تهب على العالم الإسلامي رياح عاتية من التطرف والتخلف والتناحر الطائفي، والصراع باسم الدين والمذاهب، كما لو كان يعيش مرحلة الحروب الدينية، التي عاشتها أوروبا، خلال فترة طويلة من تاريخها، والتي عرفت ثماني حروب، من سنة 1562 إلى سنة 1598، حيث تواجهت الكاثوليكية، مع المذاهب الجديدة، البروتستانتية، وعرفت تناحرا بين الطرفين، أدى إلى موت عشرات الآلاف من الضحايا، كما تواجهت فيها دول أوروبية. فبالإضافة إلى البعد الديني، كان هناك البعد الاجتماعي والسياسي، كامنا وراء هذه الحروب، التي عرفت هجوما كبيرا على سلطة الكنيسة، التي كانت مرتبطة بالملكيات وبالإقطاع، و كانت جزءا من الطبقة السائدة، التي تستعبد الشعب، وتوفر للمستبدين الغطاء والتبرير الإيديولوجيين. غير أن الفرق بين ما يجري اليوم في العالم الإسلامي، هو أننا أمام صراع لم تتضح معالمه بعد، حيث مازال سائدا فيه المتشددون، من كل المذاهب السنية، فضلا عن الصراع الذي طفا على السطح، وهو ما يسمى بالصراع بين السنة والشيعة. غير أنه من الضروري التساؤل هل هذا الصراع السني - الشيعي، صراع ديني، أم سياسي بالدرجة الأولى، حيث تتزعمه دولتان، هما السعودية، التي "تنوب" عن السنة، وإيران التي "تنوب" عن الشيعة. لم يظهر لحد الآن أن هناك جدلا دينيا، بين السنة والشيعة، له أبعاد فكرية وإيديولوجية عميقة، بقدر ما هناك اصطفاف طائفي، يطغى عليه التموقع الإقليمي، وصراع النفوذ في المنطقة، علاوة على غياب الأبعاد التي أخذتها الحروب الدينية، في أوروبا، والتي كانت إرهاصا بظهور الفكر العقلاني، وفلسفة الأنوار، من خلال فصل الدين عن السياسة، وبروز العلمانية، كنظام سياسي يناقض الدولة الدينية. مازلنا بعيدين عن مرحلة الإصلاح الديني، رغم أن أسئلة مقلقة أخذ بعض المفكرين والمثقفين والإعلاميين يطرحونها، حول كيفية تعاملنا مع التراث الديني، الذي هو في حاجة إلى غربلة كبيرة ومتواصلة، من أجل نفض غبارالجهل واللاعقلانية الذي يغلفه، والذي ساهمت في إنتاجه أنظمة سياسية، كانت ومازالت في حاجة إلى كهنوت وتأويل ظلامي، يبرر سطوتها ونفوذها وتسلطها على رقاب الشعوب، في الجهتين معا، سُنَةً وشيعة.