كثفت عواصم الغرب من تصريحاتها وابتعد خطابها لحظة بعد لحظة عن نظام مبارك. أوباما صرح بأن على مبارك البدء فورا بعملية إنتقال سلمي للسلطة. لندن ناشدته باجراء «تغيير حقيقي ومنظور وشامل»، ساركوزي عبر عن رغبته في أن يرى عملية انتقال محددة تبدأ دون تأخير. وبرلين طالبت بانتقال سلمي وديمقراطي للسلطة. واشنطن دعا الرئيس الاميركي باراك اوباما نظيره المصري حسني مبارك الثلاثاء الى البدء فورا بعملية انتقال سلمي للسلطة، وذلك اثر اعلان الاخير انه لن يترشح لولاية ثانية ولكنه لن يتنحى قبل انتهاء ولايته في الخريف المقبل. وتحدث اوباما مع مبارك عبر الهاتف مساء الثلاثاء لمدة نصف ساعة، وذلك اثر ادلاء الرئيس المصري بخطاب الى الامة قال فيه انه لن يترشح لولاية سادسة ولكنه لن يغادر السلطة قبل اجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة المتوقعة في سبتمبر. واكد اوباما لنظيره المصري ان عملية انتقال السلطة سلميا في مصر يجب ان تبدأ «الان»، ولكن من دون ان يدعوه الى التنحي فورا، مشددا على انه لا يعود الى الولاياتالمتحدة ان تختار الرئيس المقبل لمصر. وقال الرئيس الاميركي «ما هو واضح وقد ابلغته هذا المساء للرئيس مبارك انني اعتقد ان عملية انتقال منظم للسلطة ينبغي ان تكون ذات معنى وان تتم في شكل سلمي وان تبدأ الان». وانطلاقا من حرصه على التوفيق بين سعيه للحفاظ على علاقات جيدة بين الولاياتالمتحدة وحلفائها في المنطقة من جهة ومبادئ الحرية والديموقراطية التي واشنطن أنها ترفع لواءها من جهة اخرى، خاطب اوباما الشباب المصريين الذين يتظاهرون منذ اسبوع والذين رفضوا ما اعلنه الرئيس المصري لجهة تأكيده انه باق في الحكم حتى سبتمبر. وقال اوباما «الى شعب مصر، وخصوصا الى شباب مصر، اود ان اكون واضحا، نحن نسمع اصواتكم. انني مؤمن تماما بانكم ستحددون مصيركم بانفسكم». ومن المنطلق نفسه تطرق اوباما ايضا الى الدور الذي يضطلع به الجيش المصري في هذه الازمة، وقال «اريد ان احيي الجيش المصري على الاحتراف الذي اظهره عبر حمايته الشعب المصري». وتابع «لقد شاهدنا دبابات مغطاة باعلام وجنودا ومتظاهرين يتعانقون في الشوارع. انني احض الجيش على مواصلة جهوده لضمان اتمام لحظة التغيير هذه في شكل سلمي». لندن وفي لندن جددت بريطانيا مناشدتها السلطات المصرية اجراء «تغيير حقيقي ومنظور وشامل»، وذلك اثر اعلان الرئيس حسني مبارك انه سيبقى في السلطة حتى الانتخابات الرئاسية المقبلة في سبتمبر وانه لا يريد تجديد ولايته. وقالت وزارة الخارجية البريطانية في بيان «لقد كنا واضحين (...) في احاديثنا الخاصة مع الرئيس مبارك وحكومته حول ضرورة الانتقال الى حكومة قاعدتها موسعة اكثر، تنتج تغييرا حقيقيا ومنظورا وشاملا». واضاف البيان ان «الرئيس مبارك طرح بعض المقترحات على الشعب. سندرسها بالتفصيل. في النهاية فان الامتحان الحقيقي سيكون معرفة ما اذا تمت تلبية تطلعات الشعب المصري». وقال المتحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في ختام اجتماع اسبوعي للحكومة خصص لدرس الوضع في مصر «قلنا ان من المهم ان تصغي الحكومة المصرية لتطلعات شعبها. هذا يعني الانتقال الى حكومة تقوم على قاعدة موسعة تضم ممثلين عن المعارضة من اجل تغيير سياسي حقيقي». واضاف «يبدو واضحا نظرا الى التعديل الذي حصل امس اننا لم نصل بعد الى هذه الغاية ونعتبر ذلك مخيبا للامال». وتابع «من المهم ان يلبي الرئيس مبارك مطالب الشعب المصري الذي يريد تغييرا حقيقيا وواضحا وكاملا». وذكرت رئاسة الوزراء ان كاميرون بحث الثلاثاء الوضع في مصر في اتصالين مع العاهل السعودي الملك عبدالله ورئيس الوزراء المصري احمد شفيق. وفي الاتصالين اشاد رئيس الوزراء ب»ضبط النفس» الذي اظهره الجيش المصري الثلاثاء في التعامل مع المتظاهرين وشدد على «اهمية تنظيم التظاهرات سلميا». باريس دعا الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أمس الاربعاء الى انتقال سريع للسلطة في مصر بعد أن قال الرئيس حسني مبارك انه لن يتنحى قبل انتهاء فترته الرئاسية في وقت لاحق من العام. وقال بيان صادر عن مكتب ساركوزي «في أعقاب خطاب الرئيس مبارك يؤكد رئيس الجمهورية مجددا رغبته في أن يرى عملية انتقال محددة تبدأ دون تأخير.» وأضاف البيان «يدعو كافة السلطات المصرية الى أن تفعل كل ما هو ممكن كي تتم هذه العملية الحاسمة دون عنف وكانت فرنسا قد أكدت في وقت سابق ، »ضرورة وقف إراقة الدماء« في مصر، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية برنار فاليرو في ندوة صحفية »يجب وقف إراقة الدماء. سقط عدد كبير من القتلى وكثير من الجرحى«. وقال »يجب أن يتوقف ذلك«. وشددت وزيرة الخارجية الفرنسية ميشال اليو ماري ونظيرها البحريني الشيخ خالد بن احمد الخليفة »على الأهمية التي يتعين ايلاؤها للهيئات المدنية والحوار الذي تجريه مع الحكومات«. وأضاف فاليرو »سمح هذا اللقاء بالتطرق الى القضايا الإقليمية التي أبدى الوزيران تقاربا كبيرا في وجهات النظر بشأنها«. وأوضح فاليرو من جهة اخرى ان من المقرر عقد اجتماع في وزارة الخارجية مع مندوبي خمس عشرة مؤسسة فرنسية متمركزة في مصر بدأت بعضها بإعادة موظفيها الى فرنسا. برلين رحب وزير الخارجية الألماني غيدو فيسترفيله بتخلي مبارك عن الترشح لولاية جديدة، مضيفاً في تصريحات لراديو بافاريا أنه من المهم أن تتبع إعلانات الحوار مع المعارضة خطوات جدية وملموسة. وأكد فيسترفيله أن أوروبا والولاياتالمتحدة تتابع تطور الوضع في مصر عن كثب، وطالب بانتقال سلمي وديمقراطي للسلطة. وزير الخارجية الألماني: علاقتنا مع مصر متينة وندعم الديمقراطية أجرت الإذاعة الألمانية (DLF) مقابلة مع وزير الخارجية الألماني غيدو فيسترفيله تحدث فيها عن موقف حكومته من الأحداث التي تشهدها مصر، وعبر فيها عن دعم برلين للديمقراطية والقلق من استغلال الإسلاميين المتطرفين لهذه الأحداث. الإذاعة الألمانية (DLF): السيد فيسترفيله، هل غض الغرب، بما فيه ألمانيا، الطرف طويلا عن انتهاكات حقوق الإنسان التي حصلت في مصر؟ فيسترفيله: أعتقد أن هذا النقد محق في جزء منه. لكن وفيما يتعلق بالحكومة الألمانية يمكنني القول، إننا لم نغض الطرف عن قضايا حقوق الإنسان والحقوق المدنية. وأذكر جيدا أنني عندما قمت بزيارتي الأولى إلى القاهرة - ورغم الصداقة التي طالما أكدنا عليها، ومنها الدور البناء لمصر في عملية السلام في الشرق الأوسط - فإنني تحدثت عن احترام حقوق الإنسان والحقوق المدنية. الإذاعة الألمانية : لكنك أثناء زيارتك القاهرة في العام الماضي، وصفت الرئيس المصري حسني مبارك بأنه رجل يملك تجربة هائلة وحكمة عظيمة ونظرة مستقبلية راسخة، فهل مازال هذا رأيك فيه اليوم أيضا؟ فيسترفيله: لقد قلت هذا في سياق حديثي عن عملية السلام في الشرق الأوسط، وإذا أردنا تقويم التاريخ حقا - وأنا موجود الآن في تل أبيب - فإن مصر لعبت دورا بناء وكانت عامل استقرار في عملية سلام الشرق الأوسط. لكن وفيما عدا ذلك فإننا لم نترك مجالا للشك، بأننا نعتبر احترام حقوق الإنسان أمرا لا غنى عنه. ولذلك سارعت الحكومة الألمانية، مع بدء موجة الاحتجاجات التي انطلقت من تونس، إلى التأكيد مرارا على وقوفنا إلى جانب الديمقراطية. الآن هناك فرصة لنشر الديمقراطية، وقد دعونا ومازلنا ندعو إلى عدم استخدام العنف لإجهاض الرغبة المشروعة للمواطنات والمواطنين المطالبين بمستقبل أفضل وبالحرية والحقوق المدنية. ونحن نخشى كذلك من أن يكون المستفيد من مواصلة استخدام العنف ضد المظاهرات، تلك الجهات التي لا نريد تقويتها: الإسلاميين والأصوليين، أي المتطرفين. الإذاعة الألمانية : هل يعني هذا في رأيك أن الرئيس مبارك لم يعد صالحا لإدارة دولة؟ فيسترفيله :هذا ليس من شأننا، هذا شأن يجب نقاشه في مصر أولا عبر الحوار، وهذا ما دعونا الرئيس مبارك إليه. الإذاعة الألمانية : هل تقف إذن إلى جانب أولئك المطالبين بالحرية في مصر والقاهرة والمدن الأخرى، هل تقف إلى جانب المحتجين؟ فيسترفيله :نحن لا نقف إلى جانب أي جهة داخلية، نحن نقف إلى جانب قيم حقوق الإنسان والديمقراطية والحقوق المدنية وحرية التظاهر وحرية الرأي والإعلام. هذه قيم أساسية يقوم عليها نظام قيمنا الديمقراطية في أوروبا. ولهذا لا يوجد أدنى شك بأن سياستنا الخارجية تحتكم إلى هذه القيم التي ندعو الجميع إلى احترامها. وكل الذين انتقدوا سياستنا الخارجية المستندة على هذه القيم ووصفونا بالمثاليين والحالمين، يقرون الآن بأن ضمان الحرية يعني الاستقرار في المجتمع، وخاصة في مجتمعات تشهد الطبقة الوسطى فيها حراكا، وأن قمع الحريات يؤدي إلى عدم استقرار المجتمعات. الإذاعة الألمانية : السيد فيسترفيله، هل كان مضاعفة صادرات السلاح إلى مصر في عام 2009 مقارنة مع العام الذي سبقه، جزءا من الصداقة الألمانية المصرية؟ فيسترفيله : لا يمكنني هنا الدخول في تفاصيل صفقات أبرمت في عهد الحكومة السابقة. لكن ما يمكنني التأكيد على صحته هو أننا نريد أن تبقى علاقتنا مع مصر متينة في المستقبل أيضا. نحن نريد شراكة اقتصادية وتنموية مع مصر، فمصر دولة هامة ولها وزنها. ونحن في المقابل لدينا علاقات قوية مع الشعب المصري، وهي علاقات قديمة ومتجذرة وليست وليدة السنوات القليلة الماضية، وهذه العلاقات بالنسبة إلينا خارج كل مناقشة. لكن وفي الوقت نفسه أوضحنا للحكومة المصرية بأن تمتين علاقاتنا والتعاون السياسي بيننا رهن بتطورات بالوضع الديمقراطي الداخلي في مصر. الإذاعة الألمانية : هل يعني هذا أنكم تنوون إعادة النظر في مساعدات التنمية التي تقدمها الحكومة الألمانية إلى مصر، مع العلم أن مصر تأتي في المرتبة الثانية من حيث مساعدات التنمية الألمانية؟ فيسترفيله : كلا، ليس الآن، فمساعدات التنمية التي نقدمها إلى مصر يستفيد منها أفقر الفقراء وتصرف من أجل التنمية وعلى مشاريع طبية ومشاريع الطاقة. نحن لا ندفع أموالا إلى الحكومة ولا ندعم بنيتها، بل ندعم مشاريع تنموية محددة، وإذا أوقفنا هذا الدعم فسوف يتضرر أولئك الذين يتظاهرون الآن من أجل مستقبل أفضل، وبذلك سندمر آمالهم. الإذاعة الألمانية : حذرتَ في بداية حديثنا من المتشددين الإسلاميين المستعدين لاستخدام العنف في مصر، وهناك سياسيون آخرون ينهجون نفس النهج، هل من أساس لهذا التحذير؟ وما هي أدلتك على أن الإخوان المسلمين، على سبيل المثال، لا يريدون المشاركة في العملية الديمقراطية؟ فيسترفيله : أنا موجود الآن في تل أبيب، وقد أجريت محادثات مطولة مع نظيري الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان ، ويمكنني أن أقول لك بأن لدينا قدرا كبيرا من القلق في المنطقة بأسرها طبعا، وقلقنا هو أن الرغبة المشروعة من أجل الحرية والرغبة المشروعة في الحقوق الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير، قد تصب بسرعة في صالح جهات أخرى تنتظر فرصتها. بكلمات أخرى: نخشى أن يستغل الإسلاميون والأصوليون ذلك. وهذا أمر مقلق يجب علينا طبعا مراقبته. نحن نريد دعم التطور الديمقراطي، لكن ما لا نريده، وحين يستعمل العنف مثلا، أن يتحول احتجاج من أجل الحرية إلى احتجاج يستفيد منه الأصوليون والمسلمون المتشددون.