مدينة المحمدية من الحواضر الجذابة بموقعها الاستراتيجي على ساحل المحيط الأطلسي ما بين الرباطوالدارالبيضاء. إنه موقع يمكن أن يجعل منها فضاء سياحيا يستجيب لكل حاجيات المنطقة في مجال الترفيه والاستجمام والراحة. فالقادم من مدينة الدارالبيضاء، عبر الطريق الوطنية الساحلية، لا يمكنه أن لا يلاحظ أن هذه مدينة تشكل فعلا نقطة بداية لشريط سياحي ساحلي يمتد إلى مدينة الرباط، مرورا بمدينة بوزنيقة. والحالة هذه، لا يمكن أن لا يتبادر إلى ذهن الزائرين حاجة هذا الشريط إلى مخطط لتهيئته بالشكل الذي لا يترك مجالا للاستغلال العشوائي لثرواته الطبيعية الهائلة. إن ساكنة الدارالبيضاء الكبرى، العاصمة الاقتصادية للمملكة، تحتاج إلى فضاء سياحي ساحلي لا تختزل فيه الاستثمارات في بناء التجمعات السكنية بغرض الاصطياف فقط. وفي هذه النقطة بالذات، يلاحظ الزائر أن هذا الشريط يعرف انطلاق عدة مشاريع عقارية سكنية بمواصفات جديدة، دون الوقوف ،على طول الشريط، على أي إفادة من شأنها أن تؤكد خضوع كل هذه الاستثمارات لمخطط معماري وهندسي سيجعل منها «لؤلؤة» مجالية جذابة تعطي تميزا للتهيئة المجالية على مستوى التراب الوطني. وعودة إلى مدينة المحمدية، التي تعتبر بوابة لهذا الشريط، والتي تبتدئ من المحمدية زناتة، لا يمكن للمتتبع لتهيئة التراب الوطني، أن لا يلامس الأهمية التي تريد الدولة أن تعطيها لهذه البوابة. فمجموع المشاريع التي دشنها جلالة الملك، والمصاحبة للمنطقة الصناعية الشاسعة المرتبطة بالطريق السيار والطريق الوطنية في اتجاه عين حرودة، من المنتظر أن تجسد هذا الانشغال. إلا أن التجول في القلب النابض لهذه البوابة، مدينة المحمدية التي تنعت بمدينة الزهور، يثير عدة تساؤلات بشأن المسؤولية في التفكير في السياسة الحضرية بشكل عام. فلا يمكن للمتتبع أن لا ينتابه نوع من الشك بخصوص وجود منظور متكامل لتنمية هذا المجال الجغرافي الحيوي، منظور يجنب الوقوع في وضعية ضعف المردودية الترابية وإنجاز الاستثمارات غير المتناغمة وخصوصية المجال. فعلا، لطالما تحدث المهيئون المعماريون والجغرافيون عن المغرب النافع والمغرب غير النافع، لكن لم يشيروا، بالشكل الكافي، أن داخل ما يسمى بالمغرب النافع هناك مجالات ترابية إستراتيجية لم تلق الاهتمام المطلوب. فمدينة المحمدية تعد في هذا الشأن نموذج فضاء حضري استراتيجي الأكثر تضررا من هذه الناحية. فالزائر، لأول مرة لهذه المدينة، سيلامس الأهمية التي أعطيت للحديقة الجميلة أمام مقر العمالة، والتي مكنت الاستثمارات التجارية المجاورة لهذا الفضاء البيئي الممتاز من الانتعاشة المطلوبة. وسيلامس كذلك أن هناك انشغالا محليا يستحضر ضرورة إعطاء الأهمية المستحقة لفضاء الطفولة (فضاءات اللعب المؤطر). كما أن الوقوف على أهمية واتساع المجالات الخضراء داخل المدينة، كمعطى أساسي يزكي تسمية المحمدية بمدينة الزهور، لا يمكن أن لا يثير مسألة ضعف التهيئة على أساس مخطط مدروس للبيئة الحضرية. أما الأمر الأكثر إثارة فهو حالة ووضعية ما يمكن تسميته ب»كورنيش مدينة المحمدية» وشاطئها الطويل الممتد إلى ما بعد شاطئ ما يسمى ب»صابليت». الرداءة التي تميز هذا المرفق الترفيهي الهام تتجلى في ضعف جودة رماله، وانتشار الأعشاب بشكل عشوائي به. أما وضعية «الكورنيش» فهي تعطي الانطباع، من الوهلة الأولى، وكأن هذا المرفق لا يوجد في مجال حضري بقيمة المحمدية. أما شارع الحسن الثاني، فيحتاج إلى دراسة تأخذ بعين الاعتبار «سيولة» وسهولة السير والجولان بالمدينة ليكون هذا الشارع القلب النابض لها. وفي الأخير، لا يمكن للزائر أن يطرح سؤال مستقبل مدينة المحمدية كبوابة لشريط سياحي ساحلي طويل وشاسع؟، سؤال من المفروض أن يكون محورا أساسيا في التخطيط في إطار إعداد التراب الجهوي والجهوية الموسعة. ونظرا لما لهذا السؤال من علاقة قوية مع المردودية الترابية، لا بد أن تتم الإشارة إلى حاجة المغرب النافع إلى مخطط للتمكن من عقلنة استغلال إمكانياته الطبيعية والاقتصادية والبشرية. فالسرعة التي عرفها عرض المخطط التنموي لجهة الشمال، أمام جلالة الملك، بتركيبة تقنية ومالية تعاقدية، لتأكيد الاستمرارية والتكامل في الاستثمارات العمومية لتمتد التهيئة الساحلية من تطوان إلى إقليمالحسيمة، يجب أن تشكل حافزا للسلطات الإدارية والتمثيلية بجهة الدارالبيضاء الكبرى للإنكباب على بلورة مخطط للتهيئة يضمن التوزيع المتكافئ للسكان والأنشطة الاقتصادية داخل تراب الجهة مع الحرص على ضمان الاستغلال الناجع لإمكانياتها الترابية، عبر تحويل مدينة المحمدية إلى «جوهرة» الشريط الساحلي الممتد إلى مدينة الرباط.