موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"    موتسيبي: كأس أمم إفريقيا للسيدات المغرب 2024 ستكون الأفضل والأنجح على الإطلاق    الصويرة تستضيف اليوم الوطني السادس لفائدة النزيلات    ضمنهم موظفين.. اعتقال 22 شخصاً متورطين في شبكة تزوير وثائق تعشير سيارات مسروقة    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"    طقس حار من السبت إلى الاثنين وهبات رياح قوية مع تطاير الغبار الأحد بعدد من مناطق المغرب        صادرات الصناعة التقليدية تتجاوز 922 مليون درهم وأمريكا تزيح أوروبا من الصدارة    الرئيس الصيني يضع المغرب على قائمة الشركاء الاستراتيجيين    افتتاح أول مصنع لمجموعة MP Industry في طنجة المتوسط    وهبي: أزماتُ المحاماة تقوّي المهنة    خبراء: التعاون الأمني المغربي الإسباني يصد التهديد الإرهابي بضفتي المتوسط    الإكوادور تغلق "ممثلية البوليساريو".. وتطالب الانفصاليين بمغادرة البلاد    المغرب التطواني يُخصص منحة مالية للاعبيه للفوز على اتحاد طنجة    حكيمي لن يغادر حديقة الأمراء    المحكمة توزع 12 سنة سجنا على المتهمين في قضية التحرش بفتاة في طنجة    ابن يحيى تشارك في افتتاح أشغال المنتدى البرلماني السنوي الأول للمساواة والمناصفة    بوريطة: المقاربة الملكية لحقوق الإنسان أطرت الأوراش الإصلاحية والمبادرات الرائدة التي باشرها المغرب في هذا المجال    من العاصمة .. إخفاقات الحكومة وخطاياها    مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"        "أطاك": اعتقال مناهضي التطبيع يجسد خنقا لحرية التعبير وتضييقا للأصوات المعارضة    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    هذا ما قررته المحكمة في قضية رئيس جهة الشرق بعيوي    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    فاطمة الزهراء العروسي تكشف ل"القناة" تفاصيل عودتها للتمثيل    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    المحكمة الجنائية الدولية تنتصر للفلسطينيين وتصدر أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير حربه السابق    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    قانون حماية التراث الثقافي المغربي يواجه محاولات الاستيلاء وتشويه المعالم    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    ما صفات المترجِم الناجح؟    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    كينونة البشر ووجود الأشياء    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    المجر "تتحدى" مذكرة توقيف نتانياهو    رابطة السلة تحدد موعد انطلاق الدوري الأفريقي بالرباط    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    مفتش شرطة بمكناس يستخدم سلاحه بشكل احترازي لتوقيف جانح    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    العربي القطري يستهدف ضم حكيم زياش في الانتقالات الشتوية    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء        تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في كتاب الدكتور حسن المودن: «بلاغة الخطاب الإقناعي»
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 04 - 12 - 2015


1
لن تظفر، وأنت تجيل النظر والفكر في كتاب الباحث المقتدر الدكتور حسن المودن الموسوم ب: بلاغة الخطاب الاقناعي: نحو تصور نسقي لبلاغة الخطاب1، إلا بزخم وافر من الأفكار المفيدة والطرائف الفريدة. أضمن للقارئ ذلك، وأضمن له فوق ذلك متعة ارتياد واكتشاف أحياز وأنحاء طريفة من « أقاليم « البلاغة ظلت طي الإهمال والنسيان ولم تطأها أقلام البحث إلا لماما، وهي رحلة لا يمكن إلا أن تكون آمنة المنطلق والمسالك مثمرة العواقب مادامت بصحبة مرشد معين يمتلك كفاءة اقتدار في البحث العلمي2، عارف بتضاريس البلاغة أصولها وامتداداتها قديمها وجديدها، شرقيها وغربيها، واضح الرؤية والهدف، خبير في تعبيد المسارات الصعبة والمسالك الوعرة ذات المنعرجات والحنايا التي من شأنها أن تعترض سبيل القارئ وتملي عليه كلفة و رهقا لو شاء أن يقتحم تلك التخوم لوحده .
2
يستمد كتاب: بلاغة الخطاب الاقناعي: نحو تصور نسقي لبلاغة الخطاب - في نظري- جاذبيته وجدواه من أمور شتى – تشكل في حقيقة الأمر أهم رهانات هذا البحث – منها:
- كون الكتاب يتوسط لجج موضوع يتسم بالراهنية والحيوية، إذ يعد الإقناع – كما يقول المؤلف نفسه : « أبرز إشكالية في عالم يعرف تقدما سريعًا ومتواصلا في وسائل الاتصال والتواصل والإعلام، ومن المفترض في هذا التقدم أن يسمح بالحوار والاختلاف والتعدد، وأن يرسخ ثقافة التواصل والإقناع بعيدًا عن كل أشكال التوجيه والهيمنة.»3 وبذلك، يتقدم كتاب الدكتور حسن المودن مسكونا بهاجس علمي، وفي الآن ذاته بوصفه استجابة لراهن إنساني في حاجة ماسة إلى إشاعة ثقافة الحوار المنبني على أساس الإقناع والاقتناع بوصفها البديل الممكن والضروري لما يعرفه العالم من أشكال العنف والتطرف.
- انخراط البحث في هذا المسعى الطموح الهادف إلى بناء مفهوم نسقي للبلاغة يلم « أجزاءها « في « كلٍّ ناظم «، وذلك عبر إعادة الاعتبار لواحدٍ من مباحثها الأصيلة المتمثل في بلاغة الإقناع، وهو مبحث، وإن كان له حضور معتبر في بدايات نشأة علم البلاغة في نسختيه الإغريقية والعربية، إلا أنه عرف في ما بعد - في البلاغتين معًا ولقرون مديدة - انحسارًا وتراجعا في مقابل الاحتفاء ببلاغة المحسنات أو بلاغة الصورة والأسلوب. إن فهم البلاغة وفق هذا التصور النسقي من شأنه أن يعيد الاعتبار لعناصر ظلت بمنأى عن البحث، وأن يفتح أعيننا على جوانب أخرى تتصل بكفايات المتكلم وشروط إنتاج النص وطرق عرضه وإلقائه، وأدوار المتلقي وأشكال وسياقات التقبل، وهي أمور وإن بدت في الظاهر « محايدة « و» مفارقة «، إلا أنها من صميم البحث البلاغي لما يربط بينها – بوصفها أطراف وعناصر الخطاب من تضافر وتعالق جدلي تفاعلي في سبيل تحقيق الإقناع الذي يعد - قصدًا أو ضمنا - غاية كل خطاب.
- إعادة قراءة تراثنا البلاغي القديم قراءة جديدة تستفيد من المستجدات الراهنة في الدرس البلاغي، وهي قراءة تقتضيها ظروف الزمان والبحث العلمي، وتحكمها هذه الإرادة في ربط الماضي بالحاضر بحبال علمية وثيقة تبعث الحياة في تراثنا البلاغي، وتجعله منخرطا في حوار مع « مختلف التصورات اللغوية والبلاغية من ثقافات وعصور مختلفة «، ومساهما في إغناء التفكير البلاغي المعاصر، خصوصا وأن هذا التراث كما يقول المؤلف :» يتسم براهنية يستمدها من مفهومه النسقي للبلاغة وهو المفهوم الذي يشغل اهتمام الدارسين المعاصرين.»4 ولعل هذا اللقاء البهيج - الذي عقده حسن المودن وأداره بكفاءته المعهودة بين نصوص و استشهادات وتصورات مستمدة من تراثنا البلاغي ومن مجالات بحثية معاصرة ( البلاغة الجديدة - اللسانيات - السيميائيات – التداوليات....)- مما يزيد من قيمة هذا الكتاب ويمنحه صفات التميز والتفرد والثراء المعرفي، وهو لقاء مفيد يحقق أهدافا تأصيلية من جهة، ويوفر- من جهة أخرى- العدة المصطلحية والمفهومية اللازمة لإعادة بناء مباحث البلاغة القديمة وتنظيمها وتصنيفها وتحليلها بما يخدم فكرة البحث وأطروحته.
- يقترح الباحث- بموجب ما سبق- خريطة جديدة لمجال البلاغة تأخذ بعين الاعتبار البعد التداولي للخطاب، وتستدعي بالضرورة عناصره وأطرافه (المتكلم، النص، المخاطب، المقام) وتراعي تعالقها التفاعلي وترابطها النسقي بحيث» لا يمكن التفكير في طرف أو عنصر إلا إذا انطلقنا من أنه غير قابل للانفصال عن العناصر والأطراف الأخرى» خصوصا و» أن بعض العناصر التي قد تبدو خارجية، من مثل المخاطب والمقام، هي في الواقع من المكونات الداخلية للنص.»
3
واعتبارا لما سلف - وانسجاما مع منطلقات البحث وأهدافه - عمد الباحث إلى تبويب بحثه وتفصيله وفق بناء محكم يضمن الانسجام الضروري والوصل الأطروحي بين أجزائه، ويستجيب لهدف البحث المتمثل في تبيان دور عناصر الخطاب – مفردة أو متفاعلة - في تحقيق غاية الإقناع.
فجاء تصميم البحث وفق الشكل الآتي:
المدخل العام: خصصه المؤلف لتحديد المصطلحات والمفاهيم المركزية في بحثه، والتي تشكل مفاتيح الولوج الضرورية لأبواب البحث مثل: الخطاب والإقناع والبلاغة.
الباب الاول: وعنوانه: كفايات المتكلم: انصب فيه جهد المؤلف على إبراز دور المتكلم في بناء الخطاب الإقناعي إنتاجا وإنجازًا، وذلك عبر إعمال مصطلح الكفايات الذي يقصد به «مجموع الإمكانات اللغوية ومجموع ما يسمح للمتلفظ بالإنتاج»6 موسعًا هذا المفهوم ليشمل نوعا آخر من الكفايات سماها بكفايات الإنجاز.
وقد خص الباحث كل نوع بفصل مستقل، إذ أفرد الفصل الأول لدراسة كفايات الإنتاج، وهي مجموع المؤهلات والكفايات اللغوية الأدبية والثقافية التداولية والنفسية الانفعالية التي ينبغي أن يمتلكها المتكلم من أجل إنتاج الخطاب، كيفما كان نوعه وجنسه، مستشهدًا في هدا الإطار بالكثير من النصوص البلاغية القديمة التي تبرز وعي البلاغيين بهذا الجانب، والتي تكشف أنهم لم يكونوا يفكرون في الإنتاج اللغوي والأدبي أساسا بعيدًا عن سياقه التخاطبي الاجتماعي المحكوم بقيم أدبية وثقافية واجتماعية.
وأفرد الفصل الثاني لدراسة ما أسماه بكفايات الإنجاز، وفيه يسافر الباحث بالقارئ إلى أجواء وعوالم تتسم بالكثير من الجدة والطرافة، إذ تكشف جانبا آخر من نشاط المتكلم لا نلتفت إليه إلا قليلا، وهي كفايات يقتضيها الأداء الشفاهي للخطاب ويستلزمها التواصل الحي المباشر بين المتكلم والمخاطب، مما يستدعي امتلاك المتكلم لكفايات ذات طبيعة مسرحية « تسمح للمتكلم بأن يحول نصه إلى عمل يوظف كل العوالم التي تلازم خطابا يقال في مكان وزمن محددين وتسمح له بأن يوسع دال نصه فيشمل إلى جنب الدال اللفظي الدال الحركي واللباسي السيميائي»7، وبهذا المعنى يتسع مفهوم البلاغة ليشمل بلاغة الجسد في حركته وسكونه وصمته وصوته وسائر الوسائل والتدابير الفضائية و المشهدية التي يستعين بها ويوظفها من أجل التأثير في المتلقي وإقناعه.
وأثناء دراسة هذا الجانب المثير الشيق ودوره في الإبلاغ والإقناع، يميز الباحث بين ما أسماه بالكفايات التدبيرية، وتتصل بطرق تصريف الخطاب من حيث تدبير الابتداء والاختتام وتدبير الكلام بين الإيجاز والإطناب وتدبير الخطاب بين الكلام والصمت، لينتقل في مبحث مستقل إلى دراسة ما أسماه بالكفايات المسرحية، وتتصل هذه ببلاغة الصوت وبلاغة الصمت وبلاغة الحركة وبلاغة اللباس مبرزا دورها في التواصل والإبلاغ والإقناع، مستشهدًا بما يناسب المقام من نصوص معاصرة وتراثية قديمة تبرز أصالة هذا المبحث الفريد الذي دشنه الجاحظ باقتدار ولم يكتب له – للأسف - والتطور الاستمرار.
الباب الثاني: بعد تناوله الموفق لكفايات المتكلم - منتجا ومنجزًا للخطاب - وبيان دورها في الإقناع، ينتقل الباحث إلى دراسة العنصر الثاني من عناصر الخطاب والمتمثل في النص ليفتح أمام القارئ الباب الثاني الذي عنونه بعنوان دال هو:» فعالية النص «، ويقصد بها « أن يتوفر النص على ما يكفي من الإمكانات والخصائص ليفعل في مقامه وسياقه، أو الأصح ليكون فعالا في إدماج المخاطب وإقناعه واستمالته»8. وهو يؤكد أن أعمال البلاغيين» وهي تدافع عن شعرية النص، لا تضحي بتداوليته، فقد كانوا يخوضون في مباحث تهم ما يسمى اليوم بالتداولية النصية، لأنهم لا يدرسون النص من جهة عناصره وبنياته الداخلية، بل يدرسونها من جهة فعاليتها وتأثيرها «9، وهذا ما يثبته المؤلف بالدليل والبرهان من خلال دراسة وجهة نظر البلاغيين لأهم مكونات النص ومقوماته (اللفظ والنظم والمجاز والاستعارة) مخصصا لكل عنصر فصلا مستقلا، مراوحا في الاستدلال والاستشهاد بين نصوص مستمدة من البلاغة العربية القديمة والمعاصرة والغربية.
ففي الفصل الأول المعنون ببلاغة اللفظ، يبين المؤلف كيف حظي هذا العنصر باهتمام البلاغيين قديما وحديثا وكيف أن اهتمامهم بشعرية هذا العنصر لا ينفصل عن اهتمامهم ببعده الإقناعي، وأن سر فصاحة الألفاظ يكمن في الجمع بين الوظيفة الشعرية والوظيفة التداولية، ليخلص المؤلف - بعد سياحة فكرية ماتعة في مصادر البلاغة ومراجعها- أن اللفظ قوة خلاقة وفاعلة في الإقناع والتأثير أولاها العلماء قديما وحديثا الكثير من العناية من حيث وظائفه الشعرية والتداولية والنفسية.
وفي الفصل الثاني ينتقل الباحث إلى دراسة بلاغة النظم، منطلقا من تحديد مفهوم هذه النظرية التي ترى أن مزية البلاغة إنما تكمن في التأليف والتركيب لا في خواص الألفاظ، ومن خلال تحليل أسس هذه النظرية واستحضار بعض الدراسات والقراءات المعاصرة لها ، يخلص الباحث إلى خلاصة مفادها أن مفهوم النظم عند البلاغيين « يعني أن ننظر إلى التركيب باعتباره مكونا بنيويا من مكونات النص الداخلية، وأن ننظر إليه في الوقت نفسه من منظور تداولي باعتبار التأثيرات التي يحدثها هو نفسه بشعريته في مقام معين. ذلك أن هناك اهتماما بصورة التركيب وبالغرض من استعمالها وتوظيفها، وهذا يعني أن شعرية النظم ينظر إليها من زاويتين مترابطين: نصية شعرية ووظيفية تداولية»10.
أما في الفصل الثالث والذي عنونه ب: الاقناع بالمجاز والاستعارة، فقد انصرف جهد الباحث إلى دراسة مقومين بلاغيين وهما المجاز والاستعارة مركزًا على الجهود التي تربط بين المجاز والإقناع وبين الاستعارة والحجاج، مبرزًا بالتحليل والاستشهاد تلازم وظيفة هذين المقومين الشعرية والتداولية، وهو ما انتبه إليه كثير من الباحيثن القدامى والمعاصرين .
الباب الثالث: ينتهي المؤلف في هذا الباب كما يدل على ذلك عنوانه: دور المخاطب والمقام في الإقناع إلى الحلقة الأخيرة من عناصر الخطاب، والمتعلق بالمخاطب ومقتضيات الحال والمقام فخص المخاطب بعنايته في الفصل الأول منطلقا من مفهوم مركب يفصل بين نوعين من المخاطب، فالمخاطب هو» الكائن الإنساني الواقعي الذي يتوجه إليه المتكلم بالخطاب في زمان ومكان محددين» وهو في الآن ذاته «هذا الكائن نفسه وقد انتقل إلى متخيل المتكلم ليكون من العناصر المؤسسة لخطابه.»
يسمي المؤلف المخاطب الأول بالمخاطب البعدي أو الواقعي وينعت الثاني بأنه مخاطب قبلي أومتخيل، ويرى» أن نجاح الخطاب أو فشله رهين بالمسافة الفاصلة بين المخاطب الواقعي والمخاطب المتخيل، أي أن المسافة الفاصلة بين الصورة المتخيلة وبين الواقع هي التي تحدد فعالية الخطاب، فإذا كانت المسافة كبيرة فإن مآل الإقناع هو الفشل وكلما كانت الصورة المتخيلة اقرب من الواقع إلا وكانت عنصرًا حاسما في التواصل والإقناع» .
ولما كانت فعالية الخطاب رهينة بمدى امتلاك المتكلم لصورة ذهنية واضحة حول المخاطب، وكان استحضار أحوال المخاطب أثناء تشكيل النص وبنائه مما يضمن نجاعة الخطاب، فإن المخاطب يكف عن أن يكون عنصرًا خارجيا أو مجرد هدف للخطاب، ويصبح-حسب المؤلف- عنصرًا ضروريا في بنائه.
ثم ينتقل المؤلف – بعد هذه التحديدات والتنويرات الضرورية - إلى تعيين بعض الأمور التي ينبغي للمتكلم اعتبارها - والتي نجد البلاغي القديم على وعي بأهميتها - وتتمثل في ما اسماه ب: الهوية السيوسيوثقافية للمخاطبين من حيث انتماؤهم إلى العامة أو الخاصة، وكذا أحوالهم السوسيولغوية والذهنية والثقافية والنفسية الانفعالية.
وفي الفصل الثاني ينتقل المؤلف لدراسة دور المقام في إنتاج الخطاب الإقناعي مبتدئا ببيان معنى قول العرب « لكل مقام مقال «، مبرزا تعدد معاني مصطلح المقام الذي قد يعني العلاقات الداخلية للنص أو علاقة النص بنوع الخطاب وجنسه أو علاقة النص بأغراض الجنس الواحد وقد يدل أيضا على علاقة النص بمقاصد الخطاب وغاياته. وفي كل الحالات يبدو أن المقال ليس مادة لغوية معزولة عن مقامها، بل هما مترابطان مندمجان بشكل يستحيل معه الفصل بينهما. ولتبيان العلاقة الجدلية بين هذين العنصرين ركز دراسة معنيين لهذا العنصر هما مراعاة الألفاظ للأغراض والمقاصد ومراعاة التراكيب للأغراض والمقاصد.
ووصلا للماضي بالحاضر يخصص الفصل الثالث لبيان حضور عنصري المخاطب والمقام وأهميتهما في الدراسات المعاصرة. ثم ذيل البحث بخاتمة تضمنت أهم الخلاصات والاستنتاجات التي خلص إليها.
4
وختاما، وجب التذكير أن منجز الدكتور حسن المودن في هذا الكتاب الخصيب هو أوفى من أن تحيط به قراءة غايتها الأولى تقريب القارئ من خطوطه العريضة، فالكتاب بقدر ما ينحت هذا المجرى النسقي العام - الذي بينا بعض ملامحه أعلاه- بقدر ما ينزع نزوعا أكبر إلى فتح مسارب ومساقات - من هذا المجرى - يمكن أن تشكل - في ذاتها - بحوثا مستقلة، والكتاب – أيضا - بقدر ما يجتهد في إقناع القارئ بمضمونه بقدر ما يستفز ذهنه بالسؤال ويدعوه إلى الإبداع .
ثم إن الكتاب أيضا بقدر ما يستحضر بقدر ما يستشرف، كل هذا يجعلنا لا نجد حرجا في التصريح أن أحسن قراءة لهذا الكتاب هو قراءته في ذاته.
الهوامش والإحالات :
1 صدر هذا الكتاب في طبعته الأولى سنة 2014 من دار كنوز المعرفة العلمية للنشر والتوزيع، عمان، المملكة الأردنية الهاشمية.
2 للدكتور حسن المودن إسهام غزير في مجال البحث العلمي تدل عليه تآليفه الكثيرة، إذ صدر له لحد الآن سبعة كتب أهمها:
2015: الرواية البوليسية والتحليل النفسي، من قتل روجير أكرويد؟، تأليف بيير بيار، دار
رؤية، القاهرة، مصر.
2013: مغامرات الكتابة في القصة القصيرة المعاصرة، القصة القصيرة بالمغرب
نموذجا، منشورات اتحاد كتاب المغرب، دار عكاظ الجديدة، الرباط، المغرب.
2009: الرواية والتحليل النصّي، قراءات من منظور التحليل النفسي، الدار
العربية للعلوم ناشرون، بيروت، لبنان، منشورات الاختلاف بالجزائر، دار الأمان
بالرباط.
2008 : الرواية العربية، قراءات من منظور التحليل النفسي، دار التنوخي
للنشر والتوزيع، أسفي، المغرب.
2002 : لاوعي النص في روايات الطيب صالح، قراءة من منظور التحليل
النفسي، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش، المغرب.
2001: الكتابة والتحول، منشورات اتحاد كتاب المغرب، الرباط، المغرب.
1996 : ترجمة كتاب: التحليل النفسي والأدب، لصاحبه جان بيلمان نويل، المجلس
الأعلى للثقافة، القاهرة، مصر.
3- بلاغة الخطاب الاقناعي، المصدر السابق ، ص:5.
4- نفسه، ص:10.
5- نفسه، ص:351.
6- نفسه، ص:39-40.
7- نفسه، ص:53.
8- نفسه، ص:146.
9- نفسه، ص:146.
10- نفسه، ص:236.
11- نفسه، ص:275.
12-نفسه، ص275.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.