التقرير الموضوعاتي حول «وضعية المساواة والمناصفة بالمغرب» لم يرق السيد رئيس الحكومة، وأطلق جام غضبه على مؤسسة دستورية، وهي المجلس الوطني لحقوق الإنسان وعلى مناضليه. التقرير والإحصائيات التي تقدمها المندوبية السامية للتخطيط لم تسلم هي بدورها من اعتراضات السيد رئيس الحكومة وزبانيته، مما يؤدي إلي تسفيه عمل هذه المؤسسة العلمية، والتي تشتغل على معطيات دقيقة وموضوعية. إذن ماذا يريد؟ وبماذا ننعث هذا الموقف السياسي؟ إنها سياسة الحجر على العقول وتحجيمه وحصر دورها في أمور تافهة . إنها سياسة بث الرهبة والذعر في كل موقف معبر عنه أو اجتهاد .إنها سياسة تكميم الأفواه ، وبتر الآراء، وقصف العقول . كثيرا، ما رددوا على مسامعنا شعارات براقة، وذات لمعان من التعايش والشراكة، واحترام الرأي الآخر، وتفيعل الممارسة الديمقراطية، وتدبير الإختلاف، ولكن هذه الإدعاءات سرعان ما تاهت بمجرد وصولهم إلى سدة تدبير الشأن العام. لقد تناسوا أن العالم يتغير في كل لحظة وحين، ولكي تستطيع اللحاق بهذا الركب المتسارع ،يجب التخلي عن تلك السياسة التي عفا عنها الزمن ، والتي لا تزال عندهم تحوم في سماء وطننا، وتملأ الجو سموما كثيفة كالأدخنة... انها منبعثة هذه السياسة من قلوب لا تحب الحرية، ولا تحب أن يسمع صوت غير صوتها، ولا يكتب اسم غير اسمها ... تلك القلوب المنغلقة على نفسها، ولا ترى، في هذا الكون الفسيح، إلا صورتها البائسة ... وان كانت تدعي أنها تؤيد السماع إلى الآخر، وتحب مناقشته ومعرفة وجهة نظره وتدعو إلى حرية الكلمة . إن الشعوب الأخرى تتطور وتتأقلم مع كل المستجدات، من أجل البقاء، في عراك حقيقي مع التطور والنمو . لماذا؟ لأن الأصوات الأخرى مناوئة أو مساندة لم تبتر ، بل كل قرار أو رأي يوضع تحت المجهر، وكل الجهود تسخر من أجل خير وصلاح البلاد والعباد. ونحن، كانت قفزتنا كبيرة، وانتشلتنا من سنوات الرصاص والتحكم، بفضل نضال مرير، خاضه شرفاء هذا البلد، والساعون والمدافعون عن قيم الحداثة والديمقراطية والحرية، الدين رسموا أجمل صورة للتعايش والقبول بالآخر، والتاريخ شاهد على ذلك. لهذا فمن الصعوبة بمكان أن نرتقي ببلدنا، مادامت عقلية القطيع متأصلة عند البعض، الذين يسعون إلى تقويض هذا الصرح الذي ننشده جميع والمتمثل في احترام حرية التعبير والحريات الشخصية لعامة الشعب، لأننا بلد يتمتع بالديمقراطية. إن من يضيق درعا بآراء المخالفين، ويسعى إلى بث السموم، وتوزيع التهم الرخيصة شمالا ويمينا، ويحاولون تكميم الأفواه مستهدفين السياسيين والحقوقيين والمفكرين وكذا الجمعويين، ستدك زيف شعاراتهم بفضل الرفض الشعبي والسخط المجتمعي والأقلام الحرة الصدامة ...