاب من الجمعية التأسيسية لوضع مشروع دستور لأنها تعترض على أشياء، فتم حل الخلاف واستأنفت هذه المجموعة عملها في صياغة الدستور..
- متى كان هذا بالتحديد؟
في فبراير أو مارس 2012. لقد كان هناك اجتماع عقد بين الدكتور البرادعي وعمرو موسى وحمدين صباحي، ففوجئنا بالمجتمعين في منزل الدكتور البرادعي يقيمون محاكمة للدكتور عبد الجليل مصطفى «إزّي ترجعو للجمعية التأسيسية والإخوان» فدخلنا في نقاش طويل رد فيه الدكتور عبد الجليل مصطفى وكذلك أنا. في طريق عودتنا كان الدكتور عبد الجليل مصطفى يتحدث بمرارة وأسى عن هذه «المهارشات» الصبيانية والمكائد من النخب السياسية ضد رجل (مرسي) لا يريدون له أن يحكم..
- ماذا عن حكايتك مع جابر نصار (فقيه دستوري ورئيس جامعة القاهرة
لقد حدث أن استضفنا في جريدة «الشروق» مجموعة من المثقفين، بمناسبة توقيع كتاب جديد للسفير شريف بسيوني، وهو ديبلوماسي مصري يعيش في الولايات المتحدة، فكان من جملة المدعوين أساتذة قانون. حينها كانت فكرتي عن الدستور القادم سلبية، لذلك التفتت إلى جابر نصار وقلت له: «يا أخي إيه حالة الفزع بتاعة الدستور.. انتو حتودونا فين؟» فأجابني قائلا: «لقد أنجزنا أحسن وثيقة دستورية في تاريخ مصر الحديث». قلت: «معقول»، قال: «نعم»، قلت «ما تطلعوا تقولو الكلام ذا» لأن المجتمع يغلي ويقول سوف يزوجون ابنة التسع سنوات، فأجابني: «خلينا.. احنا بنضغط عليهم (الإخوان) عشان ناخذ أفضل»؛ هذا الكلام قيل بحضور ابراهيم المعلم والدكتورة منار الشوربجي والدكتور أحمد كمال أبو المجد. هذه شهادتي أنا ومن يريد أن يكذّب ذلك ف»هو وضميره». فجأة، وكأن هناك جهة ما تحرك الأمور، بدأ الانسحاب من الجمعية التأسيسية للدستور، ومن كان على رأس المنسحبين؟ الدكتور جابر نصار، الذي خرج يقول إن هذا الدستور يكرس «مش عارف إيه» والإخوان... بعدها خرج الرجل (جابر نصار) في برامج تلفزيونية يقول: «أنا كنت بهزّر».
- قال إنه «كان يهزر» عندما قال لك: «لقد أنجزنا أحسن وثيقة دستورية في تاريخ مصر الحديث»؟
نعم، ولذلك قلت له ما دام أنك «عايز تهزر» فدعنا نستدعيك على مقهى و»نلعب طاولة ونهزّر» لكن الكلام في دستور مصر، في وجود وزراء سابقين وأساتذة علوم سياسية لا علاقة له ب»الهزار».
- لنأت إلى انقلاب أو ثورة 30 يونيو..
(مقاطعا) انقلاب 30 يونيو أو ثورة مضادة محمولة على ظهر انقلاب عسكري..
- ألا ترى أن الجماهير الشعبية التي خرجت بالملايين للاحتجاج على حكم الرئيس مرسي فرضت على المؤسسة العسكرية، باعتبارها مؤسسة من مؤسسات الشعب، أن تستجيب لها وتلتحق بثورتها الثانية. وأن الجيش استجاب لنداء الشعب في 30 يونيو 2013 كما استجاب لاختيار الشعب بعد ثورة 25 يناير 2011؟
العكس هو الذي حدث، الجماهير استجابت لدعوة العسكر والشرطة للخروج. لنعد بالذاكرة ونرى عناوين الصحافة المصرية، ففي يوم 24 يونيو2013، كان «منشيط» صحيفة الشروق أن «الجيش مستعد لمرحلة ما بعد مرسي» قبلها كان هناك «تفتيش الحرب» للوقوف على جاهزية الجيش، فدعيت له إلهام شاهين والعديد من الفنانين والفنانات والتقطوا صورا مع الجنود فوق الدبابات، فكانت هناك تصريحات صادرة من وزير الدفاع لا يفهم منها سوى أنه يدعو الشعب للخروج.
تصريحات من قبيل ماذا؟
أن هذا الشعب لم يجد من يحنو عليه، وأننا سنؤمّن المظاهرات ونحميها، وهذه تصريحات منشورة. الشرطة بدورها نشرت تصريحات في الفايسبوك تقول فيها: نحن سنحمي المتظاهرين بأرواحنا وحياتنا. الفوج الأول من الذين دخلوا ميدان التحرير يوم 30 يونيو، حمل على الأعناق وزيري داخلية سابقين، من الدولة العميقة. وكان هناك ضباط بالزي الرسمي يقودون الجموع. وما يقال عن ذلك «الشاليه» الموجود في ضاحية المعادي، القريب من مبنى المخابرات، كان هو غرفة عمليات 30 يونيو، وقد وصلتنا معلومات من نشطاء وسياسيين شباب ثقاة، كانوا في 30 يونيو واكتشفوا الخديعة. ففي هذا الشاليه كان يتم التخطيط والتمويل، وبعدما اختلف شباب حركة «تمرد» على اسم الزعيم القائد، خرج أحدهم وقال: أنا سأفضح كل شيء وأتحدث عن الاجتماعات التحضيرية التي..
- من كان هذا؟
شاب من شباب الثورة.
- وهل نشر اسمه؟
نعم، وبعدما أذاعت وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية الخبر الذي يقول إن الاجتماعات كانت تتم في الفندق التابع للمخابرات في شارع الخلفية المأمون في القاهرة رفقة حركة «تمرد».. خرج هذا الشاب وقال: أنا إيمايلي اخترق.. مع أنه وصلني على إيمايلي الخاص، وهناك أمور سوف تنكشف. 30 يونيو أكبر عملية نصب سياسي مورست على المصريين. عندما تنظر إلى المشهد الآن تجد أن عددا من المثقفين الذين ناضلوا مع تيار 30 يونيو عادوا الآن وقالوا إنها ثورة مضادة..
- مثل من؟
علاء الأسواني وبلال فضل، مثلا، وشباب ثورة يناير الموجودون الآن في السجن، أحمد ماهر وعلاء عبد الفتاح وآخرون. وكل من ينتمي، الآن، لثورة يناير إما قتل أو اعتقل أو مطارد خارج مصر مُخون في وطنيته، فكيف تقول لي أن هذه ثورة؟
- كيف استقبلت موقف حليفك السابق، محمد البرادعي، الرافض لفض اعتصامات المحتجين على الانقلاب بطريقة دموية؟
هذا هو الحد الأدنى من الإنسانية. الرجل اعترض على حجم الدماء، لكنه لم يعترض على الدماء. هو كان مع فض الاعتصامات، لكن الذي أزعجه وأرق ضميره أن حجم المأساة كان أكبر مما توقع. ومع ذلك يشكر على أنه نفض يده من هذا العار الحضاري والإنساني.
- ألم تتواصلا بعد موقفه هذا؟
لا، لم أسع إلى ذلك. وموقفه هذا لا يكفي لأنه خرج وصمت، ولم يغرد حتى.
- هل تعتبر صمته تواطأ؟
خوف، تواطؤ، يأس. سمه ما شئت لكنه موقف لا يليق بمحمد البرادعي ملهم ثورة 25 يناير وأيقونتها، أن يصمت، وهو يرى أن ثورة 25 يناير تباد وتسحق.
- ما هي الأخطاء الكبيرة التي وقعت فيها تجربة محمد مرسي الصغيرة؟
أول خطأ ارتكبه نظام محمد مرسي أنه رمى نفسه في أحضان الدولة العميقة وتوهم أن رموز هذه الدولة العميقة راغبة في الالتحاق بالعصر الجديد، فطُعن. الخطأ الثاني أنه لم ينتهز اللحظة التاريخية النادرة التي توفرت له والتي لم تتوفر لأحد قبله إلا لجمال عبد الناصر سنة 1956، ولأنور السادات في 1973، عندما أقدم على إقالة وزير الدفاع فكان أمامه الملعب مفتوحا ليتوغل ويزرع الأرض تغييرا، لكنه أهدر هذه الفرصة فكانت الهجمات المرتدة خطيرة، وخسر بلغة كرة القدم. الخطأ الثالث الذي وقع فيه محمد مرسي والإخوان المسلمون هو ارتباطهم بحزب النور السلفي؛ فكل الكوارث التي ألصقت بمحمد مرسي والإسلام السياسي، كان وراءها حزب النور: الإخوان سيزوجون الفتيات في سن التسع سنوات هي فكرة ومطلب حزب النور. من ناحية أخرى، فقانون الانتخابات البرلمانية ناقشناه قبل الانقلاب، في حوار مجتمعي حقيقي، وخضنا معارك عنيفة مع حزب النور، إلى أن وصلنا إلى صيغة مقترحة للقانون الذي سيحيله الرئيس على مجلس الشورى، وكان ضمن البنود التي أخذت منا وقتا طويلا من النقاش والخلاف، مسألة التنصيص على وضع المرأة في المراكز الأربعة أو الخمسة الأولى لكي نضمن وصولها إلى البرلمان، وقد حسمنا الأمور واتفقنا، ثم أحيل مشروع القانون على مجلس الشورى، فكان الحزب الذي فجر القانون ونسف حالة التوافق التي وصلنا إليها هو حزب النور، الذي أعلن اعتراضه على كل المواد التي سبق أن وافق عليها.
- هناك أخطاء أخرى وقع فيها الإخوان المسلمون عندما أحجموا دائما عن فتح حوار حقيقي مع فئات واسعة من الشعب المصري لكسب ثقتها، وأقصد تحديدا: العسكر والكنيسة والأزهر والطرق الصوفية، وهناك مقولة سائدة بين الإخوان تقول: «ملناش في الأزهر.. ملناش في العسكر». لماذا جافى الإخوان طيلة فترة حكمهم هذه الفئات؟
لم يجافوهم، ففي هذه اللقاءات التي أحدثك عنها كان ممثلو الكنائس يحضرون معنا. وكان معنا شيخ الأزهر في جلسة أو اثنتين، كما حضر مستشاره كل الجلسات. كما أن المؤسسة الأمنية كانت تكون حاضرة من خلال مستشار الرئيس في الشؤون الأمنية والذي كان مديرا لأكاديمية الشرطة قبل ذلك. لذلك فأنا لا أصدق فكرة الأخونة ومن الظلم الحديث عنها. مشكلة محمد مرسي كانت مع الخطاب الإخواني؛ فبين لحظة وأخرى كنت تقرأ تصريحا لأحد المحسوبين على الإخوان، يتحدث وكأنه جزء من مؤسسة الرئاسة، فيما الأمر مجرد اجتهاد غبي خاطئ ناتج عن قلة درب سياسية، فيحسب ذلك التصريح على محمد مرسي. وقد كتبت أنا أكثر من مقال أتساءل فيه: من يتحدث باسم الرئيس، وأقول «يا إخواننا اصمتوا».
- والحالة هاته. ما مستقبل الأوضاع في مصر؟
أنا متفائل جدا، بأن هذا الانقلاب سيزول، وقد بدأت بنياته الداخلية تتفكك وتتفتت، لأنه لا يوجد أي أساس أخلاقي لتكوين هذه الكتلة..
- وهل كان هناك أساس أخلاقي للأنظمة المستبدة التي حكمت مصر والعالم العربي لعشرات السنين؟
كان يوجد أساس أخلاقي لثورة 25 يناير. هناك تاريخ فاصل في عمر العرب والمصريين هو 2011. هناك ما قبل هذا التاريخ وما بعده. الآن هناك وعي واقتحام شعبي جديد لملفات السياسة والاقتصاد. أضف إلى ذلك أن هذا الانقلاب يأكل نفسه بنفسه، وإذا هو لم يجد من يقتله فسيقتل نفسه.
- كيف؟
أحدث استفاقة لدى قطاعات واسعة شاركت في 30 يونيو. لقد قدم الانقلاب نفسه في صورة «السوبر مان» الذي سيوفر لنا الأمن والأمان وسيقضي على الإرهاب، لكن الإرهاب ازداد بعد عام ونصف. كما أن الوعود التي قدموها بأن تصبح مصر أم الدنيا تتبخر. الآن الناس تعيش على ما تمنحه الإمارات والسعودية، ولذلك فأنا أتوقع أن يسقط الانقلاب بأسرع مما كنا نتصور.
- ما مصلحة قطر في دعم الحراك العربي، والحكومات التي جاءت نتيجة هذا الحراك؟
أنا لست مخولا للتصريح باسم الحكومة القطرية، ولكن عندما أنظر لموقف قطر وتركيا، مثلا، وبدرجة أقل تونس وشعوب عربية أخرى، أي الشارع العربي.
- أنا أسالك عن الموقف القطري..
أيهما أكثر أخلاقية: أن تكون ضد إجهاض تجربة ديمقراطية وضد إراقة دماء معارضيك وضد مذابح جماعية ارتكبت في حق المعارضين. أم تكون داعما لمن قام بإجهاض الديمقراطية وما ترتب عن ذلك من دماء. لماذا نشكك دائما في نيات الذين يتخذون موقفا إنسانيا وأخلاقيا؟
- لسبب بسيط، هو أن فاقد الشيء لا يعطيه؛ قطر ليست دولة ديمقراطية ولا يمكن أن تدعم الديمقراطية من أجل الديمقراطية.
طيب. لماذا قطر ليست دولة ديمقراطية؟
- لأنها ليست ديمقراطية.
قل لي؟
- لأنها ليست دولة مؤسسات حقيقة تجعل السلطة كاملة بيد الشعب..
أنت تقصد أنها إمارة كباقي الإمارات. لكن مصلحة قطر الاقتصادية من المفترض أن تكون راهنت على الفائز، أليس كذلك؟ لماذا لم تساير الوضع الدولي والإقليمي فالولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي مع هذا الانقلاب، وإن قالوا بعض العبارات اللطيفة عن معدلات القتل والعنف وما إلى ذلك. لماذا لم تساير قطر هذا الموقف. ولماذا تريد منها أن تتخذ الموقف الآخر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.