أصدرت الحكومة الصينية وثيقة رسمية، هي الأولى من نوعها، تحدد فيها أسس سياسة الصين تجاه الدول العربية، وتفصل مجالات وآفاق التعاون المشترك. وتشتمل الوثيقة على مقدمة وخمسة أجزاء تتناول «تعميق علاقات التعاون الاستراتيجي الصينية العربية القائمة على التعاون الشامل والتنمية المشتركة»، و«سياسة الصين تجاه الدول العربية»، و«تعزيز التعاون الصيني العربي على نحو شامل»، و»منتدى التعاون الصيني العربي وأعمال المتابعة»، و»العلاقات بين الصين والمنظمات الإقليمية العربية». وأشارت الوثيقة إلى أن العالم العربي يعد شريكا مهما للصين التي تسلك بثبات طريق التنمية السلمية في مساعيها لتعزيز التضامن والتعاون مع الدول النامية، وإقامة علاقات دولية من نوع جديد تقوم على التعاون والربح المشترك، والتعامل مع العلاقات الصينية العربية من زاوية استراتيجية، تلتزم بتوطيد وتعميق الصداقة التقليدية بين الجانبين كسياسة بعيدة الأمد. وأكدت على إلتزام الصين بالفهم الصحيح للمسؤولية الأخلاقية وضرورة تنسيق جهود تعزيز السلام والإستقرار والتنمية في البلدان العربية وتحقيق تنمية أفضل في الصين، لتحقيق الكسب المشترك والتنمية المشتركة عبر التعاون واستشراف آفاق أكثر إشراقا لعلاقات التعاون الاستراتيجي بين الجانبين. وكان الرئيس الصيني، شي جين بينغ، قد حدد المجالات ذات الأولوية للتعاون الصيني العربي في الخطاب الذي ألقاه في افتتاح الاجتماع الوزاري السادس لمنتدى التعاون الصيني العربي عام 2014، مما اعتبر خارطة طريق لتطوير العلاقات الصينية العربية وبناء المنتدى. وجاء في الوثيقة، التي كشفت عنها الحكومة الصينية، أن الدول العربية قد تجاوبت بشكل إيجابي وفعال مع المبادرات الصينية التي تدعو إلى تشارك الجانبين في بناء الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن ال21 وتشكيل معادلة التعاون «1+2+3»، المتمثلة في اتخاذ مجال الطاقة كمحور رئيسي ومجالي البنية التحتية وتبسيط التجارة والاستثمار كجناحين وتؤشر 3 إلى مجالات ذات تقنية متقدم، تشمل الطاقة النووية والفضاء والأقمار الاصطناعية والطاقات الجديدة كنقاط اختراق في التعاون، وتعزيز التعاون في الطاقة الإنتاجية. وأكدت أن الصين ستعزز التعاون المالي مع الدول العربية، خاصة بين الجهات المختصة بالرقابة والإشراف، كما سترحب بانضمام الدول العربية إلى البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية والقيام فيه بدور فعال. وأشارت الوثيقة إلى أن الصين تدعم تبادل فتح فروع بين المؤسسات المالية الصينية والعربية التي تفي بالشروط المطلوبة والتعاون المهني المتعدد المجالات، علاوة على تعزيز التواصل والتعاون بين الجهات المختصة بالرقابة والإشراف، وتقوية التعاون النقدي بين البنوك المركزية. كما أعلنت الوثيقة أن الصين ستدرس توسيع دائرة التسوية العابرة للحدود باستخدام العملات المحلية والترتيبات الخاصة بتبادلها، وزيادة الدعم التمويلي والتأميني. وبحسب الوثيقة، فإن الصين ستسعى مع الدول العربية إلى تعزيز التنسيق والتعاون في المنظمات والآليات المالية الدولية واستكمال إصلاح المنظومة المالية الدولية بغية تعزيز حق الدول النامية في التعبير والتمثيل. وفي مجال مكافحة الإرهاب، شددت الوثيقة على أن الصين حريصة على تعزيز التواصل والتعاون مع الدول العربية في هذا المجال، وإقامة آلية طويلة الأمد للتعاون الأمني وتعزيز الحوار بشأن السياسات وتبادل المعلومات الاستخباراتية، وإجراء التعاون التقني والتدريب، لمواجهة التهديدات الإرهابية الدولية والإقليمية بشكل مشترك. وذكرت الوثيقة أن الصين ترفض بشكل قاطع وتدين الإرهاب بكافة أشكاله، وترفض ربط الإرهاب بعرق أو دين بعينه، وترفض المعايير المزدوجة في التعامل معه، لافتة الانتباه إلى أنها تدعم جهود الدول العربية في مكافحة الإرهاب وتدعم جهودها في تعزيز قدراتها على مكافحة هذه الآفة. وأضافت أن الجانب الصيني يعتقد أن مكافحة الإرهاب تتطلب إجراءات شاملة واستئصال الإرهاب من مظاهره وبواطنه في آن واحد، وأنه يجب الالتزام بمقاصد ومبادئ ميثاق الأممالمتحدة وقواعد القانون الدولي، واحترام سيادة الدول واستقلالها ووحدة أراضيها في عمليات مكافحة الإرهاب. أما بخصوص الأمن غير التقليدي، فقالت الوثيقة إن الصين تدعم جهود المجتمع الدولي في مكافحة القرصنة البحرية، إلى جانب التزامها بمواصلة إرسال السفن العسكرية للمشاركة في مهام حماية سلامة الملاحة البحرية الدولية قبالة خليج عدن والسواحل الصومالية، بالإضافة إلى التعاون في مجال أمن الأنترنت. وثمنت الوثيقة إلتزام الدول العربية والمنظمات الإقليمية المستمر بمبدإ «صين واحدة»، مؤكدة أن قضية تايوان تخص المصالح الجوهرية للصين، وأن مبدأ الصين الواحدة أساس هام لإقامة وتطوير العلاقات بين الصين والدول العربية والمنظمات الإقليمية، مشيرة إلى أن الجانب الصيني يثمن عدم قيامها بتطوير علاقات رسمية أو إجراء تواصل رسمي مع تايوان، ودعمها للتنمية السلمية للعلاقات بين جانبي مضيق تايوان وقضية إعادة توحيد الصين. ومن جانب آخر، أكدت الوثيقة أن الصين تدعو إلى تطبيق مفهوم الأمن المشترك والشامل والتعاوني والمستدام في الشرق الأوسط، ودعم قيام الدول العربية وسائر دول المنطقة ببناء آلية الأمن الإقليمية، التي تقوم على التعاون الجماعي وتتسم بالتشارك والتقاسم، بما يحقق الأمن والأمان الدائمين والازدهار والتنمية في المنطقة. وشددت الوثيقة على احترام الصين لخيار شعوب الدول العربية، ودعم جهودها لاستكشاف الطرق التنموية التي تتناسب مع خصوصياتها الوطنية، والتطلع لزيادة تبادل الخبرات حول حكم وإدارة البلاد من خلال مجموعة من النقاط، كزيادة التعاون العملي، وفقا لمبدأ المنفعة المتبادلة والكسب المشترك، وخاصة التشارك في بناء «الحزام والطريق»، والاستفادة من استراتيجيات الجانبين للتنمية، وتوظيف ما لديهما من المزايا والإمكانيات الكامنة لتحقيق التقدم المشترك والتنمية المشتركة. وأكدت الوثيقة حرص الصين على تعزيز التشاور والتنسيق مع الجانب العربي لصيانة مقاصد ومبادئ «ميثاق الأممالمتحدة»، وتطبيق أجندة الأممالمتحدة للتنمية المستدامة 2030، بما يحافظ على العدل والعدالة في المجتمع الدولي، ويدفع بالنظام الدولي نحو اتجاه أكثر عدلا وإنصافا، إلى جانب احترام المصالح الحيوية والهموم الكبرى للجانب الآخر في إصلاح الأممالمتحدة، وقضايا تغير المناخ والأمن الغذائي وأمن الطاقة وغيرها من القضايا الدولية الهامة، ودعم المطالب المشروعة والمواقف الصائبة، والعمل بحزم على حماية المصلحة المشتركة للدول النامية.