حسب بعض القصاصات الإخبارية فقد»حسم مشروع قانون مالية السنة المقبلة في الرفع من سن التقاعد من 62 سنة وذلك بصفة تدريجية ليصل إلى سن 65 سنة...من بداية 2016 إلى 2021..كما وضعت الحكومة مشروع مقاييس احتساب التقاعد خاصة ما يتعلق بقيمة المساهمات وقاعدة احتساب المعاش».وأهم الإصلاحات التي جاء بها المشروع الحكومي هي كالتالي: رفع مساهمات الموظّفين في صندوق التقاعد من 10 إلى 14 من قيمة أجورهم وتتقاسم الحكومة مع الموظفين نفس المساهمة؛ رفع سن التقاعد تدريجيا من 60 سنة حاليا إلى 65 سنة في 2021؛ تخفيض نسبة احتساب المعاش من 2.5 إلى 2 ما يعني انخفاض قيمته؛ رفع عتبة الحصول على التقاعد المبكّر من 21 سنة إلى 26 سنة؛ احتساب المعاش على أساس متوسّط أجر السنوات الثماني الأخيرة عوض آخر أجر... الملاحظ أن الإصلاح الحكومي للتقاعد،وأخص هنا قطاع التعليم وخصوصا تمديد سن التقاعد للمدرسين والمدرسات،هو إصلاح لا تربوي،يضرب في العمق مطلب الجودة والفعالية الذي تطبل به الحكومة في خطاباتها التعليمية الرسمية،ولا إنسانية،تنظر إلى الموظف- ة/الأستاذ- ة باعتباره مجرد آلة شغل،مجردة منه آدميته وأبعاده الإنسانية الفزيولوجية/الصحية والنفسية والإجتماعية...لأن مايحكمها حقيقة في مشروعها لإصلاح نظام التقاعد(الصندوق المغربي للتقاعد) هو سياسة ونظرة تقنوقراطية مالية تقشفية في قطاع التعليم يمليها فقط الخصاص المهول الحالي والمستقبلي للأساتذة ،أكثر من ادعائها السطحي لازمة الصندوق،وهذا ماسنحاول توضيحه وفضحه تحليليا ونقديا في هذه الورقة: حسب ماتيسر لنا من بعض المعطيات الإحصائية(وهي طبعا تقريبية)،التي تخص نسبة المناصب المالية التي تحدثها الحكومة لوزارة التربية الوطنية بالمقارنة مع الحاجيات الحقيقية من المناصب(فقط المدرسون). فقد أعلن رسميا سنة 2010 ان الخصاص يقدر بحوالي 30000 أستاذ وأستاذة، ويتوقع ان يصل الخصاص في الموسم الدراسي 2015/2016 حوالي 30%. من خلال هذه المعطيات نلاحظ ان الحكومات المتعاقبة لا تعوض المحالين على التقاعد او المغادرين لأسباب الوفاة وغيرها،بالإضافة إلى مخلفات المغادرة الطوعية وتغيير الإطار والتدريس بالخارج والتفرغ و التكليفات الإدارية والوضع رهن الإشارة...تاركة الخصاص في القطاع يتعمق سنة بعد سنة،ونظرا للسياسات التقشفية الضيقة في القطاع على مستوى إحداث المناصب المالية الكافية والمغطية للخصاص،ناهيك عن قلة العرض التربوي وعدم كفايته،فإن ذلك تنجم عنه كوارث تربوية،تضرب في العمق مطلب الجودة والفعالية والمردودية...(الإكتظاظ الذي وصل هذه السنة في بعض الأقسام 70 تلميذا،تفريخ الأقسام المشتركة،حذف التفويج و الساعات في بعض المواد او حذف مواد بالمرة،تكليف أساتذة بتدريس مواد غير تخصصهم...)،الاحتفاظ بالمتقاعدين خلال السنة الدراسية...والحقيقة الساطعة حسب إحصائيات الخصاص الحالية والمتوقعة(والحكومة تتوفر على الأرقام الحقيقية ولا تمتلك الشجاعة للإعلان عليها وتتستر عليها ضاربة الحق في المعلومة كما ينص على ذلك الدستور عرض الحائط) أن هناك افتعال لأزمة مالية لصندوق التقاعد،لفرض سياسة تقشفية في القطاع تلبية لتعليمات صندوق النقد الدولي عدو الخدمات العمومية...فلما ،مثلا،الحكومة لا تعمل إن كانت بالفعل هناك أزمة مالية(وهناك بعض أعضاء المجلس الإداري للصندوق المغربي للتقاعد أصدروا بيانا يعلنون فيه أن الصندوق يعرف فائضا ولا يعاني من أزمة؟!) لا تضخ فيه أموالا إضافية(باعتبار الدولة راعية اجتماعية،وكذلك أداء أقساطها التي لم تؤديها لسنوات...)،كما تضخ الملايير من أموال المال العام لصالح القطاع الخاص وبعض القطاعات (لإنقاذها من الإفلاس)على شكل امتيازات وإعفاءات او تقليصات ضريبية ولما لا تعمل على استرجاع الأموال المنهوبة،وترشيد نفقات الصندوق...؟! الحقيقة أن الدولة/الحكومة،وبتعليمات من صندوق النقد الدولي وغيره،لا تمتلك سياسة اجتماعية عمومية حقيقية،وتتجه نحو سياسة لبيرالية متوحشة،التي تسعى إلى التخلص من النفقات العمومية وتشجيع كل ماهو رأسمال وقطاع خاص،وتحقيق التوازنات المالية على حساب جيوب وصحة الموظفين. في آخر خرجة للمندوب السامي للتخطيط(الحليمي،الذي لا تحتمل الحكومة حقائق أبحاثه وإحصائياته)، وهويمثل هيأة رسمية علمية مستقلة ،في عرضه حول»أية أهداف للتنمية لما بعد 2015»،قال مايفيد:الأفراد مابعد 60 سنة هم عرضة للإمراض المزمنة،ونتيجة لذلك فإن مردوديتهم تعرف تراجعا مع تقدمهم في السن،لذلك ينبغي أن تأخذ الإصلاحات المرتقبة في الأنظمة الوطنية للتقاعد بعين الاعتبار الآثار المترتبة عن احتمال تمديد سن التقاعد... غير أن الحكومة الحالية بتوجهاتها الرأسمالية المتوحشة،وبمقاربتها التقنية المحسباتية المالية للحفاظ على التوازنات المالية لصالح القطاع الخاص خاصة وديون صندوق النقد الدولي وغيره،لا تريد أن تستمع لا لحقائق الحليمي ولا المجلس الاقتصادي ولا إلى النقابات،ولا إلى بعض الدراسات العلمية الوطنية والمقارنة التي تؤكد تعرض معظم رجال ونساء التعليم لعدة أمراض مع تقدمهم في السن: أمراض عضوية: ضعف البصر، دوالي الساقين، الضغط، السكري، أمراض القلب، الربو، الحساسية، ضعف السمع، التهاب الحبال الصوتية، صداع، التهاب أوتار اليد، التهاب الحنجرة والحلق، الديسك، خشونة في الرقبة والمفاصل، بحة في الصوت وضعفه، إجهاد عضلي، الغدة الدرقية، والقولون العصبي أمراض نفسية: توتر وإجهاد عصبي، إحباط واكتئاب نفسي، القلق والاضطراب، السرحان والانطواء والنسيان،الانتحار ومحاولات الانتحار، متلازمة الاحتراق النفسي... وهذا يعني أن كلما تقدم المدرس/ة في السن إلا وكان عرضة لعدة أمراض عضوية ونفسية،نظرا لكون مهنة التعليم تعد من المهن الشاقة عصبيا ونفسيا وفسيولوجيا(ناهيك عن شروط العمل الشاقة:الفرعيات في العالم القروي،الاكتظاظ،الشغب،غياب وسائل وظرف العمل،ضغط الساعات والمقررات...)... لكن مايهم حكومتنا هو تمديد سن التقاعد للحفاظ على سياساتها التقشفية في القطاعات الاجتماعية،واعتبار المدرسين مجرد آلة للعمل من المهد إلى اللحد،مغيبة كون المدرس/ة هو كائن إنساني:فزيولوجي ونفسي واجتماعي،من حقه المرض والراحة في «أردل عمره» ولما لا التمتع بتقاعده كإنسان ومواطن أسدى خدمات جليلة للوطن والمجتمع..لكن الحكومة الحالية ستعاقبه بالرفع من سن التقاعد وبالرفع من المساهمات(اقتطاع آخر من أجرته الهزيلة أصلا،خفض منحة تقاعده،التي لن تكفيه حتى في معالجة الأمراض المزمنة...)...ناهيك عن عدم قدرة المسنين على العطاء والفعالية،هذا إن كانوا أصحاء،وما بالك إن كانوا مرضى؟!فأين هي شعارات الجودة والفعالية ووووو كل هذا لأن حكومتنا/دولتنا تريد أن تتقشف في قطاع يرهن تنمية وتقدم البلاد والعباد،ولا تريد أن توظف أكثر،وأن تصرف أكثر على القطاع،في حين تهدر الملايير في قطاعات ووزارات ومشاريع وأنشطة وخدمات وتفاهات...لا ترجع على البلاد بأي فائدة تنموية ومجتمعية حقيقية... محصلة القول،الحكومة الحالية،باعتمادها سياسات تقنوقراطية مالية و لبيرالية متوحشة،فإن مشرعها لإصلاح التقاعد(الصندوق المغربي للتقاعد)،وخصوصا بالنسبة لموظفي التعليم(الأساتذة)،هو مشروع لا تربوي ولا إنساني...همه وحقيقته التقشف في قطاع لا يحتمل التقشف،ويرهن مستقبل وحاضر البلاد والعباد،كما قلنا،التنموي والمجتمعي...ياناس،إنه قطاع يجب ان يكون خارج حساباتكم المالية الضيقة،وقطاع سيادي،يجب ألا يخضع لتعليمات اوتوجيهات أي جهة خارجية،خصوصا إن كانت مالية رأسمالية ومتوحشة...أو على الأقل يجب استثناء أساتذة قطاع التعليم من هذه الإصلاحات المجحفة واللاتربوية واللاإنسانية للتقاعد،نظرا للأسباب السالفة الذكر،حيث ستعملون على المزيد من تأزيم منظومة تعليمية مأزومة أصلا. *باحث تربوي