في إجراء مفاجئ ومثير للجدل قرر البنك المركزي الياباني فرض أسعار فائدة سلبية على ودائع البنوك في مواجهة أزمة الانكماش التي يعاني منها الاقتصاد الياباني. ويهدف القرار، الذي اتخذه المجلس الإداري للبنك المركزي على إثر جلسة صاخبة يوم الجمعة بتصويت 5 أعضاء لصالحه و4 ضده، إلى ردع البنوك اليابانية عن الاحتفاظ بالأموال كودائع لدى البنك المركزي وحثها على إقراضها للأسر والشركات من أجل تحفيز الاستهلاك والاستثمار وتحريك العجلة المتوقفة للنمو الاقتصادي. وينظر المحللون إلى هذا الإجراء غير التقليدي كنوع من العلاج بالصدمة الكهربائية بعد أن استنفد المركزي الياباني خلال السنوات الثلاثة الماضية كل أدوات السياسة النقدية المعروفة ب"التسهيلات الكمية" في مواجهة الانكماش المتفاقم وانهيار أسعار المنتجات الذي يعصف باقتصاديات الدول المتقدمة. ورغم أن البنك المركزي لم يتوقف مند 2013 عن ضخ السيولة بكل الوسائل في شرايين الاقتصاد الياباني إلا أنه لم يستطع تحقيق هذفه المتمثل في زيادة معدل التضخم إلى مستوى 2 في المائة، وأنهى معدل التضخم الياباني سنة 2015 في مستوى 0.1 في المائة فقط. المنطق الكامن وراء اعتماد أسعار فائدة سلبية هو حث البنوك على توفير قروض بأسعار فائدة جد منخفضة (قريبة من الصفر) لتحفيز الأسر على الاستهلاك والشركات على شراء المعدات والاستثمار، ومن خلال ذلك تنشيط الدورة الاقتصادية عبر الطلب وتغيير توجه الأسعار في اتجاه الارتفاع. ففي ظل سعر فائدة سلبي سيؤدي احتفاظ الأبناك بالأموال في شكل ودائع لدى البنك المركزي إلى انخفاض قيمتها. ويعاني الاقتصاد الياباني، مثل الأمريكي والأوروبي، من تراجع قوي للطلب في غياب حافز التضخم. ففي سياق الإنكماش الاقتصادي ينهج المستهلكون والمستثمرون سلوكات انتظارية بسبب توقع استمرار انخفاض الأسعار وانتظار أسعار أفضل قبل القيام بمشترياتهم. ويرى المدافعون عن الفوائد السلبية أن توفير تمويلات جد رخيصة (بفائدة قرب الصفر) أو مدعومة (بفائدة سلبية) قد يحفز المستهلكين والمستثمرين على تغيير سلوكم. كما يعدون من فضائل أسعار الفوائد السلبية التخفيف من عبء المديونية. وللإشارة فإن العالم أصبح يعاني من تفاقم المديونية إلى مستويات خيالية. ففي اليابان أصبحت المديونية العمومية تمثل نحو 250 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، فيما تمثل المديونية الخاصة (الأسر والشركات) نحو 180 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وبفضل أسعار الفائدة السلبية سيكون على الحكومة اليابانية أداء مبالغ أقل برسم سداد ديونها. إضافة إلى آثار تخفيض سعر الفائدة على صرف العملة، وبالتالي تخفيض الين وتحسين تنافسية الصادرات اليابانية. غير أن محللين آخرين يتشككون في نجاعة وجدوى هذا الإجراء. فاعتماد أسعار فائدة سلبية يؤدي في نظرهم إلى تآكل الرساميل وفقدان قيمتها. كما أن توفير إمكانيات الاقتراض بأسعار بخسة إن لم تكن سلبية لن يؤدي في نظرهم بالضرورة إلى الإقبال على الاستهلاك والاستثمار، مشيرين إلى أن الجزء الكبير من هذه الأموال سيذهب إلى البورصة وأسواق المضاربة والأوراق المالية لينفخ بشكل غير طبيعي في أسعارها، مغذيا بذلك عناصر أزمة من نوع آخر. ويرى هؤلاء في استقبال بورصة طوكيو لقرار البنك المركزي بارتفاع بنسبة 2.8 في المائة يوم إعلانه تأكيدا لهذا الرأي، مفسرين تفاعل السوق بردة فعل استباقية للآثار المحتملة للإجراء على أسعار الأسهم، علما أن الاجراء لن يدخل حيز التنفيذ إلا مع بداية الأسبوع الثالث من الشهر الحالي. أما بخصوص المديونية فيتوقع المنتقدون أن يؤدي تخفيض أسعار الفائدة إلى تفاقمها بدل انخفاض قيمتها. ومن بين أبرز الانتقادات التي وجهت في الأشهر الأخيرة لسياسة التسهيلات الكمية المعتمدة في أمريكا أن السيولة الكبيرة التي قام البنك المركزي الفيدرالي بضخها في شرايين الاقتصاد الأمريكي ذهبت إلى وول ستريت لتمول عمليات المضاربة بدل تمويل الاستهلاك. وللإشارة فإن البنك الفدرالي الأمريكي تخلى أخيرا عن فكرة أسعار فائدة سلبية، وقرر رفع فائدته المرجعية إلى مستوى 0.25 في المائة بعد أن كانت في مستوى 0 في المائة.